30 - 04 - 2025

ماستر سين | يحيا اسماعيل يس

ماستر سين | يحيا اسماعيل يس

يبدو أن الكوميديان الخالد فنان الشعب إسماعيل يس ترك عقدة مستعصية لدى قطاع ممن ينتسبون لمجال الفن، فلا تمر بضعة شهور على الإساءة للرجل إلا وتبعتها إساءة أعمق وأكثر جرحا لمحبيه وهم بالملايين، أما إذا أردنا أن نحصي عدد محبيه طوال تاريخ حياته ومماته، فسوف يبلغون المليار نسمة في تقديرنا، الحمد لله أنه يوجد "جروبات" تدافع عن الرجل وتحمي سيرته وتراثه، وأشهد أن أعلى مقاطع فيديو نشرته كانت من نصيب سمعة.

ماسبق يبدو أنه سبب عقدة لدى البعض، فكيف لفنان رحل منذ نحو 52 عاما يتفوق على الأحياء ويطرحهم أرضا في حياته وفي مماته؟!

إسماعيل يس سيبقى ما بقيت البراءة والدهشة والطفولة والبحث عن ضحكة بريئة غير مسفة ولا مبتذلة، بسببه ـ يس ـ أحببنا شخصية العسكري والشاويش، بعد أن كان البعض يخيفنا ونحن صغار "هجبلك العسكري" فننام على الخوف، ولكن بعد أن شاهدنا اسماعيل يس والشاويش عطية مرارا وأحببناه أصبحنا نضحك من الجملة الترهيبية، فالعسكري والشاويش أصبحا من عناصر بهجتنا، واسماعيل يس فنان له مشروع قدم ما يزيد عن 270 فيلما، منها عدد كبير يحمل إسمه، واسمه وحده مرادف للنجاح وضمان مؤكد لنفاذ تذاكر الشباك.

دفاعا عن طفواتنا

بعد أسابع قليلة تحل الذكرى الخمسين لوفاة عملاق الكوميديا المصرية، أبو ضحكة جنان "سمعة" الفنان الجميل إسماعيل يس التي كانت حياته مليئة بالضحكات والدموع، وأيضا بالشائعات المرة، دون أن يحتفي به أحد، وهذا ماشجع البعض على إهانته ظنا منهم ـ وبعض ـ الظن إثم ـ أن جمهوره قد مات، حتى خاب ظنهم واندفع الجميع يدافعون عن ذكرياتهم وطفولتهم!

شهود زمنه

تختلط الضحكات بالمأساة دائما في حياة نجوم الكوميديا، وهي تحتاج دراسة أكثر عمقا من المتخصصين، وفي حياة عملاق الكوميديا الراحل إسماعيل يس ( 15سبتمبر 1912 - 24 مايو 1972  ) الشهير ب "أبو ضحكة جنان"، المأساة غائرة والجروح لم تندمل، من مولده وحتى وفاته والبحث عن مقبرة تحتويه، لا أنكر أنني بكيت أكثر من مرة وأنا أتابع قصة حياته من أقرب المقربين الذين عاشوا إلى جواره، أسعدني الحظ وتعرفت على إبنه الوحيد ياسين رحمه الله، كما إقتربت من السيدة إيمان والدة صديقنا الشاعر أيمن بهجت قمر، وهي إبنة "سمعة" بالتبني، وكاتمة أسراره التي لم تبح إلا بمقدار ضئيل مما تعرفه عن المأساة في حياة نجم أضحك مصر والعرب ولا يزال يمتعهم بعد رحيله من خلال تراثه الضخم الذي يعد الأكثر إنتاجا في تاريخ السينما المصرية على الأقل، بعد فقد جانب كبير من إنتاجه المسرحي، إضافة إلى بعض ما سمعته مباشرة من النجم الكبير سمير صبري..

