أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، خلال كلمتها في مؤتمر “أوروبا 25” الذي استضافته صحف ZEIT وHandelsblatt وWirtschaftswoche وTagesspiegel، على ضرورة التصدي لعالم تهيمن عليه القسوة والقوة العسكرية، مشددة على أهمية الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد وتعزيز وحدة أوروبا في مواجهة التحديات الراهنة.
وأشارت بيربوك في بداية كلمتها إلى تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوعين من غزو أوكرانيا في فبراير 2022، والتي تضمنت تلميحات ساخرة وتعبر عن النزعة للهيمنة وازدراء القوانين الدولية.
وأضافت أن هذه التصريحات لم تكن مصادفة، بل تعكس رؤية سياسية قائمة على “قانون القوة” وليس على قواعد القانون الدولي، حيث يرسم الأقوياء حدود العالم ويفرضون إرادتهم على الآخرين.
وأكدت بيربوك أن التحدي الرئيسي في السياسة الخارجية اليوم هو رفض الخضوع لهذا “العالم القاسي”، والعمل مع الشركاء الدوليين لحماية النظام العالمي القائم على القواعد. وشددت على أن التمسك بالقوانين الدولية ليس فقط موقفًا أخلاقيًا، بل هو ضرورة لحماية المصالح الأمنية لألمانيا وأوروبا.
وأوضحت أن بعض الأصوات في ألمانيا تطالب باتباع نهج أكثر تشددًا، والتخلي عن المبادئ الديمقراطية لصالح القوة، لكنها أكدت أن القوانين والنظام الدولي هما مصدر قوة ألمانيا الحقيقي.
وقالت: “نحن دولة قوية، لكننا لسنا قوة عسكرية عظمى أو إمبراطورية نفطية. قوتنا تكمن في الذكاء الاستراتيجي والاقتصاد القوي.”
وأضافت أن ألمانيا، كثالث أكبر اقتصاد في العالم، تستفيد من حرية التجارة وأمن طرق النقل، ومن التزام المجتمع الدولي بالقوانين الدولية.
وأكدت أن “اللعب في ساحة القسوة” سيجعل ألمانيا عرضة للابتزاز، وأن العمل منفردًا سيؤدي إلى الفشل.
شددت بيربوك على أن الرد الوحيد على الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، وكذلك على سياسات “أمريكا أولًا” التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق، هو “أوروبا الموحدة”.
وأكدت أن أوروبا بحاجة إلى أن تكون جريئة وشجاعة، مشيرة إلى أن ألمانيا أظهرت هذه الروح من خلال تعديل الدستور لتوفير الموارد المالية اللازمة لدعم الأمن والدفاع.
وأكدت أن التحدي الآن يتمثل في الإرادة السياسية والطموح لتنفيذ هذه التغييرات، محذرة من أن المواقف المترددة لن تؤدي إلى النجاح.
وقالت إن أوروبا بحاجة إلى التحرك بثقة وحسم، مشددة على أن “أن تكون أوروبا قوية قليلاً يشبه أن تكون حاملاً قليلاً — هذا أمر غير ممكن.
أشارت بيربوك إلى أن أحد أكبر العقبات أمام قوة أوروبا هو اعتماد صناعات الدفاع الأوروبية على الأنظمة الوطنية، مما يخلق حالة من عدم الكفاءة.
وأضافت أن الحل يكمن في إنشاء “اتحاد دفاع أوروبي”، وتوحيد السوق الأوروبية للأسلحة، مما سيمكن أوروبا من استخدام مواردها بشكل أكثر فاعلية.
كما شددت على أهمية إنشاء “اتحاد أسواق رأس المال” لتعزيز الاستثمارات داخل أوروبا، بدلًا من هروب رؤوس الأموال إلى أسواق منافسة.
أعربت بيربوك عن ضرورة توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل أوكرانيا ومولدوفا ودول البلقان الغربية، مؤكدة أن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي تمثل وعدًا مستقبليًا لأمن واستقرار القارة.
كما دعت إلى تطبيق مبدأ التصويت بالأغلبية المؤهلة في قضايا السياسة الخارجية، مؤكدة أن استمرار العرقلة من قبل دولة واحدة يعطل قدرة الاتحاد على التحرك بفعالية.
أكدت بيربوك أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بقوة اقتصادية عالمية، حيث يمتلك أكبر سوق موحدة في العالم، ويحتفظ بنحو 14% من براءات الاختراع العالمية، ويتفوق على الصين في تصدير السلع المتقدمة تكنولوجيًا.
وأضافت أن التعاون مع الدول الديمقراطية الكبرى مثل اليابان وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية يعزز قوة أوروبا في مواجهة التحديات العالمية.
وختمت بيربوك كلمتها بالتأكيد على أن أوروبا لا ينبغي أن تخضع لهذا “العالم القاسي”، بل يجب أن تستفيد من مكانتها كشريك موثوق به في المجتمع الدولي.
وقالت: “قوتنا تكمن في وحدتنا، وثقتنا بأنفسنا، وشراكتنا مع العالم. هذا هو طريق أوروبا نحو مستقبل مستقر وآمن.”