01 - 05 - 2025

حكاية انتصار !

حكاية انتصار !

بقلم /  معصوم مرزوق

كان ذلك في صيف 1962 ، حين فاجأني والدي رحمه الله بخبر سعيد ، فقد أعلن أنه مكافأة لي علي تفوقي سوف يصحبني لمشاهدة مباراة الأهلي وبنفيكا التي كانت حديث المجتمع المصري ، ولا زلت أتذكر ما كتبه الناقد الرياضي الشهير نجيب المستكاوي ناصحا حارس مرمي النادي الاهلي الشهير عادل هيكل أن يركب عدادا في مرماه كي يحسب عدد الاهداف الكثيرة التي ستدخل مرماه .

كنت غاضبا من تعليق المستكاوي ، وتعليقات أقراني من الزملكاوية الذين كانوا يسخرون من جرأة محمد عبد صالح الوحش الذي أكد أن رجاله سوف يكسبون المباراة ، والحقيقة كان تصريحا يتسم بالثقة الزائدة علي ضوء أن بنفيكا كان قد فاز قبل شهر فقط ببطولة أوروبا ( تقريبا علي حساب الأسطورة ريال مدريد ).

وصباح يوم 2 يوليو 1962 ، كان موعدي مع أول مباراة أشهدها من الملعب مباشرة ، حيث اصطحبني الوالد رحمه الله ، وهالني حجم استاد ناصر ( الذي تحول فيما بعد في زمن السادات إلي استاد القاهرة )، كنت مبهورا بالأعداد الغفيرة التي احتشدت وقيل إنها كانت 120 ألفا ، كنت في شوق لمشاهدة صالح سليم وطه اسماعيل وعادل هيكل وغيرهم من رموز الاهلي آنذاك ، وكذلك كنت أريد أن أري عن قرب ذلك الثعلب الاسود ايزيبيو الذي قرأت عنه الاعاجيب.

ولن انسي أبدا صوت قصف الرعد من الهتاف حين أحرز الاهلي اول أهداف المباراة ، واحرزه لاعب مستعار للنادي الأهلي اسمه علي ما اذكر بدوي عبد الفتاح ، وقلت لنفسي وانا اصرخ مثلهم ، يبدو أن صالح الوحش كان يعني ما يقول ، وشعرت بالشماته في المستكاوي، الذي لم أكن أفهم كيف يسمح لضميره الوطني أن يؤثر علي الروح المعنوية لحارس مرمي النادي الأهلي ( الذي ظهر في فيلم إشاعة حب مع عمر الشريف وسعاد حسني ويوسف وهبي وهند رستم في دور الشاب المتهور ، والذي أداه بطريقة مضحكة أثارت علينا سخرية مشجعي الزمالك ) .

ولن انسي كذلك الصمت والسكون الذي حط علي استاد ناصر ، وكأنه سكتة قلبية ألمت بكل المشجعين في نفس اللحظة حين أحرزت بنفيكا هدف التعادل ، وبعده مباشرة تم نصب السيرك البرتغالي ، وتوالت القذائف علي مرمي عادل هيكل الذي استبسل بشكل غير عادي في حماية مرماه ، وبدأ الجميع يتوقعون تحقق نبؤة المستكاوي ، ونحن ننظر بأسي إلي مدرب الأهلي صالح الوحش وهو ينادي علي لاعبيه ويعطيهم تعليمات ، وكأن لسان حالنا يقول لحظتها :" كان ليه يا وحش تفتح صدرك كده ، يا كابتن كنت تواضع شوية " !.

ولكن مرة أخري عاد الرعد يقصف الاستاد بصوت أظن أن كل القاهرة قد سمعته ، حين مرر صالح سليم كرة إلي بدوي عبد الفتاح الذي أحرز هدف التقدم للأهلي .

واشتعل الغضب البرتغالي ، وحاصروا الاهلي وهم يقذفون مرمي هيكل من كل جانب ، والجمهور يشجع الاهلي مع احساس بالخوف من انقلاب الحال مرة أخري ، لدرجة أنني رغبت أن أغادر الاستاد والاهلي فائز حتي لا يتحطم قلبي وانا اشاهد هزيمته ، وهزيمة أملي في النصر ، فقد كنت ضمن جيل كامل ينهض في مصر ، يمتلئ ثقة في النجاح والتقدم والنصر ، ولكن والدي رفض رجائي أن نغادر الإستاد ، قائلا بابتسامته الشهيرة العبقرية :" خللي عندك روح رياضية " ، وربما كان لدي كل انواع الأرواح الخيرة والشريرة في تلك اللحظات ، إلا أنه ليس بينها الروح الرياضية !.

وفوجئنا بالشيخ طه اسماعيل بين كل هذا الحصار البرتغالي ، يفلت برشاقة من بين دفاع بنفيكا الصلب ويسجل الهدف الثالث في مرمامهم ..

ولا أستطيع أن اصور الحالة التي صار عليها جمهور الاهلي ، بل وأطقم الشرطة التي تخلت عن مهمتها واقتحمت الملعب كي تقبل طه اسماعيل ، ومعهم بعض المصورين الموجودين حول الملعب ..كنت اهتف من كل قلبي وقد غلبتني الدموع " انتصرنا .. انتصرنا " علي نمط الأغنية الشهيرة لعبد الحليم حافظ التي تحتفي بنصر مصر علي العدوان الثلاثي .

لكن العدوان البرتغالي جن جنونه ، وانطلقت صواريخ ايزيبيو ورفاقه تمطر مرمي عادل هيكل الذي كان يقفز في كل اتجاه ويتمرغ في الأرض في محاولاته صد هذا الطوفان .

واقترب موعد انتهاء المباراة ، والجميع غير مصدقين ما تراه العيون ، الاهلي يقهر أفضل فريق اوروبي ؟ ..ولم نشعر بخوف شديد حين نجحوا في إحراز هدفهم الثاني قبل النهاية بدقائق حيث تكتل لاعبو الأهلي يزودون عن حياضهم بكل الطرق القانونية وغير القانونية.

انتهت المباراة بفوز مدهش للأهلي 2/3 ، وفي طريق العودة كنت افكر شامتا في الناقد المستكاوي ، وكيف سأعاير أقراني من الزملكاوية لسنوات بهذا النصر العظيم .

……………………………….

بقلم /  معصوم مرزوق

مساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات اخرى للكاتب

محاكمة قناة السويس في بريطانيا!