30 - 04 - 2025

جدل التريليون دولار

جدل التريليون دولار

هناك رؤى نقدية لتوجهات السياسة الخارجية السعودية في علاقتها مع الولايات المتحدة، مستندة إلى تصريحات ترامب التي توضح أسلوبه القائم على المقايضة المالية في السياسة الدولية، ويمكن تحليل هذا الطرح من زاوية علمية سياسية عبر تفكيك عدة محاور رئيسية:

المحور الأول : الواقعية السياسية ومنطق القوة

ترتكز السياسة الأمريكية، وخاصة في عهد ترامب، على مبدأ "الربح مقابل التحالف"، حيث التعامل مع الشراكات الدولية كصفقات تجارية بحتة، خصوصًا في الشرق الأوسط، وهذا يتسق مع المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، التي ترى أن القوة والمصالح هي المحدد الأساسي للتحالفات وليس الأيديولوجيا أو القيم، وبالتالي مطالبة ترامب بمبالغ ضخمة مقابل التحالف ليست غريبة في سياق تفكيره.

المحور الثاني - الفرضية البديلة: التوظيف الاستراتيجي للأموال

يطرح إحدى الرؤى فرضية مثيرة: ماذا لو كان هذا التريليون دولار مشروطًا بإقامة دولة فلسطينية أو استثمارها في قوة عربية مستقلة؟

هنا يظهر جدل القدرة مقابل الإرادة، أي هل تمتلك الدول العربية القدرة على استخدام أوراقها المالية كأدوات ضغط سياسية؟..

تاريخيًا، أثبتت بعض التجارب أن النفوذ الاقتصادي يمكن ترجمته إلى نفوذ سياسي، كما فعلت دول الخليج في استخدام النفط أداةً للضغط خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، ولكن المشكلة تكمن في الإرادة السياسية والتنسيق العربي، حيث أن الواقع الجيوبوليتيكي يعكس تباينات في الأجندات العربية، ما يمنع توحيد الجهود في ملف مثل القضية الفلسطينية.

المحور الثالث : الابتزاز السياسي والهيمنة الاقتصادية

ترامب لم يخفِ يومًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ابتزازًا ماليًا مباشرًا على حلفائها، فهو يرى في السعودية شريكًا اقتصاديًا أكثر منه شريكًا استراتيجيًا، ويطالبها بدفع مقابل هذا التحالف، وهذا النمط من العلاقات غير متكافئ، حيث تصبح الدولة العربية في موقع التابع اقتصاديًا، ما يضعف قدرتها على فرض شروطها.

في المقابل، لو تم توجيه هذه الاستثمارات داخليًا أو في دول عربية أخرى كجزء من استراتيجية بناء تحالفات إقليمية، ربما كانت ستؤدي إلى توازن قوى يمنح العرب نفوذًا أكبر في مواجهة الضغط الأمريكي والإسرائيلي.

المحور الرابع : هل يمكن فرض شروط عربية؟

من الناحية النظرية، تمتلك الدول العربية القدرة المالية والجغرافية والاستراتيجية لفرض شروطها في أي صفقة دولية، لكن غياب التنسيق وضعف الإرادة السياسية يجعلان ذلك غير ممكن، فلو كان للدول العربية موقف موحد يشترط استثماراتها أو صفقاتها العسكرية بتحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، لكان ذلك سيجبر الولايات المتحدة على إعادة حساباتها، لكن الواقع يشير إلى أن الانقسامات الداخلية تجعل المفاوض العربي أضعف أمام واشنطن.

المحور الخامس - النتيجة: هل المشكلة في ترامب أم في النظام الدولي؟

قد يبدو ترامب فظًا في أسلوبه، لكنه يعكس الحقيقة العارية للنظام الدولي الحالي، حيث تحكم المصالح الاقتصادية العلاقات بين الدول، فالمشكلة ليست في ترامب وحده، بل في غياب سياسة عربية موحدة تستثمر الموارد بذكاء لتحقيق مكاسب استراتيجية، بدلًا من الرضوخ لمعادلة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية.

الخاتمة: بين الواقعية والمثالية

يبقى السؤال: هل يمكن توظيف هذه الأموال سياسيًا؟ أم أن الواقع الدولي لا يسمح بذلك؟

الحقيقة أن القدرة المالية وحدها لا تكفي؛ بل تحتاج إلى رؤية سياسية مستقلة، وإرادة سيادية قوية، وتحالفات إقليمية متماسكة، وعندها فقط يمكن أن يكون للدول العربية تأثير حقيقي على مسار الأحداث، بدلًا من أن تبقى الولايات المتحدة مجرد طرف يُدفع له ليبقى من يدفع في دائرة النفوذ الأمريكي.
-------------------------
بقلم: أحمد حمدي درويش

مقالات اخرى للكاتب

كيف تحول الشارع التركي إلى ساحة معركة بين الديكتاتورية والديمقراطية؟