03 - 05 - 2025

هل أصبحت مصر تحت التهديد؟

هل أصبحت مصر تحت التهديد؟

هل أصبح تهجير الفلسطينيين إلى سيناء مشروعًا إسرائيليًا مدعومًا دوليًا؟

في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر ضد غزة لم تعد إسرائيل تخفي مخططها القديم الجديد لتهجير الفلسطينيين قسرًا بل أصبح الحديث عنه يتم علنًا وبتصريحات رسمية من كبار المسؤولين الإسرائيليين الأمر الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مجرد تكهنات أو تحليلات استراتيجية أصبح اليوم واقعًا واضحًا وصريحًا ، حيث تحولت سيناء إلى الهدف التالي في المشروع الصهيوني.

في تحول خطير وغير مسبوق صرّح يائير لابيد رئيس وزراء إسرائيل السابق علنًا بأن "على مصر أن تأخذ سكان غزة وسنُسقط عنها الديون ونعمل على توطينهم في سيناء" هذا التصريح يكشف بشكل لا لبس فيه عن نوايا إسرائيل الحقيقية تجاه غزة إذ لم تعد الحرب تستهدف فقط تدمير القطاع بل طرد سكانه وفرض واقع جديد في المنطقة حيث تتحول غزة إلى "مدينة أشباح" ويُجبر أهلها على الرحيل إلى سيناء لتتحمل مصر هذا العبء وحدها لكن لابيد ليس الوحيد الذي تحدث عن هذا المخطط فقبله دعا أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" إلى "استيعاب أغلبية سكان قطاع غزة في سيناء لأن ذلك يشكل حلاً عمليًا وفعالًا" فيما صرّح بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي بوضوح عن نوايا الاحتلال تجاه القطاع قائلًا "سوف نفتح جهنم على غزة" أما إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بدعوته إلى "حرق مخازن المواد الغذائية وقطع المياه وكل سبل الحياة عن غزة حتى يتم إبادتها بالكامل" هذه ليست مجرد تصريحات متطرفة بل هي سياسات يتم تطبيقها على الأرض حيث تشهد غزة واحدة من أعنف الحملات العسكرية في تاريخها وسط صمت دولي وعربي غير مفهوم.

التحول الأخطر جاء مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حيث سارعت واشنطن إلى تزويد إسرائيل بـ 35000 قنبلة تزن 2000 رطل وهي أسلحة مدمرة قادرة على محو أحياء ومدن بأكملها ، هذه ليست مجرد مساعدات عسكرية بل إشارة واضحة إلى أن الهدف الحقيقي من العدوان على غزة هو التهجير القسري الجماعي وهو المشروع الذي يسعى اليمين الصهيوني المتطرف إلى فرضه منذ سنوات. ترامب الذي كان دائمًا الحليف الأكثر ولاءً لإسرائيل لم يكن بعيدًا عن هذه الخطط بل كان أول من دعم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وطرح صفقة القرن التي تضمنت فكرة التوطين القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، واليوم مع تصاعد الحرب أصبح تنفيذ هذه الأفكار أقرب من أي وقت مضى حيث تعمل إسرائيل على تحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة لفرض التهجير كخيار وحيد أمام أهلها.

لم يكن اختيار سيناء كوجهة لتهجير الفلسطينيين عشوائيًا ، بل هو جزء من رؤية إسرائيلية تمتد لعقود تقوم على إعادة تشكيل حدود المنطقة بما يخدم المشروع الصهيوني، إسرائيل تدرك جيدًا أن التهجير إلى الأردن قد يخلق أزمة مع النظام الهاشمي وأن تهجير الفلسطينيين إلى لبنان قد يُشعل مواجهة إقليمية كبرى ، ولذلك تُركز على سيناء كأكثر الخيارات "أمانًا" من وجهة نظرها ، لكن ماذا يعني هذا لمصر؟ أولًا تحويل سيناء إلى بؤرة توتر دائم حيث يصبح القطاع الساحلي الشمالي منطقة مزدحمة بلاجئين فلسطينيين مما يخلق مشاكل أمنية واقتصادية ضخمة، ثانيًا تهديد الأمن القومي المصري حيث تصبح الحدود مع إسرائيل أكثر هشاشة مما يتيح لها فرصة أكبر للتدخل في الشؤون المصرية، ثالثًا إعادة رسم حدود معاهدة السلام فبدلًا من أن تكون سيناء منطقة مصرية خالصة ستتحول إلى منطقة نزاع جديدة مما يُضعف السيادة المصرية ويفتح الباب لمطالبات إسرائيلية مستقبلية.

التصريحات الإسرائيلية الأخيرة ليست مجرد كلام بل هي رسائل واضحة يجب أن تؤخذ بمنتهى الجدية ، فالقضية الفلسطينية لم تعد مجرد مسألة داخلية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل أصبحت مفتاحًا لإعادة تشكيل خريطة المنطقة وإضعاف مصر ودول المواجهة.

ما الذي يجب فعله الآن؟ رفض أي محاولة لفرض التهجير القسري تحت أي ظرف الضغط دبلوماسيًا على الدول الكبرى لمنع تمرير هذا المخطط ، تحرك عاجل من جامعة الدول العربية بأكثر من مجرد بيانات الإدانة، إعادة ترتيب الأولويات الأمنية لمصر ووضع سيناء في قلب الاستراتيجية الدفاعية.

ما يحدث اليوم ليس مجرد عدوان على غزة بل هو محاولة لإعادة تشكيل المنطقة بالكامل وفرض أمر واقع جديد يخدم المصالح الإسرائيلية، إذا سقطت غزة فإن الضفة ستكون الهدف التالي، وبعدها ستجد مصر نفسها أمام خيارات صعبة لم تكن تتخيلها من قبل، القضاء على المقاومة في غزة هو سقوط للخط الدفاعي الأول أمام الأطماع الصهيونية، ونجاح مخطط التهجير يعني إعادة رسم الحدود الجغرافية والسياسية للمنطقة. 

لذلك فإن السؤال الحقيقي الآن ليس ماذا ستفعل إسرائيل؟ بل كيف ستتحرك القاهرة والعواصم العربية قبل فوات الأوان؟
---------------------------
بقلم: عز الدين الهواري

مقالات اخرى للكاتب

محكمة الذكاء الاصطناعي التجارية: ثورة فى عالم العدالة الرقمية