أيوه.. لعبت أم كلثوم بقلوبنا، وما زالت، وبنحب كده من وقت ما سمعنا الحب كده، والحب كله، وسيرة الحب، وليلة حب، وانت الحب، ولا أعرف هل كان ذلك لحالة حب مفرطة عاشتها آنذاك، أم أنها أرادت أن تعتذر بلباقة عن يوم غنت فيه (حب إيه)، ويكفي أن تسمع نبرة صوتها في مطلع الأغنية فتظن أنها تتخانق مع شخص أمامها وناقص تزعق فيه وتقول له وهي تشوح بذراعها (حب إيه يا جدع انت اللي انت جي تقول عليه)، والحمد لله أنها ليست إسكندرانية، فلربما كنا سمعنا بعد هذا الردح صوتًا يعاقب عليه القانون...
... وإيه المشكلة إن صبوحة غنت (عالبساطة البساطة) بعُقد ألماس يتخطى ثمنه اليوم ملايين الجنيهات، الغلط علينا نحن المستمعين مش عليها، نحن من حكم عليها بتعريفنا الساذج للبساطة، وتصورنا أنه مفهوم واحد لدى الجميع، ما ذنبها أننا حكمنا عليها بفكرنا، فصُدمنا من عقد ماس يفوق ثمنه أضعاف ما نجنيه في عمرنا كله، فهذا هو مفهومها للبساطة وكل ما هنالك أنها اشتهت تأكل حاجة حِرشة، حتة جبنة وحبيتين زيتون أسود وهي ترتدي عقد اللؤلؤ....
يا عزيزي تتحدث عن صباح والجمال الرباني الطبيعي من صنف ليلى طاهر ومريم فخر الدين وسعاد حسني قبل أن تتحول وجوه السيدات إلى قطع صلصال تُمط وتبرم وتُضغط، وتكتب عن أم كلثوم وتعيدنا عقود لزمن صرنا نتمناه هروبًا من واقع يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، وصدق الإمام علي حين قال (رُبَّ يومٍ بكيْتُ منه/ فلما صِرْتُ في غيرِه بكيْتُ عليه). اكتب يا عزيزي عن همومنا اليومية، عن غزة التي عادت ألف سنة للوراء، عن الأسعار وعن مصاريف البيت الأرنبية وقفزها في صحراء جيوبنا أم ذئب الغلاء، عن الأخلاق وعن الشارع، عن الشاب الذي يحلم بفتح بيت، وعن وعن...
كانت الفقرات السابقة –عزيزي القاريء- نماذج لآراء بعض من السادة القراء تلقيتها بين مسموع ومقروء حول ما نُشر من مقالات الأسابيع القليلة الماضية، وصاحبنا يحاول التنويع قدر جهده، وجهدك محل نظر الآخرين وليس أنت، هم من يقيمونك بمقاييسهم وليس بمقاييسك أنت.
تمامًا كمقاييس الجحيم التي ما زال ساكن البيت الأبيض يصر أن غزة لم تصل إليها بعد، أو إصراره على تحصيل فاتورة حرب أوكرانيا من خالص معادنها النادرة بعد ما سلمها له سلفه جو بايدن في وسط محيط الاستدانة خالصة مخلصة، وإما تسمع الكلام وتوقع وإلا فيه غيرك جاهز، وتكراره نيته ضم كندا وجزيرة جرينلاد، ليصبح له حدود بحرية مباشرة مع أوروبا والدب الروسي، ولا نافع استنكار رئيس الوزراء الكندي ولا شافع نفي وتحدي الدنمارك ومن خلفها أوروبا العجوز، إلى الحد الذي حدا برئيس وزراء جزيرة جرينلاند البالغ مساحتها أكثر من ضعف مساحة مصر، أن مواطني الجزيرة البالغ عددهم أقل من 60 ألف شخص، هم من سيقررون مستقبلها.
المقلق في الأمر أيضًا، أن المنهج الذي تؤسس له أمريكا الآن لن يقتصر عليها فقط، بل سيمتد ويصبح نهجا دوليا يتبناه القوي مع الضعيف، والضعيف مع الأضعف. ستجده على مستوى الدول، والتحالفات، وحتى في مؤسسات العمل، لندخل به حقبة تسحق فيها القوة الغاشمة المبنية على الانطباعات دون الاهتمام بالأدلة، حقوق الآخرين. صورة أقرب إلى المكارثية الأمريكية إبان حقبة الخمسينات، مع فارق يتمثل في أنها كانت قاصرة على الداخل الأمريكي، واليوم تمتد لتشمل العالم كله.
سأل أحد الصحفيين الرئيس دونالد ترمب، بأي حق تقرر أمريكا تهجير سكان غزة، أجاب بكل ثقة، (حق أمريكا!) .. لا تعليق!!
-----------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]