01 - 05 - 2025

إبراهيم الرفاعي.. أمير الشهداء وأسطورة الرجولة والشرف في تاريخ العسكرية المصرية

إبراهيم الرفاعي.. أمير الشهداء وأسطورة الرجولة والشرف في تاريخ العسكرية المصرية

عندما نتحدث عن الرجولة والشرف في معناهما المطلق، فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن التاريخ العسكري المصري لم يعرف رجلًا في بأس وشجاعة إبراهيم الرفاعي. لم يكن مجرد مقاتل، بل كان رمزًا لمصر كلها، رجلًا لا يهاب الموت، بل يطلبه شرفًا ويصنع منه وسامًا على صدر الوطن.

الرجل الذي لا يُعوض

وُلد البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي ليكون محاربًا بالفطرة، رجلًا لا يعرف الاستسلام، لا يعترف بالهزيمة، ولا يقبل إلا بالنصر أو الشهادة. كان قدره أن يقود رجالًا من طراز نادر، رجالًا عاهدوا الله والوطن على أن دماءهم رخيصة من أجل أن تبقى مصر عزيزة كريمة.

منذ اللحظة الأولى لانضمامه للقوات المسلحة، كان الرفاعي مختلفًا. لم يكن جنديًا تقليديًا يؤدي واجبه ثم يعود لحياته العادية، بل كان فارسًا في ساحة المعركة، مقاتلًا لا يشبه أحدًا، وصاحب عقلية عسكرية لا تقبل إلا بالمستحيل كهدف يجب تحقيقه.

أسد المخابرات الحربية ومؤسس الفرقة 39 قتال

بعد نكسة 1967، لم يكن إبراهيم الرفاعي قادرًا على تقبل أن يظل الجيش المصري جريحًا. رفض الاستسلام للحزن، وتحول إلى ماكينة قتال لا تتوقف، فأسس مجموعة "39 قتال"، وهي أقوى وأشرس وحدة عمليات خاصة في تاريخ الجيش المصري. كانت عمليات هذه المجموعة أسطورية بكل المقاييس، حيث عبرت القناة مرات عديدة، دمرت مخازن السلاح والذخيرة كي لا تقع في يد العدو، وأسرت جنودًا وضباطًا إسرائيليين تحت أنوف جيشهم الذي ادعى أنه لا يُقهر.

"يا إبراهيم، نريد صاروخًا واحدًا فقط!"

عندما طلب الفريق عبد المنعم رياض من الرفاعي أن يحضر صاروخًا إسرائيليًا لدراسته، لم يكتفِ الرفاعي بذلك، بل عبر القناة وعاد بثلاثة صواريخ، وأسير إسرائيلي فوقها! لم يكن ذلك استعراضًا للقوة، بل كان تجسيدًا لروح مقاتل يعرف أن التفوق لا يأتي من الحد الأدنى، بل من تحقيق ما هو أكثر من المطلوب دائمًا.

رجل لا يعرف سوى الثأر والكرامة

عندما استُشهد الفريق عبد المنعم رياض في 9 مارس 1969، لم يكن إبراهيم الرفاعي بحاجة إلى أوامر للرد. في اليوم التالي، قاد عملية نوعية ضد الموقع الإسرائيلي الذي خرجت منه القذائف التي قتلت رياض. النتيجة؟ قتل 44 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، دمر الموقع بالكامل، وأحرق العلم الإسرائيلي ليضع مكانه العلم المصري. لم يكن هذا مجرد انتقام، بل كان رسالة واضحة بأن دماء المصريين لا تُهدر دون ثمن.

الشهيد الذي ارتدى البيادة الحمراء

في حرب أكتوبر 1973، لم يكن الرفاعي مجرد قائد، بل كان روح المعركة نفسها. كان معروفًا وسط قواته ببيادته الحمراء التي تميزه، وكأنها إشارة واضحة للعدو: "أنا هنا، تعالوا إن كنتم تجرؤون!"

وفي واحدة من أخطر العمليات، وبينما كان يتعامل مع كتيبة دبابات إسرائيلية، استطاع العدو كشف موقعه، فأمطروه بنيران كثيفة. رفض التراجع، واستمر في القتال حتى استُشهد، تمامًا كما أراد دائمًا، شهيدًا في ميدان الشرف، وسيدًا للأبطال حتى في لحظة رحيله.

هل نال إبراهيم الرفاعي تكريمًا يليق بمن صنع لمصر مجدًا؟

سؤال يطرح نفسه: هل قامت الدولة المصرية بتكريم إبراهيم الرفاعي بما يليق بعظمته؟ هل صنعت عملًا فنيًا يحاكي بطولاته ليكون قدوة للأجيال القادمة، وليبعث برسالة واضحة لكيان الاحتلال الصهيوني بأن في مصر رجالًا مستعدين في أي لحظة للثأر؟

إن إبراهيم الرفاعي ليس مجرد بطل استشهد في سبيل الوطن، بل هو مدرسة في الفداء والتضحية، ورمز خالد يجب أن يُخلد في وجدان كل مصري. ليس فقط بإطلاق اسمه على الشوارع والميادين، بل بصناعة أفلام ومسلسلات توثق بطولاته، حتى يعرف كل مصري أن البطولة ليست كلمات تُقال، بل دماء تُبذل، وكرامة تُصان، وأعداء يُهزمون.

لماذا لا تعوض مصر إبراهيم الرفاعي؟

لأن الرجال من طراز إبراهيم الرفاعي لا يتكررون، لأن الشرف الذي حمله على كتفيه كان أكبر من أن يحمله غيره، ولأن وطنيته الخالصة جعلت منه رجلًا لا يبيع ولا يشترى.

هو ليس مجرد شهيد، بل هو "أمير الشهداء"، الرجل الذي لم يعرف الخوف، ولم يعرف التردد، عاش فارسًا ومات أسطورة، وترك وراءه إرثًا لا يضاهى من البطولات التي ستظل تروى للأجيال القادمة، ليعرفوا أن هناك رجالًا مروا من هنا، صنعوا المجد بدمائهم، وأهدوا الوطن نصرًا يتحدث عنه التاريخ حتى اليوم.

رحم الله إبراهيم الرفاعي، وجعل سيرته منارة تُضيء درب كل من يبحث عن معنى الرجولة والشرف الحقيقي.
--------------------------
بقلم: عز الدين الهواري

مقالات اخرى للكاتب

محكمة الذكاء الاصطناعي التجارية: ثورة فى عالم العدالة الرقمية