التواضع يعنى التذلل، وإظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وكراهية التعظيم والزيادة فى الاكرام، وأن يتجنب الإنسان المباهاة بما فيه من الفضائل، والمفاخرة بالجاه والمال، وأن يتحرر الإنسان من الإعجاب والكبر.
وقيل التواضع رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته، وهو وسط بين الكبر والضعة، فالضعة وضع الإنسان نفسه مكانا يزرى به بتضييع حقه، والكبر رفع نفسه فوق قدره.
وقيل التواضع هو عدم التعالى والتكبر على أحد من الناس، مهما كانوا أقل منزلة منه، وأفضل درجات التواضع هو ما لا يكاد يظهر للغير
والتواضع خلق حميد، وجوهر لطيف يستهوى القلوب ويستثير الإعجاب والتقدير، وهو من أخص خصائص المؤمنين المتقين ومن سجايا العاملين الصادقين ومن شيم الصالحين المخبتين
ومن رزقه الله تواضعاً يبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، وهو كريم الطبع جميل العشرة متواضع من غير ذلة وجواد من غير إسراف
ويقول الحسن البصرى: التواضع أن تخرج من منزلك فلا تلق مسلما الا رأيت له عليك فضلا
ويقول عبدالله بن المبارك: رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك فى نعمة الدنيا حتى تعلمه أن ليس لك بدنياك فضل عليه، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك فى نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس بدنياه فضل عليك.
وقال الإمام الشافعى: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم واخلاق اللئام
ويقول سلمان الفارسي رضي الله عنه: من تواضع لله فى الدنيا رفعه يوم القيامة
وقال سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه: وجدنا الكرم فى التقوي، والغنى فى اليقين، والشرف فى التواضع
وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنكم لتغفلون أفضل العبادة، التواضع
وأشاد الشعراء بخلق التواضع ومن ذلك:
كم جاهل متواضع.. ستر التواضع جهله
ومميز فى علمه.. هدم التكبر فضله
فدع التكبر ما حييت.. ولا تصاحب أهله
والكبر عيب للفتى.... أبدا يقبح فعله
ويقول شاعر آخر:
تواضع إذا ما نلت فى الناس رفعة
فإن رفيع القوم من يتواضع
ولا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعا
فكم تحتها قوم هم منك أرفع
وإن كنت فى عز رفيع ومنعة
فكم مات من قوم هم منك أمنع
ويقول الشاعر ايضا:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكن كالدخان يرفع نفسه
إلى طبقات الجو وهو وضيع
غير أن جلال الدين الرومى يقدم لنا تلك النصيحة: لا تسرف فى التواضع فهو يفقد الناس القدرة على رؤية الحدود
وخير من أوصانا بالتواضع من أوتى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد
ويبشرنا الحبيب: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله
واوصانا رب العزة والجلال بالتواضع فقال (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) الشعراء ٢١٥
(ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) الإسراء٣٧
(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) المائدة٥٤
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) القصص٨٣
(فلا تزكوا انفسكم هو أعلم بمن اتقى) النجم ٣٢
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) الفرقان٦٣
اللهم ارزقنا تواضعا يزيدنا رجاء فى رحمتك وشكرا لنعمك، واحتراما لعبادك الصغير قبل الكبير، والفقير قبل الغني، والضعيف قبل القوي
-------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج