قبل أن نجيب سؤال ما الذي يحقق النجاح لبرنامج ما، علينا أولاً تعريف النجاح.. وإذا بَسَطت الأمور وأجبت أنه عكس الفشل، فسوف يكون عليك في هذه الحالة إجابة سؤالين بدلاً من واحد.
للنجاح تعريفات عدة، أحدها تمكنك من تحقيق أهداف حددتها وسعيت لها. وهناك درجات للنجاح.. مثال ذلك.. يعد حصول شخصٍ على وظيفة نجاحًا، وتمكن المزارع من بيع كامل محصوله نجاحًا، وتحقيق شركة ما لمستهدفاتها من المبيعات أو الإيرادات نجاحًا، أما درجاته فبمستوى ما يتحقق، فحصول الطالب على درجة أعلى من درجة النجاح، نجاح، لكن الأمر يختلف من طالب حصل على 60% وآخر حصل على 80%
ومنذ طور ألبرت آينشتين نظرية النسبية، صار كل ما نحققه من أهداف حياتية مراحل بينية وليست نهائية؛ بمعنى أنك ما أن تحقق هدفًا حتى تعتبره نقطة بداية لهدف آخر، فهدف مبيعات الشركات يرتفع عامًا بعد عام، والعمل الفني الذي حاز أعلى نسبة مشاهدات، تطمح الشركة لعمل قادم يفوقه توزيعًا ودخلاً.
قبل حلول شهر رمضان، تحشد شركات الإنتاج الفني كل طاقاتها لتقديم عمل يحظى بنسبة مشاهدات عالية، هناك من تنفق عشرات الملايين وتأتي النتائج مخيبة للآمال، وهناك من ينفق دراهم معدودات، فإذا النتيجة نجاح ساحق مدو.
لم يجد سامح حسين قناة فضائية تتبنى برنامجه (قطايف)، فلجأ إلى ساحة الشعب؛ يوتيوب.. حلقات لا تزيد كل منها عن ستة دقائق.. لا هي بالتلغرافية بالغة الاختزال، ولا بالطويلة إلى مستوى الملل. يعادل طولها مدة قراءة مقال من ستمائة كلمة.
فضلاً عن ذلك، يستخدم سامح لغة سلسة وسهلة، مزيج من عامية محترمة وفصحى مألوفة، مع ضرب أمثلة بسيطة ومباشرة؛ في حلقة بعنوان (الفانوس السحري)، يلفت انتباهنا إلى عبادة الدعاء التي منحها الله لنا، كي نطلب ما نشاء، متى نشاء، دون أي حدود، لتصبح فانوسًا سحريًا نحقق بها أمانينا، لافتًا الانتباه إلى تحري اليقين لضمان الإجابة.
واستخدمفي حلقة (إلا من أتى الله بقلب سليم) مثالاً بسيطًا معبرًا، فالرجل الذي أهداه الملك جلبابًا ناصع البياض ووعده بمكافأة إن عاد به في اليوم التالي كما تسلمه منه، حرص ألا يمس جلبابه أذى، فترفع عن الجدال وانصرف، وتغاضى عن خطأ الآخرين في حقه، وأرضى آخرين عن طيب نفس، كل هذا مخافة أن يمسك أحدهم بجلبابه الناصع البياض فيتسخ ويخسر مكافأة الملك، هكذا قلوبنا تظل بيضاء من غير سوء ما تركنا الكبر والمعاندة وحب الذات وبُغض الآخرين وغيرها من سيء الخلق والخصال لتظل قلوبنا بيضاء.
بسيط وتلقائي وعفوي هو سامح حسين، أمثلة بسيطة من واقع الحياة، بلغة عفوية، لا تخاطب المشاهد من فوق منابر التأنيب واللوم والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور، لغة يمكن أن تجدها في حديث الاسرة مع بعضها البعض، وفي لقاءات الأصدقاء المطعمة بالنكتة والقفشة، وبين رواد المقاهي من بسطاء الناس.
أضف إلى ذلك ما يتمتع به سامح من قبول وتلقائية لدى قطاعات عريضة من المشاهدين بناها خلال رحلة فنية امتدت لربع قرن تقريبًا، أسهم فيها الفنان الراقي أشرف عبد الباقي بدور مؤثر حين منحه أدوار رئيسية في عدة مسلسلات وأبدع فيها سامح، وقد فعلها أشرف مع آخرين من خلال تجربته الرائدة مسرح مصر.
هل نجح سامح حسين، نعم، لماذا؟، لأنه حقق الهدف بتقديم موضوعات دينية وتربوية تمس صميم حياتنا وتلقى قبولاً كبيرًا للأسباب التي ذكرناها من جهة، وليبرهن من جانب آخر على أن المشاهد ينتظر المحتوى الجيد الذي يخاطب عقله قبل غرائزه من جهة أخرى.
-------------------------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]