منذ اللحظة التي وُقِّعت فيها اتفاقية كامب ديفيد، لم ينعم العرب بأي مكسب حقيقي من عملية السلام مع الكيان الصهيوني، بل كان المسار دائماً يتجه نحو مزيد من التخريب، التوسع الاستيطاني، الحروب المتكررة على غزة، استهداف المقاومة في لبنان وسوريا، والتدخل في الشؤون العربية بشكل فجّ.
من التصريحات إلى الأفعال: استراتيجيات إسرائيل التوسعية
عندما يصرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأنهم "لن يسمحوا لأي قوة إسلامية أن تكون على حدودهم أو حتى خارجها"، وعندما يؤكد وزير الخارجية على أنهم "لن يسمحوا لمصر بالإخلال باتفاقية السلام"، فهذه ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل هي تعبير عن عقيدة أمنية واستراتيجية ثابتة.
إسرائيل لا تكتفي بمحاصرة قطاع غزة وتجريده من السلاح، بل تمضي في تدمير كل مقومات المقاومة الفلسطينية، وتدمير الجيش السوري، وإضعاف حزب الله في لبنان، وكل ذلك ضمن خطة واضحة لتفكيك أي تهديد مستقبلي لمشروع "إسرائيل الكبرى".
غزة.. نموذج للتدمير الممنهج
ما يجري في غزة ليس حرباً عشوائية، بل هو تنفيذ حرفي لسياسة الأرض المحروقة، حيث يتم استهداف كل مقومات الحياة، منازل تُهدم فوق رؤوس ساكنيها، مستشفيات تُقصف، شبكات الكهرباء والمياه تُدمر، وكل ذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى جعل غزة غير قابلة للحياة، تمهيداً لفرض سيناريو التهجير القسري.
تصريح "يائير لابيد" بأن على مصر أن تقبل الفلسطينيين من غزة ليس زلة لسان، بل هو خطوة أخرى ضمن خطة تصفية القضية الفلسطينية من الداخل. فبعد أن ضُيِّقت سبل العيش على الفلسطينيين، يُراد لهم أن يخرجوا من أرضهم، ليصبح احتلال إسرائيل لغزة كاملاً دون الحاجة إلى إدارة سكانها.
مخطط إسرائيل الكبرى: من النيل إلى الفرات؟
إسرائيل، منذ تأسيسها، لم تكن يوماً دولة عادية بحدود مستقرة، بل كيان توسعي يستند إلى أيديولوجية صهيونية ترى في الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات "وعداً توراتياً". وما نراه اليوم من تدمير الدول العربية واحداً تلو الآخر ليس مجرد صراعات إقليمية، بل جزء من خطة لضمان التفوق الإسرائيلي على المدى البعيد.
تدمير العراق، تقسيم السودان، الحرب المستمرة في سوريا، وإضعاف لبنان، كلها تصب في مصلحة هذا المخطط. والهدف النهائي؟ شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل القوة العظمى الوحيدة، والدول العربية مجرد كيانات ضعيفة تدور في فلكها.
هل علينا الاستسلام؟
إذا كان المخطط يسير كما هو مرسوم له، فهل يعني ذلك الاستسلام؟ إطلاقاً. ما تريده إسرائيل هو ترسيخ اليأس في النفوس، وجعل العرب يعتقدون أن مقاومتها مستحيلة. ولكن الحقيقة أن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية، تعيش في حالة خوف دائم.
المقاومة في غزة، الصمود في لبنان، حتى التحولات الدولية التي قد تعيد تشكيل موازين القوى، كلها مؤشرات على أن المشروع الصهيوني ليس قدراً محتوماً. التاريخ مليء بأمثلة عن قوى عظمى اعتقدت أنها ستدوم للأبد، ثم انهارت في لحظة لم تكن في الحسبان.
الخيار ليس بين الحرب أو الاستسلام، بل بين إدراك الحقيقة والتحرك وفق رؤية استراتيجية تحمي الأمن العربي، وتعيد التوازن إلى المنطقة. فلا إسرائيل ولا أمريكا تملكان كل مفاتيح اللعبة، والخطأ الأكبر الذي يمكن أن يقع فيه العرب هو التسليم بأن المعركة قد حُسمت مسبقاً.
حافظوا على سلاح المقاومة
بل إذا أرادت الدول العربية إحباط كل خطط الكيان الصهيوني، لابد من تقوية المقاومة في لبنان والضفة وغزة. وتذكروا أوكرانيا، عندما تخلت عن سلاحها النووي تم غزوها مرتين، في 2014 و2022، واقتُطع 22% من أهم مساحة في أوكرانيا.
لم تسلم أي مقاومة سلاحها إلا وتم القضاء عليها. المقاومة ليست فقط لحماية غزة، بل لحماية الوطن العربي كله.
------------------------
بقلم عز الدين الهواري