الشهيد.. تلك الكلمة التي تقف أمامها كل المعاني عاجزة، هي تاج الشرف وعنوان البطولة، هي أسمى مراتب العطاء، حين يهدي الإنسان روحه لوطنه، فيكتب بدمائه تاريخًا من المجد لا يندثر، ويُخلّد اسمه في ذاكرة الأرض التي افتداها بحياته، وفي ضمائر الأحرار الذين يؤمنون أن الأوطان لا تُحفظ إلا بالتضحيات، ولا تُصان إلا بدماء الأبطال
يوم الشهيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو نداء يتردد في جنبات الوطن، يذكّرنا أن مصر لم ولن تكون لقمة سائغة لأعدائها، أن فيها رجالًا صدقوا العهد، أوفياء للوطن، مستعدون للموت في سبيله، أن فيها قلوبًا تنبض بعشقها لترابها، وأرواحًا لا تهاب الموت بل تحتضنه كما يحتضن الفارس سيفه في المعركة الأخيرة. هذا اليوم هو عهد جديد نجدد فيه الولاء لمصر، ونؤكد للعالم أجمع أننا على درب الشهداء سائرون، لا نتراجع، لا نستكين، لا نركع إلا لله
الشهيد ليس مجرد فردٍ يودع الحياة في ميدان القتال، بل هو رمز للأمة كلها، هو قصة المجد التي يرويها التاريخ، هو الجدار الذي يحمي البلاد من أعدائها، هو النور الذي يضيء درب الأجيال القادمة، هو اليد التي امتدت لتحمي الأرض من كل معتدٍ، هو الروح التي تصرخ في وجه الطغاة والمستعمرين والعملاء والخونة: "لن تمروا، هنا مصر، هنا أرض الرجال"
مصر لم تكن يومًا أرضًا رخوة يُطمع فيها، بل كانت دائمًا القلعة الصامدة، الحصن الذي يتحطم عليه غزاة التاريخ، من الهكسوس إلى التتار، ومن الصليبيين إلى المستعمرين، ومن الصهاينة إلى المتآمرين في الخفاء. كلهم ظنوا أن مصر ضعيفة، أن شعبها يمكن أن يُكسر، أن رجالها يمكن أن يُشتروا، أن أرضها يمكن أن تُحتل، فجاءهم الرد من هؤلاء الأبطال، من رجال صدقوا العهد، من قلوب مؤمنة لم تخشَ الموت، من أجساد واجهت الرصاص بصدور مفتوحة، من أرواح خرجت من الجسد لكنها بقيت تحرس الوطن في كل لحظة
يوم الشهيد هو يوم الوفاء، يوم العهد الذي نجدد فيه قسمنا أمام الله والوطن، أن دماء الشهداء لن تذهب هباءً، أن تضحياتهم لن تكون مجرد ذكرى، بل ستتحول إلى نار تشتعل في وجه كل خائن، إلى قوة تسري في عروق الأحرار، إلى إرادة تواصل المسيرة حتى النهاية، حتى لا يبقى فوق أرضنا عدو، وحتى لا يجرؤ كائن من كان أن يفكر في المساس بكرامة مصر
هذا اليوم هو رسالة للعالم كله، لكل من يظن أن مصر يمكن أن تُهزم، لكل من يتوهم أن مصر يمكن أن تسقط، لكل من يحلم بأن يرى راية الاحتلال أو العمالة أو الخيانة ترفرف فوق أرضنا، إلى كل هؤلاء نقول: موتوا بغيظكم، فمصر محروسة بدماء شهدائها، مصر يرفعها أبناؤها فوق أكتافهم، مصر لن تسقط أبدًا، لن تركع أبدًا، لن تخضع أبدًا، ستظل صامدة، كما كانت منذ فجر التاريخ، عصية على الانكسار، قاهرة لأعدائها، مدفونة في قلوب من ظنوا أنهم يستطيعون إخضاعها
الشهيد الذي يسقط اليوم هو الجدار الذي يمنع الأعداء من التقدم، هو الحارس الذي يظل واقفًا رغم أن جسده قد فارق الحياة، هو السيف الذي يظل مرفوعًا في وجه الطغاة حتى بعد أن تسقط اليد التي حملته، هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها: أن الأوطان لا تُمنح، بل تُفتدى، أن الحرية لا تُهدى، بل تُنتزع، أن الكرامة لا تُشترى، بل تُدفع أثمانها بالدماء
إنهم يخططون ويمكرون، يتآمرون ليل نهار، يحاولون أن يزرعوا الفوضى، أن ينشروا الخوف، أن يبثوا اليأس، أن يجعلوا المصريين يفقدون الثقة في وطنهم، لكنهم ينسون أن في مصر رجالًا تربوا على أن الموت في سبيلها حياة، أن في مصر أمًا تربي ابنها ليكون شهيدًا، لا خائنًا، أن في مصر أبًا يفتخر بأن ابنه استشهد وهو يدافع عن ترابها، لا أنه هرب منها أو باعها أو خانها
