بعيدا عن سيف دهماء الرأى العام المصلت على رقابنا حول حرمة الموتى؛ نقول:
الشيخ نفسه لم يراع حرمة ميت، وكان متسرعا فى النيل من خصومه بلا تثبت، فينقل بلا تريث هجومه غير المتزن علميا باسم العلم، وكثيرا ما ينقل عن غيره بطريقة شعبوية لا تليق بالعلماء المتثبتين، فنال - على سبيل المثال لا الحصر - من السيدة هدى شعراوى ومن الإمام الشعرانى، على غير منهج أهل الحديث المفترض فيهم أن يكونوا ضابطين فى النقل والتثبت.
فهو يتجنى على الإمام الشعرانى، وينقل أكاذيب تبرأ منها فى حياته، وذكر نصا أن أعداءه من دهماء الصوفية قد حرفوا كتبه، وكان على الحوينى - ما دام يتناول الشعرانى - أن يكون أمينا فى دراسة الرجل، وأن يقرأ كتبه التى ذكر فيها تحريف أعدائه.
ويتجنى على السيدة هدى شعراوى فيصفها بكل قبيح، وكان عليه أولا أن يقرأ مذكراتها وأن يدرس تاريخها، ليعلم أنها أول من طالب بإلغاء البغاء من مصر باسم الاتحاد النسائى المصرى فى أول مؤتمر نسوى تشارك فيه بروما، ولعله أيضا لم يقرأ رسالتها إلى شيخ الأزهر تطالبه فيها بإلغاء الخمور وإغلاق حاناتها، وكان عليه أن يقرأ دفاعها عن نظام المواريث الإسلامى. السيدة شعراوى كانت تنتمى إلى التيار المحافظ، وليس كما صور الرجل المتسرع.
الحوينى مسؤول عن انغلاق السلفيين وتسرعهم وتشددهم، فخلف تلاميذ لا يعرفون إلا منهجا أحاديا، ففروا من تقليد الأئمة الأربعة إلى تقليده وتقليد أمثاله.
وهو يكفر الشيعة، مع أن علماء الأزهر الراسخين فى العلم الذين درسوا الفرق لم يقولوا بهذا الأمر، ومنهم الإمام الطيب وتخصصه فى العقيدة والفلسفة، بمعنى أنه متبحر فى تلك المسائل، ورأينا أذناب الشيخ يتجرؤون على الإمام ويصفونه بقلة العلم أو عدم الاطلاع!! وهو شىء مضحك، لأن الإمام لم يترك شاردة ولا واردة فى كتب العقائد والكلام، وهو أيضا يعرف مقالات الشيعة حديثا وقديما، ويعرف خطورة التكفير وأثره.
وهو يكفر الصوفية اعتمادا على حوادث أعيان تحدث العلماء فيها قديما وحديثا، ولهم حولها أجوبة راسخة، لكنها الرغبة الجامحة فى التطاول والتسرع فى التكفير.
أما عن منتجه الحديثى فلم يقدم شيئا ذا بال، فقد تكلم عن أحاديث قتلها المحدثون بحثا ودراسة، فلم يضف جديدا أو شيئا حقيقيا ذا بال، ورحم الله جيل المحققين الذين نشروا كنوزا دفينة تحقيقا وتدقيقا، كما قدموا اجتهادات مهمة جدا أفادت مجتمعاتهم (كاجتهادات الشيخ أحمد شاكر فى كتابه نظام الطلاق فى الإسلام والذى انتصر فيه مثلا لوجوب الإشهاد على الطلاق شرطا لصحته)
وأشاع عددا متتاليا من الأحكام التى لا يليق عرضها، وكان عليه عندما يتناول موضوع الرق فى الإسلام، أن يذكر باب ابن القيم فى إعلام الموقعين بتغير الفتوى طبقا لاختلاف الزمان والمكان، وكان عليه أن يقول إنه أمر تاريخى لا يقره الإسلام الآن، لكنه أساء إلى الدين نفسه بحديثه عن الدين، والأمر نفسه يقال عما استخرجه من بطون الكتب مما يقول عنه العلماء الراسخون (والعمل عندنا على خلافه)
أما شيخنا فقد قدم تطاولا على القدامى والمعاصرين، وكان منهم الشيخ الغزالى عندما نشر كتابا مهما هو السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، فتطاول عليه تطاولا جسيما فى كتابه سمط اللآلى، ورماه بكل مثلبة. ولنا أن نقارن بين كتابه وبين كتاب الشيخ سلمان العودة الذى اختلف مع الغزالى فرد عليه بكتاب حوار هادئ مع الشيخ الغزالى، وشتان ما بين منهج العودة والحوينى (والكتابان موجودان) المشكلة ليست فى اختلاف الاجتهاد أو الآراء، المشكلة فى تسرعه وسوء ظنه وسلاطة لسانه، وكل ذلك تم تصديره إلى التلاميذ الذين انتهجوا نهجه، فأصبحنا أمام متحفزين متراشقين يتبعون منهج "أعلم أهل الأرض" بحسب تعبيرهم، مع أن التلقى هو الأصل فى علم الحديث حسب الفهم السلفى،فعمن تلقى الرجل؟ عن الشيخ الألبانى الذى لم يتلق عن أحد!! عندك علماء سلفيون راسخون بمقتضى مفهوم التلقى كالمعلمى وشاكر والشيوخ الغماريين وعبدالفتاح أبو غدة (اللى العيبة مكانتش بتطلع على لسانه وانشغل بنشر الكتب وتحقيقها) رحمهم الله جميعا، بل إن الشيخ على جمعة ينتمى إلى هذه المدرسة التراثية مدرسة التلقى، ومن شيوخه أبو غدة.
نعم الحوينى مسؤول عن لهجة التشدد السلفية المعاصرة، فكفاكم كلاما عن حرمة الموت، التى لم يكن يراعيها أصلا، ولا نطلب من أحد أن يراعيها، ونقول للأصدقاء بوضوح شديد إن منتج كل إنسان مؤثر لا بد من خضوعه للتقييم.
------------------------
بقلم: د. خالد البوهي
(نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك)