02 - 05 - 2025

متى تستيقظ أمة محمد؟

متى تستيقظ أمة محمد؟

هل نستمر في التبعية والضعف والذل أمام الغرب؟

شهد العالم الإسلامي خلال القرن الماضي تحولات جذرية مست هيكله الديني والثقافي، حيث تصاعد النفوذ الغربي بشكل ممنهج، لم يكن مجرد توسع عسكري أو هيمنة اقتصادية، بل كان مشروعًا شاملاً استهدف تغيير الفكر والمجتمع الإسلامي وفق رؤية غربية. لكن السؤال الأهم: هل كان هذا مجرد نتيجة طبيعية لتفوق الغرب، أم أنه مخطط دقيق يهدف إلى طمس الهوية الإسلامية وإضعاف حضارتنا؟

التغريب كأداة للسيطرة

لم يكن تأثير الغرب عفويًا، بل كان مقصودًا ومدعومًا بسياسات تخريبية تستهدف العقيدة الإسلامية، بدءًا من نشر الأفكار الداعية إلى علمنة المجتمع، وصولًا إلى تقديم الحضارة الغربية كبديل متفوق على جميع الأصعدة. تم الترويج للحريات والديمقراطية بشكل انتقائي، حيث تُحترم هذه القيم فقط حين تخدم مصالح القوى الكبرى، بينما يتم سحقها حين يتعلق الأمر بمصالح الشعوب الإسلامية. لم يكن الهدف نشر الحرية، بل إعادة تشكيل المجتمعات الإسلامية بما يوافق الرؤية الغربية. ولتحقيق ذلك، استُخدمت وسائل متعددة، من بينها الضغوط السياسية، والإعلام الموجه، والمناهج التعليمية، لترسيخ قناعة بأن التخلف مرتبط بالإسلام، والتقدم مرهون بالتخلي عنه. ولم يكتف الغرب بذلك، بل حاربوا كل ما يشير إلى الدين في الدولة، ووقفوا أمام أي محاولة لمقاومة التغريب، مستندين إلى منطق صهيوني معادٍ للإسلام. أي مشروع يسعى لإعادة الناس إلى العقيدة وتصحيح ما أفسده التغريب تم نعته بالإرهاب، بينما أحزابهم كلها مسيحية أو صهيونية أو يمينية متطرفة. لقد صنعوا دولة صهيونية دينية، وضعوا الصلبان على أعلامهم، وتعهدوا علنًا بمحاربة الإسلام، بل ومنعوا المسلمين حتى من ممارسة عقيدتهم بحرية. ورغم ذلك، لا يزال بعض المسلمين يصدقون كذبة "الحضارة الغربية"!

طمس الهوية الإسلامية

لم تكن الحضارة الإسلامية مجرد قوة عسكرية أو اقتصادية، بل كانت نموذجًا متكاملًا للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. لقد قدم الإسلام أرقى التشريعات لحماية حقوق المرأة، والطفل، والأقليات الدينية، بينما كانت أوروبا غارقة في محاكم التفتيش والاضطهاد الديني. ومع ذلك، تم إخفاء هذه الحقائق وتشويهها عبر سياسات إعلامية وتعليمية تهدف إلى تقليل ثقة المسلمين في حضارتهم. حتى المؤسسات الدينية الكبرى، مثل الأزهر الشريف، التي كان من المفترض أن تقود مشروع النهضة الإسلامية، تعرضت لضغوط كبيرة أدت إلى تراجع دورها وتحولها في بعض الأحيان إلى مجرد أداة للتكيف مع السياسات الرسمية، بدلاً من أن تكون حصنًا منيعًا ضد التغريب والتبعية.

صراعات داخلية مفتعلة

لقد كنا، ولمدة مائة عام، منشغلين بمعارك داخلية وصراعات على حدود رسمها الاستعمار، بينما كان الأجدر بنا حماية حدود العقيدة. تحول الخوف من العقوبات الغربية إلى هاجس يفوق الخوف من مخالفة شرع الله، وأصبحت الأنظمة الحاكمة تقيس نجاحها بمدى رضا الغرب وليس بمدى خدمة شعوبها وهويتها الإسلامية. والأدهى أننا لم نترك للغرب فقط مسألة التحكم في اقتصادنا وثقافتنا، بل حتى في حل مشاكلنا الداخلية. عندما تندلع الصراعات بين المسلمين، يتم استدعاء الأمم المتحدة لترسل لنا مندوبًا غريبًا ليحل النزاع بيننا، وكأننا غير قادرين حتى على إدارة خلافاتنا بأنفسنا! والأسوأ أن معظم هذه الصراعات كانت نتيجة تحريض غربي، وتسليح غربي، ودعم غربي. انهم يتاجرون في دمائنا، بينما نحن نستثمر لديهم! نرسل أموالنا إلى بنوكهم، ونموّل شركاتهم، بينما هم يمولون أعداء الله وأعداء المسلمين، ويحمون الكيان الصهيوني، ذلك الذراع الشيطاني المزروع في قلب أمتنا!

أمة مستهلكة بلا مشروع حضاري

لكن الكارثة الكبرى أننا لم نعد فقط تابعين للغرب، بل أصبحنا مجرد سوق استهلاكي. كل شيء نستخدمه اليوم مستورد من الغرب، من الأطعمة إلى التكنولوجيا، من الثقافة إلى الملابس. لم نعد أمة منتجة، ولم نعد نملك مشروعًا حضاريًا مستقلاً. لقد تم إلغاء كل أفكار النهضة، واستُبدلت بالتقليد الأعمى لكل ما يأتي من الغرب. حتى في التعليم، ننتظر ما تنتجه جامعاتهم، وفي الاقتصاد نحن خاضعون لأسواقهم، وفي الثقافة نحن مستهلكون لمفاهيمهم.

هل نستمر في التبعية أم نستعيد هويتنا؟

لقد مر العالم الإسلامي بقرن من التحديات، لكنه لم يفقد قدرته على النهوض. السؤال الأهم اليوم: هل سنظل في موقع التبعية، أم ندرك أن قوتنا الحقيقية تكمن في وحدتنا، ووضوح رؤيتنا، واستقلال قرارنا؟ إن بناء المستقبل لا يبدأ بالشعارات الفارغة، بل من خلال فهم الماضي واستيعاب دروسه، وإدراك أن التغريب لم يكن مسارًا طبيعيًا، بل مشروعًا مدروسًا. اليوم أمامنا خياران: إما أن نبقى أسرى لهذا المشروع، أو نبدأ في استعادة دورنا الحضاري، ليس بالكلام، بل بالعمل الجاد والواعي.
---------------------
بقلم: عز الدين الهواري


مقالات اخرى للكاتب

محكمة الذكاء الاصطناعي التجارية: ثورة فى عالم العدالة الرقمية