02 - 05 - 2025

الأهلي حديد!

الأهلي حديد!

انسحاب الأهلى من لقائه أمام الزمالك جاء تعبيرا صادقا عن واقع يعيشه المصريون، بات فيه الاستثناء هو القاعدة، بينما توارت الأخيرة خلف جدران النفود والسلطة والمال.. باختصار واقع يطبق القانون على الضعفاء والغلابة فقط، تحت ظلال قناعات سائدة ترسخها المشاهد اليومية في الشارع والدواوين الحكومية وكيانات الرقابة والتشريع، ومؤسسات تنفيذ وإعمال القانون تؤكد "إن اللي ليه ضهر ما ينضربش على بطنه".. ولأن ضهر الأهلي مسنود بعشرات الملايين من المشجعيين، فلن يجرؤ أحد في الدولة على الاقتراب منه خوفا من رد فعل تلك الملايين التي تنظر إلى النادي الأهلي باعتباره تعويضا عن الكرامة الضائعة للناس في هذا الزمن، وتجسيدا للقوة التي تنتزع حقها بشعبيتها الجارفة في ظل تهميش وازدراء القواعد والقوانين.. الأهلي لم يخطىء بمعيار هذا الواقع الفاسد، وكل ما فعله، أنه تعامل معه، كما يتعامل كل صاحب سلطة ونفوذ لاسترداد ما يراه حقا له أو الجورعلى حقوق الآخرين.

في السياسة، تحتكر السلطة منح الحرية، تمنحها لمن تشاء، وتمنعها عن كل "لسان طويل" رغم النص الدستوري الواضح والصريح الذي تضمنته المادة 65 فى دستور 2014 "حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولا أو كتابة أو تصويرا أو غير ذلك من وسائل النشر.. الواقع ينسف تلك المادة، حيث لا يستطيع أحد ممارسة هذا الحق إلا إذا كان على هوى السلطة، والقانون لا يتم تفعيله، حيث يتم حبس كل من يقترب من السلطة بنقد.

في الاقتصاد، تخرق الحكومة، وبشكل فاضح، قواعد السوق.. مرة بالإحتكار، ومرة بالتصرف في ثروات الشعب وكأنها هي المالك الوحيد لها.. تبيع الشركات المملوكة للمصريين بأبخس الأسعار، وبأعلى العمولات، دون محاسبة من هيئة رقابية، ولو كان هناك احترام جدي للقانون، ما تم تبديد شركات وطنية عملاقة، كانت تسد الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتم بيعها في الظلام الدامس.

في الحياة الاجتماعية، يتغول أصحاب المناصب الرفيعة ورجال الهيئات النظامية، وأعضاء المجالس التشريعية، على القانون ذاته، ومشاهد الاعتداء على الضعفاء والفقراء الذين لا ظهر ولا سند لهم، تكتظ بها منصات التواصل الاجتماعي.. حتى الأحكام القضائية الباتة والنهائية، لا تجد طريقها إلى التنفيذ إن لم تكن ممهورة بـ"ضهر"قوي من هؤلاء الذين يحتكرون النفوذ والمال.. لا تلوموا الأهلي، فلم يفعل أكثر من هؤلاء الذين يتاجرون بالحرية والحقوق والوطنية في عالم يسوده الطغيان..

حتى على المستوى الإقليمي في عالمنا العربي، نجد إسرائيل ترتع وتقتل وتهدم وتحاصر شعبا مكلوما في حياته ومماته وأرضه ووطنه، تحت مظلة القوة الغاشمة وازدراء القانون الدولي والإنساني، وبلا محاسبة.. إسرائيل قرأت الواقع وتدرك أن القوة والترهيب هما رأس حربة وجودها.. قتل وسحل المدنيين في سوريا يتم شرعنته تحت مظلة وقوة الإرهاب الديني.. تفتيت وتمزيق الشعوب العربية، بدعم ومساندة من الأثرياء العرب، ما كان يحدث لولا أن أثرياءنا واقعيون ويدركون أن القانون الدولي مجرد خدعة، ومنصة لتدمير أوطاننا، وأن القوة التي نفتقدها، تجبرنا على الإذعان والاستسلام.. الشعب الفلسطيني يجوع ويعطش، ولا أحد على الكرة الأرضية بوسعه مد يد العون له، لأن البشرية لا تعرف سوى القوة الغاشمة لانتزاع ما تراه حقا لها.

لا تلوموا الأهلي، ربما كان أكثر الكيانات، إن لم يكن أولها، على دراية بواقع مخل ينزوي فيه القانون والحق والعدل وراء جدار السطوة والنفوذ والمال.

ديباجة دستور 2014 تضمنت فيما تحتويه على أننا أمة قادرة أن تستلهم الماضي وأن تستنهض الحاضر، وأن تشق الطريق إلى المستقبل.. قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا، شرط أن نبني دولة القانون.. بصراحة الأهلي كغيره من هؤلاء الذين وقعوا في إغراء "غياب القانون على طريقة "غاب القط إلعب يافار".. وبصراحة، الشفافية تغيب عن مجتمعنا ولم يتبق سوى سلاح القوة .. وبصراحة الأهلي حديد رغم تفريطنا في شركة الحديد والصلب وبيعها بالبخس.
--------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الأهلي حديد!