في رسالة قصيرة خاطبني صديقي من قلب أطلال ودمار غزة ردًا على رسالتي له قبل شهرين ونصف الشهر، قائلاً "السلام عليكم شو اخبارك اخ "......" إن شاء الله امورك طيبه النت عندي يكاد يكون معدوم لأنني رجعت إلى بيتي منذ فتره ونحن الآن بدون نت وبدون كهرباء".
الرسالة المختصرة مؤشر على كثير من الأزمات التي يعيشها أهالينا في غزة، لم يقلها صديقي، ولم تسعفه الثواني التي التقط فيها "الشبكة" ليطمئنني، بينما الحكايات طويلة حول الأزمات والأوضاع المميتة التي يعيشها كل فرد على أرض غزة، فيما لم ينجح عشرات الأصدقاء الآخرين في مجرد ارسال رسالة من كلمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل حياة على فوهات مدافع الموت الصهيونية، تحت غطاء أمريكي.
لم تمر أيام حتى ضاعت تلك الثواني شبه الهادئة التي عاشها صديقي وكل ناس غزة، لتبدأ الغارات الصهيونية على سكان غزة، لتقتل عمليات العدوان 429 شهيدا و528 مصابا، في وقت ارتفع عدد ضحايا القصف على مدينتي خان يونس ورفح إلى 160 شهيدا، وكل ذلك في غضون ساعات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وبينما كان سمسار العقارات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يبحث مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، الاتفاق على هدنة للحرب الروسية الأوكرانية، أعلن البيت الأبيض على لسان السكرتيرة الصحفية "كارولين ليفيت "أن إسرائيل تشاورت مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غاراتها على غزة، وتشاور الإسرائيليون مع إدارة ترامب والبيت الأبيض بشأن هجماتهم، وفقا لما نقلته وقالت قناة فوكس نيوز عن المسؤولة الأمريكية في تأييد مفضوح ومشاركة فعليه أمريكية في هذا العدوان الأبشع والأعنف.
الحقيقة هي أن ترامب وحكومته ملوثة أيديها بدماء الفلسطينيين، وباعتراف ضمني وبحال تبجح، لحماية مباشرة لإسرائيل وخصوصا حكومتها الصهيونية برئاسة الإرهابي "بنيامين نتنياهو"، وتثبيت لهذه الحكومة الصهيونية المتطرفة صاحبة أكبر سجل إرهابي، وهو ما تجسد في عودة زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وزيرا للأمن القومي.
صحيح أن الدول العربية أدانت الخرق الإسرائيلي للهدنة، والعدوان الوحشي على المدنيين في غزة بصورة أبشع، إلا أن جيش الكيان الصهيوني، واصل عدوانه حتى اللحظة على قطاع غزة، بل بدأ من الأربعاء 19 مارس عملية برية في وسط وجنوب قطاع غزة لخلق منطقة عازلة بين شمال القطاع وجنوبه، لتوسع من سيطرتها على وسط القطاع، دون أن تلتفت إلى التنديدات العربية والعالمية والأممية، لتنفذ خطتها لإخلاء سكان، بحسب تصريحات وزير جيش الاحتلال الصهيوني، "يسرائيل كاتس".
وبدا الأمر أكثر وضوحًا من تصريحات "كاتس"، أن الكيان الصهيوني وفي ظل حالة الصمت، والدعم الأمريكي، يصر على تصفية القضية الفلسطينية، ومهم ندقق في كلمات وزير الدفاع الصهيوني، "إن الهجوم الذي شنته القوات الجوية ضد حماس لم يكن سوى الخطوة الأولى، أما الباقي فسيكون أكثر صعوبة، وإذا لم يتم إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، ولم يتم طرد حماس من غزة فإن إسرائيل سوف تتحرك بقوات لم تعرفونها بعد".
بل وصل التهديد بقوله لأهالي غزة بقوله "أعيدوا المحتجزين واطردوا حماس، وإلا فالبديل هو الدمار والخراب الكامل"، مستخدمًا مقترحات السمسار الأمريكي بقوله "خذوا بنصيحة الرئيس الأميركي، أعيدوا المحتجزين واطردوا حماس، وستُفتح أمامكم خيارات أخرى، بما في ذلك السفر إلى أماكن أخرى حول العالم لمن يرغب، وإلا فالبديل هو الدمار والخراب".
هل هناك وضوحًا أكثر من هذا، يكشف إصرار حكومة الكيان الصهيوني المتطرف، والذي يقف أمام أي كلمة سلام، ضاربًا عرض الحائط بالقرارات الأممية والعربية والعالمية، رافعًا لغة "سنتفتح أبواب الجحيم في غزة"، بينما الجميع يقفون مكتوفي الأيدي، مكتفين بكلمات الإدانة، وكأن لغة التهديد حرام.
-------------------------------
بقلم: محمود الحضري