03 - 05 - 2025

ماذا لو تلاقت فوهات البنادق ثانية؟

ماذا لو تلاقت فوهات البنادق ثانية؟

تحت تأثير الفلسفة العدمية خطط الطالب راسكولنكوف لقتل سيدة عجوز جمعت ثروتها من أموال الربا واستغلال الفقراء، بهدف الإنفاق على أمه وأخته وسداد مصروفاته الجامعية، وعندما ذهب لتنفيذ جريمته وجد معها أختها، فقتلها أيضًا، وتخلص من أدوات الجريمة، في هذه الأثناء كان يعيش قصة حب كبيرة مع الفتاة سونيا، ومع معاناته الشديدة من تأنيب الضمير وإحساسه بالعزلة وما يحيط به من شبهات، يستجيب لرأي سونيا ويعترف للشرطة ويُحكم عليه بالسجن، فيعيد النظر في فلسفته الخاطئة ويسيطر عليه الندم.

كعادته برع فيودر دوستويفسكي في رسم منمنمات الجوانب النفسية لأبطال روايته (الجريمة والعقاب)، مع طرح فكرة أن العقاب الحقيقي للقاتل ليس السجن المادي، بل سجنه الأكبر؛ عذابه النفسي.

ربما كان هناك تشابه بين راسكولنكوف وبين عومر شيم توف، ليس في كونهما قتله فقط، بل وفي الشعور بالذنب والندم مما جعل الأخير يقبل رأس أحد عناصر كتائب القسام قُبيل تسليمه للصليب الأحمر ضمن صفقة تبادل الأسرى. 

في العادة تُقبل الرؤوس للإعراب عن الامتنان والشكر لمعروف عظيم. ويعد هذا سلوكًا طبيعيًا في الظروف العادية، لكن عندما يصدر من أسير قضى أكثر من خمسمائة يوم مقيد الحرية، في أجواء غير عادية؛ سويت فيها المباني بالأرض دون تفرقة، فالأمر مختلف.

 كان  البروفيسور جيفرى ساكس المفكر الاقتصادى، ومدير مركز التطوير بجامعة كولومبيا الأمريكية، قد أشار في حديث صحفي له خلال الأسبوع الماضي، أن ما طرحه الرئيس ترامب بشأن إخلاء غزة من سكانها وتحويلها إلى مشروع سياحي، ليس طرحًا جديدًا، فقد عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، عام 1996 تحت اسم "خطة التخارج النظيف"، وتبنته أمريكا مع تتابع رؤسائها؛ بداية من الرئيس الديموقراطي بل كلينتون وصولاً إلى ترامب الجمهوري، مع فارق تمثل في، (رغبة واشنطن ابتلاع غزة، وليس تل أبيب)، بحسب تعبيره.

بينما أشار السفير محمد بدر الدين زايد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في ندوة له بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، من أن الضفة الغربية هي الهدف قبل غزة، مؤكدًا أن مشروعات السلام السابق طرحها من جانب تل أبيب خلال العقود السابقة، لم تتضمن التنازل عن الضفة.

بعدها بأيام قرأت خبر إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي قرار عدم عودة أكثر من أربعين ألف فلسطيني، أبعدتهم إسرائيل من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وهو ما يلفت الانتباه إلى اختلاف مناهج التهجير؛ دفعات متقطعة بدلاً من دفعة واحدة.

هذا منهج يضع عدد قتلى الجانب الآخر في خانة الإنجازات، حتى لو قُتل معهم عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين. الكل تحت القصف سواء.

في فيديو وثائقي نشرته المقاومة عن ساعات ما قبل إتمام عملية تبادل المحتجزين، أَسِفَ أحد الأسرى لقطع شجرة زيتون بقوله (ربما كان عمر هذه الشجرة أكثر من مائة عام.. يبدو لي أنها أكبر من عمر دولتنا).

ما ذكره بعض الأسرى – حتى ولو كان من باب الُمداهنة - يستحق الوقوف عنده، فقبل بدء عمليات السابع من أكتوبر 2023 كان الهدف؛ أُقتل فلسطينيا تصبح بطلاً قوميًا، الآن اختلفت نظرة بعضهم؛ (كان من الممكن تجنب كل هذا الدمار، أجدادي من المغرب وتركيا).

تُرى هل إذا تلاقت فوهات بنادق عومر ورجل القسام ثانية، فهل يسابق كل منهما الآخر للضغط على الزناد، أم يتذكرا تلك اللحظات ويلقيا بالبنادق جانبًا، مكتفين بنصيبهما من عذابات راسكولنكوف النفسية؟
-----------------------
بقلم: د.
محمد مصطفى الخياط
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

قولٌ على قول