01 - 05 - 2025

وليمة في البيت الأبيض

وليمة في البيت الأبيض

كتب كارتر في مذكراته أنه عندما قامت زوجته بزيارة البيت الأبيض قبل مراسم التنصيب ، سأل بعض المرافقين الطباخين عما إذا كانت لديهم القدرة علي طبخ الطعام الذي كانت أسرة الرئيس تتمتع به في الجنوب ، أجاب إحد الطباخين :" نعم يا سيدتي ، فقد اعتدنا علي إعداد هذا النوع من الطعام للخدم في البيت الأبيض لفترة طويلة " !.

ومن المعلوم أن البيت الأبيض هو سكن كل الرؤساء الذين حكموا أمريكا منذ الرئيس الثاني وحتي الآن .

وفي كتاب "أرض الميعاد " الذي كتبه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ، يؤكد حيوية الديمقراطية التي أتاحت تلك المفارقة في التاريخ السياسي الأمريكي، فقد كان أوباما مجرد شاب "زنجي" في مجتمع عنصري، بلا تاريخ يعتد به في الحياة السياسية الأمريكية ، ولكنه ذكي، خدمته ظروف مختلفة.

ورغم أنه لم يخدم في أي إدارة سابقة، بل لم يسبق له الخدمة في القوات المسلحة، أصبح رئيسا، وقائدا أعلي لأكبر قوة عسكرية في العالم ، ويتحرك معه ضابط كبير في كل مكان وهو يحمل حقيبة بها الأرقام السرية التي يمكن أن يستخدمها الرئيس قبل أن يضغط علي الزر النووي ويدمر الكرة الأرضية .!.

ويحكي أنه بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ورثها من سلفه بوش، لم يجد من المناسب أن يطلب  تجديد أغطية المقاعد التالفة في المكتب البيضاوي رغم أن ذلك حقه 

وبالإضافة إلي ذلك يشير إلي أنه من المعلوم أن أسرة أي رئيس أمريكي في البيت الأبيض تدفع تكلفة أي أثاث جديد من أموالها الخاصة ، وكذلك أي سلع إستهلاكية بداية من ورق التواليت إلي البقالة ، بل وتدفع أجر أي جرسون إضافي إلي العاملين في البيت الأبيض إذا كان الحفل خاصا بأسرة الرئيس.

وقد سمحت ظروفي دخوله أكثر من مرة ، ولكنني لا أنسي مقابلتي لمستشارة الرئيس أوباما للشئون الإفريقية في مكتبها بالبيت الأبيض ، حيث ذهلت من ضيق المكان ، واكتظاظه بالملفات من كل جانب، وبساطة أثاثه ، كدت أن أقول لها أن سكرتير ثالث السفارة قد لا يرضي أن يكون هذا مكتبه ، وكأنها قرأت أفكاري ، فقررت أن تعوضني بدعوة علي الغذاء .

وصعدنا إلي قاعة بسيطة بها بعض الموائد المتواضعة ، وكان هناك موظفون يتحركون بطعامهم من البوفيه إلي موائدهم ، ومرة أخري أذهلتني هذه البساطة ..

الموظفون يتناولون غذاءهم كي يعودوا بسرعة إلي مكاتبهم .. لا وقت للرفاهية في أعظم دولة في الكون .. وكان الطعام بسيطا جدا، وليس وليمة تليق بمستشارة الرئيس .. ربما هذا هو طعام أهل الجنوب الذي تحدثوا عنه لزوجة الرئيس كارتر !!.

خرجت يومها كي ألحق بدعوة غذاء شهية بجد لدي السفير.
----------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق


مقالات اخرى للكاتب

محاكمة قناة السويس في بريطانيا!