لماذا لا يحدث انصهار وذوبان الآخر فينا ونحن فيه.؟!
إلى متى سيظل هذا الاغتراب الإنساني ، (الغربة الغريبة)، غربة بفعل فاعل شيطان ماكر. لا يريد للإنسانية أن تحقق غرضها المنشود الذي أوجدت من أجله. غرضه ألا يهدأ الإنسان ويتواءم مع بني جنسه أيا كان عرقه ونسبه وأصله. أيا كان مكانه وعنوانه وزمانه ، لا تهم الزمكانية.
اغتراب الإنسان عن بني جلدته ، اغتراب أظنه مصطنعا، اصطنعته ظروف إجتماعية ، وثقافية ، وترسيمات جغرافية. وإن كنا نرى أن الحدود الجغرافية أزالتها الثورات المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة فبات الكوكب كله قرية صغيرة.
لكن فى حقيقة الأمر وعلى الرغم من كل هذه المفارقات إلا أن ثم نقطة محورية جوهرية نقطة تلاق ، هذه النقطة هي محور الفرجار ، ألا وهي الإنسان بما هو كذلك بهويته ، بتركيبته الإنسية ، بتفرده ، بتجوهره ، بتمركزه حول ذاته ، لكن أما آن الأوان أن تستقل هذه الذات عن الذات المفردة ، وتنطلق إلى ذوات الآخرين فيغردوا مجتمعين شادين نشيدا واحدا (الإنسان) .
فيحدث الاندماج فتصير هي والآخر وجهان لعملة واحدة ، إذا أبصرتهما لا تجد فرقا بينهما، من حيث الصورة واحدة ، من حيث المادة هي هي ، من حيث الجوهر هما هما يجمعهما قاسم مشترك هو العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس ، تجمعهما روح تواقة للمعرفة الإدراكية التي تنمحي معها ومن خلالها القطيعة المعرفية المصطنعة ، وأكرر المصطنعة ، فالإنسان هو الإنسان شرقيا كان أم غربيا ، عربيا كان أم أوروبيا.
قد يواجه طرحي هذا بانتقادات حادة ، أهمها أن ما تقوله يخالف السنن الكونية ، أبادر بالرد ، وهل السنن الكونية وقوانين الطبيعة قائمة على التجاذب أم على التنافر ، حتى لو قيل لي على التنافر ، أرد وأقول تنافر لا من أجل التنافر وإنما محاولة للوصول إلى نقطة تلاق ، هذه النقطة هي أصل الموضوع أصل كل ما هو متشئ ، إنه الإنسان المكرم.
وإن جاز لي الرد أيضا ، سارد من خلال فكرة التقابل المعرفي والالتقاء الفكري التي أخبر عنها الله تعالى (يا أيها الذين إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) فيا النداء هنا على الإطلاق للناس جميعا، لا شرق ولا غرب، وإنما الخطاب موجه للجميع ليس هناك فرق بين تقسيم بغيض للأجناس كما فعل إرنست رينان ، جنس آري وآخر سامي.، وإنما خطاب جامع مانع يجمع كل شعوب العالم لا يهم دين ، لا يهم لون ، لا تهم ثقافة ، لا تهم عصبية ولا قبلية ولا شعوبية ولا قومية.
خطاب جامع لكل الأفكار والتيارات والتوجهات واختلافات وجهات النظر.
المهم تندحر تلك القطيعة المعرفية التي فرضتها على الإنسانية ثلة بغيضة كارهة للإنسان بما هو كذلك ، ليس لها هدف سوى الانتصار لفكر وحدوي سوداوي لا يريد الخير للإنسانية ، وإنما يسعى سعيا حثيثا لدحر هوية الإنسان وجعله بمثابة عبد ذليل تابع خانع لهذا الفكر الفردي.
إن ما نصبو إليه هو أن يحدث ارتقاء بالإنسان الذي يستحق الكثير والكثير من جهود المفكرين المحبين له، للارتقاء والنهوض به وإخراج ما بداخله من حب لأخيه الإنسان، من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل.
فتفك من خلاله شفيرة المعادلة التي يظن البعض أن رموزها معقدة ، لكن فك وحلحلة لغز شفيرتها وكلمة السر هي الإنسان.
وإذا ما حلحلنا رموز المعادلة وصارت واضحة الإنسان+الإنسان= الإنسانية.
الأنا+الهو= أنا هو وهو أنا.
روحان حللنا جسدا ، والسؤال أيهما يحرك الآخر ، الروح أم الجسد ، الروح يعطي الإشارات والتكليفات والآلات الجسدية عليها التنفيذ، فلا الروح تستغني عن الجسد ولا الجسد يستغني عن الروح.
فإذا ما غاب الجسد فمن ستكفله الروح ، وإذا ما غابت الروح ، فهل سيستقيم الجسد ، هل سيستطيع أن يدبر لنفسه.
هكذا الإنسان الهو والأنا ، بمثابة الروح للجسد والجسد للروح.
---------------------------
بقلم: د. عادل القليعي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.