هؤلاء الأعداء لن يفهموا أبدًا معنى أن تكون مصريًا، لن يعرفوا أبدًا كيف أن هذا الشعب قد اعتاد أن ينهض من تحت الركام، أن يخرج من بين الرماد، أن يصنع من دمه سيفًا يقطع به رقاب من يتجرأ على المساس بأمنه، هؤلاء الأعداء سيظلون طوال حياتهم يدرسون تاريخنا ولا يفهمونه، لأنهم يظنون أننا مثلهم، نبيع ونخون ونخاف، وهم لا يعلمون أن دم الشهداء في عروقنا هو من يصنع مجدنا، وأننا حين نرى أرواحهم تعانق السماء، نزداد إيمانًا، نزداد قوة، نزداد إصرارًا على أن نحمل الراية ونواصل المسيرة
يوم الشهيد هو يوم العزة، يوم الكرامة، يوم الحقيقة التي لا جدال فيها: مصر لن تموت، مصر لن تُكسر، مصر لن تُهزم، مصر ستبقى للأبد، كما كانت دائمًا، مصنع الرجال، مقبرة الغزاة، أرض الأبطال، قلعة الحرية، راية العزة، عنوان المجد، وتاج الشرف على رأس كل من عشقها ودافع عنها
المجد والخلود لشهداء مصر الأبرار، الذين حفروا أسماءهم في ذاكرة الوطن، وجعلوا من دمائهم جسرًا نعبر عليه نحو مستقبل أكثر أمنًا وكرامة، الرحمة لهم، والصبر والسلوان لأسرهم، والعهد منا ألا نخون، ألا نضعف، ألا نتراجع، أن نظل حراسًا لهذا الوطن، كما كانوا، كما يجب أن نكون، وكما ستظل الأجيال القادمة من بعدنا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها
الشهيد.. كلمة تحمل في طياتها معاني الشرف والكرامة والفداء، أسمى درجات التضحية التي يقدمها الإنسان دفاعًا عن وطنه وأرضه وشعبه. في يوم الشهيد، نقف جميعًا وقفة إجلال وإكبار أمام أرواح طاهرة صعدت إلى بارئها، تاركة خلفها أمة تعتز بها وأجيالًا تستمد منها معاني الشجاعة والإخلاص.
يوم الشهيد ليس مجرد ذكرى، بل هو تجسيد حي للبطولة والإيثار، رسالة واضحة بأن الأوطان لا تُبنى إلا بتضحيات الأوفياء الذين جعلوا من أجسادهم دروعًا تحمي الوطن، ومن أرواحهم نورًا ينير طريق الحرية. هؤلاء الأبطال لم يترددوا لحظة في مواجهة الخطر، ولم يهابوا الموت، لأنهم أدركوا أن الوطن أغلى من الحياة، وأن البقاء في الذاكرة الوطنية هو الخلود الحقيقي.
الرسالة إلى الخونة والجبناء
حين تموتون، لن يذكركم أحد،
لن تُرفع صوركم، لن تبكيكم الأمهات،
لن يُكتب اسمكم في تاريخ هذا الوطن.
حين تموتون، ستسقطون في مزبلة التاريخ،
وستبقى أسماء الشهداء محفورة على الجدران،
منقوشة في القلوب، مغروسة في ذاكرة الأرض.
حين تموتون، لن تجدوا وطنًا يترحم عليكم،
لأنكم لم تحبوا هذا الوطن، لم تضَحّوا من أجله، لم تعرفوا معنى الفداء.
أما الشهداء، فهم أحياء في ضمير الأمة،
أسماؤهم خالدة في كل بيت،
صورهم تزين الميادين،
أرواحهم تحلق في سماء الوطن، تُلهم الأجيال القادمة،
تذكرنا دائمًا أن مصر لا تُؤخذ إلا بالقوة، ولا تُحمى إلا بالتضحيات.
أم الشهيد.. قلب لا ينكسر ودموع لا تجف
أي قلب هذا الذي يتحمل رحيل فلذة كبده،
أي قوة هذه التي تمتلكها أم فقدت ابنها ولم تبكِ إلا في صمت، بل قالت:
"ابني لم يمت، ابني في الجنة، ابني فخر لي وفخر لمصر."
أم الشهيد ليست امرأة عادية، بل هي أم الوطن كله،
هي من أنجبت رجالًا لا يهابون الموت،
هي التي تربي في بيوتنا كل يوم بطلًا جديدًا،
هي التي تحفر في قلوبنا معنى الفداء،
هي التي تقدم فلذات أكبادها فداءً لتراب هذا الوطن،
دون أن تطلب شيئًا في المقابل، فقط تريد أن ترى علم مصر مرفوعًا، وراية الشرف خفاقة.
تحيا مصر.. وتحيا أرواح شهدائها
في يوم الشهيد، لا تبكِ فقط على من رحل، بل اسأل نفسك:
هل تستحق تضحياتهم؟
هل أنت على قدر الأمانة؟
هل تسير على الدرب الذي رسموه بدمائهم؟
لا تخذلوا الشهداء..
لا تبيعوا دماءهم بثمن بخس..
لا تسمحوا للخونة أن يمشوا بينكم رؤوسهم مرفوعة..
لا تتركوا الأوطان لمن لا يستحقونها.
هذه مصر التي ارتوت بدماء الشهداء،
لن تكون إلا لمن ضحوا لأجلها،
لن تكون إلا لمن قدموا أرواحهم فداءً لها،
لن تكون إلا لمن عشقوها حد الفداء،
وكتبوا أسماءهم بدمائهم في سجل الخلود.
المجد والخلود للشهداء..
والخزي والعار للخونة.
---------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس