بقلم / عزالدين الهواري
في شهر الرحمة والعبادة، تحوّلت غزة إلى مسرحٍ لمجزرة مروعة ارتكبها الاحتلال الصهيوني، حيث استُشهد أكثر من 440 فلسطينيًا وأُصيب أكثر من 550 آخرين خلال 12 ساعة فقط. لم يكن هذا المشهد استثناءً، بل امتدادًا لجرائم إبادة ممنهجة، ارتُكبت بدمٍ بارد وسط صمت عالمي وتواطؤ أمريكي مستمر، ليصبح رمضان هذا العام شاهدًا على واحدة من أبشع المجازر في تاريخ القضية الفلسطينية.
مجازر في الشهر الكريم... وحماية أمريكية للجريمة
منذ 75 عامًا، لم يتوقف الاحتلال عن استهداف الفلسطينيين، لكن جرائمه في رمضان تكتسب بعدًا أكثر وحشية، وكأن هذا الكيان لا يطيق أن يرى الفلسطينيين يحتفلون بالشهر الفضيل. ومع كل صاروخ يسقط، تؤكد واشنطن أنها ليست فقط داعمة للاحتلال، بل شريك رئيسي في جريمته، إذ تواصل تسليحه وتمويله ومنحه الغطاء السياسي، في حين تتحدث عن "حقوق الإنسان" عندما يناسبها الأمر.
لكن المفارقة الكبرى أن هذه القوة العظمى، التي تمارس البلطجة على الدول الضعيفة، تقف عاجزة أمام الدول التي تمتلك القدرة على الردع. لم تجرؤ على مواجهة كوريا الشمالية، ولم تستطع التدخل المباشر في أوكرانيا خشية الرد الروسي، بينما تستأسد على الفلسطينيين العزل. إنه جبن سياسي، يكشف أن "الهيمنة الأمريكية" مجرد وهم، يستعرض قوته فقط أمام من لا يملكون الدفاع عن أنفسهم.
القتل بلا حساب… والدعم بلا شروط
الإدارة الأمريكية، التي تدّعي الدفاع عن "حقوق الإنسان" و"الديمقراطية"، لم تجد في مشاهد الأطفال المنتشلين من تحت الأنقاض، أو العائلات التي أُبيدت بالكامل خلال دقائق، ما يستدعي التوقف عن دعم الاحتلال. هذه السياسة ليست مجرد انحياز، بل هي مشاركة مباشرة في الجريمة، تؤكد أن واشنطن لا تحترم أي قوانين دولية عندما يتعلق الأمر بحماية الكيان الصهيوني.
لكن المفارقة الكبرى أن هذه القوة العظمى، التي تُرسل حاملات الطائرات وتقصف الدول الضعيفة دون تردد، تقف عاجزة أمام الدول التي تمتلك القدرة على الردع. لم تجرؤ أمريكا على مواجهة كوريا الشمالية رغم تهديداتها المستمرة، ولم تستطع التدخل في أوكرانيا بشكل مباشر خوفًا من الرد الروسي. إنها سياسة تعتمد على استضعاف الشعوب المسالمة واستهدافها، لكنها تنهار أمام الدول القوية، مما يكشف أن ما يسمى "الهيمنة الأمريكية" ليس إلا استعراضًا جبانًا أمام الضعفاء، وخضوعًا مُذلًا أمام الأقوياء.
لماذا يبقى اليهود أقلية رغم قرون من التاريخ؟
رغم أن الديانة اليهودية نزلت على سيدنا موسى منذ أكثر من 4000 عام، فإن عدد اليهود في العالم لا يتجاوز 20 مليون نسمة، في حين أن أقل فئة منشقة عن الإسلام أو المسيحية أو البوذية أو حتى الإلحاد تتجاوز أعدادهم بمراحل. عبر التاريخ، لم تستطع المجتمعات التعايش مع اليهود بسبب نقضهم الدائم للعهود وخيانتهم المستمرة، مما أدى إلى طردهم من العديد من الدول. شرّهم لم يكن نتيجة اضطهاد خارجي، بل كان السبب الرئيسي في تناقص أعدادهم، لأنهم لم يستطيعوا التكيف مع أي مجتمع دون زرع الفتن والصراعات، مما جعلهم دائمًا في حالة صدام مع الشعوب التي احتضنتهم لفترة ثم لفظتهم بعد اكتشاف حقيقتهم. وتخريب القيم ونشر الحروب والقتل
خذلان الحكام... وإصرار المقاومة
لأكثر من 150 عامًا، تهاوت الدول الإسلامية بسبب أنظمة حكم خانعة، لم تكتفِ بالتخاذل، بل منعت الشعوب حتى من الدفاع عن نفسها. ولكن، وإن أُبيدت غزة أو هُجرت بالكامل، هل سيستسلم 450 مليون عربي؟ هل سيبقى خذلان المسلمين إلى الأبد؟ هل ستبقى أمريكا وعملاؤها في المنطقة مسيطرين بلا منازع؟
سقوط أمريكا ليس مجرد احتمال، بل لحظة قادمة، وعندها لن يكون هناك وجود لما يسمى بالكيان الصهيوني. سيكون ذلك اليوم يوم الحساب، يومًا يُغلق فيه سجل 75 عامًا من الإجرام الصهيوني-الأمريكي، حيث لا حماية ولا تواطؤ، بل ثأرٌ يشفي غليل الأجيال.
رمضان الشهادة... والصمود المستمر
اليوم، نشهد رمضانًا بلا عيد، حيث ترتفع تكبيرات الجنازات بدلاً من تكبيرات العيد. لكن في المقابل، نشهد مقاومةً لا تنكسر، وعزيمةً لا تهزم، وإيمانًا بأن هذا الاحتلال، مهما طال به الزمن، فمصيره إلى زوال.
………………………..
بقلم / عزالدين الهواري