بكاء في حضن الأب

نتوقف جميعا جمهورا ونقادا أمام نشاط إسماعيل يس الفني باحترام شديد، حيث لا يخلو بيت عربي من ذكريات مع ضحكات سمعه، الذي نجح في  رسم  الإبتسامة على وجوه محبيه في العالم العربي وخاصة الأطفال وصغار السن، لا زالت أعماله تلقى كثافة في المشاهدة ممزوجة بالبهجة لدى كل من يشاهدها، لكن الكوميديان الراحل، الذي ارتبطت صورته دوما بالضحكة، وتأتي أول دمعة في حياته عندما بكى على الهواء في لقاء إذاعي نادر مع الإعلامي طاهر أبو زيد، عندما تذكر والده؛  حيث روى ياسين لطاهر أبو زيد ظروف نشأته في مدينة السويس، وقصة هروبه من أسرته إلى القاهرة للالتحاق بمعهد الموسيقى حيث كان يحلم بأن يكون مطربا ينافس الموسيقار محمد عبد الوهاب، قبل أن يفشل في خططه، ويضيق به الحال بعد تنكر أقاربه له، حكى إسماعيل يس أنه كان ينام في مسجد صغير بحي السيدة زينب ثم طرده القائمون على المسجد، ليقرر النوم بعد ذلك في جامع آخر يسمى "مراسينا" بنفس الحي الذي يمتاز بكثرة مساجده العامرة؛ يستمر إسماعيل ياسين في إبكائنا، قائلا إن إمام هذا المسجد تألم لحاله وعطف عليه واصطحبه إلى منزله، حيث الماء والفرش النظيف، أيضا من أجل أن يغسل له ملابسه التي كانت قد اتسخت بشكل كبير دون وجود ملابس أخرى يستبدلها، ولا تتوقف طيبة هذا الشيخ الجليل عند هذا الحد، بل سأله في الصباح بعد أن استمع إلى قصته، سأله كم ثمن تذكرة القطار حتى يصل بك إلى مدينة السويس "بلدك"، فأخبره سمعة؛ ليمنحه الشيخ السمح الذي لا يدل حال بيته على كون أن لديه فائضا من المال، فمنحه في الصباح 35 قرشا ليستقل القطار ويعود لأبيه مرة أخرى حتى يرضى عنه ويعود إلى عمله البسيط لأن مشوار الفن وعر ويحتاج إلى جلد وقوة لا يراها في جسده النحيل، لم تنته قطرات الدمع في قصته، ولكنه يستمر في السرد في بساطة وصدق وتواضع: عندما وصل الفنان الراحل لقصة عودته إلى السويس مرة أخرى لم يتمالك نفسه من البكاء، عندما وجد والده الذي كان يملك محل "مجوهرات بسيط يناسب الطبقات الشعبية"، ولكن بسبب ضيق الحال وهجر إبنه، أصبح يعمل بجسده الواهن ويده المرتعشة في محل أصغر بكثير، عندما استوعب ياسين هذا المشهد جيدا، وعندما وجد نفسه وجها لوجه أفي مواجهة أبيه.. خر باكيا وقام باحتضانه في مشهد مبكي، فنان بهذه الحساسية، فنان تسلق الصخور، فنان عصامي، هل نغتابه ونهيل التراب على تراثه الذي هو ذكرياتنا؟!

فلاش باك

بات معروفا لجمهوره أن الفنان إسماعيل يس المولود فى عام 1912 بدأ حياته صغيرا فى مدينة السويس من خلال إلقاء المونولوجات فى مسرح بديعة مصابنى عندما جاء إلى القاهرة وكله أمل وطموح أن يصبح مطربا بعد أن أقنعه صديق له بأن صوته جميل جدا، والحقيقة أنه بالفعل يمتلك حسا تنغيميا ومعرفة بالمقامات الموسيقية والحرفة اللحنية، ولا يجب أن نأخذ حكاية رغبته في أن يكون مطربا على محمل الهزل والفكاهة؛ بل هو قريب من خامة صوت المطرب الجميل محمد عبد المطلب وآخرين، بل إنه عمل بالفعل في بعض الصالات كمونولوجست يغني ويرتجل، ولكن إرادة الله ومشيئته قدرت له طريقا آخر، عندما مرت الأيام سريعا، ليجد إسماعيل يس نفسه وقد أصبح علامة بارزة فى الكوميديا ونجما من نجوم السينما الأعلى تحقيقا لإيرادات الشباك، وليصبح أيضا واحدا من أهم المحطات الفنية في تاريخ الفن في مصر، وصاحب أشهر الإفيهات الكوميدية التي لا تنسى.

الشاويش عطية

الحقيقة المؤسفة في إنتشار الشائعات حول سيرة الفنان الكبير إسماعيل يس دون رد، باعتبارها مشهيات حريفة توضع فوق طريقه، نطالب الجميع عدم إضافة بعض القصص والمعلومات الخاطئة على حكايات حياته، لاكسابها تعاطف الجمهور، فالمواقف الحقيقية والمصاعب والأشواك التي عاشها الراحل لا تحتاج لذلك، فمن أشهر الحكايات المغلوطة ما قيل أن الفنان الراحل إسماعيل ياسين كان سببا في وفاة الشاويش عطية الفنان رياض القصبجي، بعدما لم يهتم به أو يزره في فترة مرضه مما جعله يشعر بالحزن والقهر، نقول لهؤلاء أن إسماعيل ياسين كان حساسا بدرجة كبيرة، وفي هذه الفترة وقت محنة مرض القضبجي الذي أصيب بشلل نصفي وهو يصور أحد الأفلام، حيث مرض فجأة خلال التصوير في الإسكندرية، وعاد به فريق العمل "مشلولا" إلى القاهرة، كان ياسين يعاني من ضائقة مالية بعدما طالبته مصلحة الضرائب بأموال كثيرة، مؤكدا أنه بريء من هذه الاتهامات ولا دخل له بموت صديقه وشريك نجاحاته أما الشائعة الأسخف أن سمعة مات بعد أن احتد عليه إبنه وهو غير صحيح بالمرة إذا ما رجعنا للرواية التي ذكرناها، وإلا فهل من هو غاضب على إبنه أن يطلب كوبا من الآيس كريم؟؟

اتقوا الله في نجومنا وذكرياتنا
---------------------------
بقلم: طاهر البهي

مقالات اخرى للكاتب

ماستر سين | اليوم العالمي للرقص الشعبي