03 - 05 - 2025

نحن والغرب ! من نحن و من هم ؟؟

نحن والغرب ! من نحن و من هم ؟؟

بما أن مبادرة الأستاذ/ مجدي شندي وصحيفة المشهد هي أولا لتفكيك القوالب النمطية! فلابد من طرح الأسئلة الأولية الجذرية و الإجابة عليها بما يجعل الخوض اللاحق في هذا الملف الملغوم بالثقافة و الدين و السياسة وأغراض الإقتصاد أسلس قليلا. 

إجابة من نحن فهي أننا متحدثو اللغة العربية في تلك المنطقة من العالم التي تظن/تعتقد أن لها سمات عامة تجعلنا في خندق "حضاري" في مواجهة خندق آخر للغرب. الغرب السياسي الراهن يتباين عن الغرب المسيحي الصليبي الذي يملأ السردية الدينية من عصر "بن تيمية". الغرب السياسي و الحضاري الراهن يضم اليابان و كوريا وتايوان وأستراليا ونيوزيلندا ولا يضم روسيا المسيحية. الإجابة على سؤال من هو الغرب ، ضمنيا يطرح أسئلة اساسية عن طبيعة السوق العالمي والإقتصاد التي يقوم عليه الغرب أو العالم. الغرب أو العالم إشكالية كبرى في زمن العولمة، الأخيرة رؤية سياسية تعاضد اتجاه سياسي وثقافي متنامي من بعد الحرب العالمية الثانية ترى أنه في زمن "القدرة النووية على إبادة العالم" على العالم أن يتعاون وينظم علاقاته كلها لتفادي إبادة العالم في حرب نووية. 

الكلام عن "الشرق" الكوني لتعريف من نحن يضيف إلينا (متحدثي العربية) تركيا و إيران والصين و الهند و إندونيسيا و باكستان بالضرورة. الشرق الكوني مصطلح نصف مطبوخ مثله مثل "الجنوب" الكوني يحاول إستجلاب تضامن لأن الجنوب الكوني به عدة دول كبرى ضمن أكبر عشرين إقتصاد رأسمالي (البرازيل و استراليا والأرجنتين). 

دون مناورات أو شقلبات نظرية، منذ سقوط الإتحاد السوفييتي و في مواجهة العولمة الإقتصادية والثقافية ومصر (ضمن الجمهوريات العربية) تقاوم العولمة الإقتصادية أحيانا وتتماشى معها في أحيان أخرى، المسؤولون التنفيذيون يقولون أن تلك برجماتية واجبة لإدارة الملف الذي يهدد صناعات وزراعات لا تحتمل المنافسة العالمية لأسباب يطول شرحها. أما العولمة الثقافية بفضل تلفزيون الأقمار الصناعية والإنترنت فتشكل تهديدات وجودية لنظمنا السياسية المغلقة ولسردياتنا الدينية والإجتماعية الكذوبة وغير المتناسقة، وشاركت نخبتنا السياسية و الثقافية في إنتاج نظريات تحتمي بالخصوصية الثقافية لتكريس عدائنا السياسي للإنفتاح السياسي والثقافي وبإختصار الحفاظ على النظم السياسية التقليدية العائدة إلى العصور الوسطى والنظم الجمهورية الديكتاتورية التي تعود لنفس العصور الوسطى تحت قشرة "حداثية".  


إنتاج نظريات "نصف مطهية" سهل في دول الإستبداد شرقا أو غربا، أما الغرب الحضاري فقد أنتج على هامش تياره العام نظريات نصف مطهية (فرانسيس فوكوياما – صامويل هننتجتون كأمثلة) لتأبيد صراع الحضارات والتمويه على رغبة في استمرار العنصرية والتسيد الأوروبي الثقافي. ذلك التيار على يمين التيار العام قابله تيار آخر على اليسار يمثله ( نعوم شومسكي – إدوارد سعيد كأمثلة) بإدانة الغرب وتاريخه و تمجيد "طهرانية" مفترضة للشرق والجنوب الكونيين. 

بما أنني لا أميل إلى إعادة إنتاج سرديات تاريخية و تفسير الماء – بعد الجهد - بالماء ! العالم الراهن يمتلئ بنماذج حضارات كبرى اندمجت في "الغرب الإقتصادي" مثل اليابان وكوريا وتايوان والصين والهند وإندونيسيا. و كلها دول استقبلت العولمة بترحاب وانخرطت في العولمة الثقافية و الإقتصادية وأنتجت طبقات وسطى كبرى مرتبطة بالعالم الجديد. كما تلاحظون فإن القاعدة الأساسية للثقافة والحضارة هي الإقتصاد.  

بجوار مصر الجغرافي نماذج متباينة للإنخراط في العالم الراهن وهي إيران وتركيا والسعودية و إسرائيل و أربعتها منافسات إقليمية لنظرتنا لـ"مصر "كرائدة للشرق!؟". إسرائيل قطعة من الغرب الثقافي و السياسي وقبلهما الإقتصادي (حجم التجارة الخارجية كنسبة من الناتج المحلي)، كانت إيران قبل 1979 مرشحة لمكانة فائقة - أكبر من إسرائيل من حيث القدرات الإقتصادية -  في النظام العالمي، فجاءت الثورة الإسلامية التي اصطدمت بالغرب وبالولايات المتحدة تحديدا وانجرفت بعيدا عن مسارها المرشحة له، التجول في شوارع طهران اليوم يعطيك إحساسا بأنك في مدينة أوروبية برغم "التشادور" والحسينيات. السعودية عضوة مجموعة العشرين (أكبر عشرين اقتصادا في العالم) ، قررت تغيير دفتها مؤخرا والإنخراط في العالم الراهن ثقافيا بنفس مستوى نصيبها في الثروة العالمية، لدى السعودية نصف مليون حاصل على دكتوراة من الغرب مما يؤهلها لقفزات قياسية في المستقبل القريب. أما تركيا فتمتاز أنها جزء من الحضارة الغربية بالتاريخ والجغرافيا، بل أن الدولة العثمانية قبل أن تلفظ انفاسها الأخيرة قد أرست العديد من الإصلاحات البنيوية التي تجعل الجمهورية التركية جزءا -ليس فقط - من حلف شمال الأطلنطي العسكري، ولكن رقما وازنت في معادلات ثقافة الشرق والغرب ثقافيا و حضاريا. ترتيب تركيا رقم 19 في مجموعة العشرين الإقتصادية يجب أن يقارن بكوريا الجنوبية التي لها نصف السكان ولكن بضعف ناتجها الإقتصادي بفضل الإبتكار والبحث العلمي والقيمة المضافة لمنتجاتها. مشكلة "شرقنا" بحسب التعريف هو هزال مشاركتنا في العالم الراهن، بل نشكل عبئا علي العالم للتحرر من إرث الماضي. 

نلاحظ هنا التباين الشديد في معطيات "الشرق" الكوني، أو الشرق الأوسط الذي يجمع دولا إسلامية قررت التطور السياسي و الإقتصادي ومسايرة العالم الراهن مثل تركيا، دول أخرى وقعت في تناقضات "القديم و الجديد" مثل إيران والسعودية و النموذجان غير ديمقراطيين – مع التسليم بالنموذج الجمهوري الإيراني شبه الديمقراطي-  أما الدول الجمهورية العربية فقد عادت بكل قوة "أممية" الإشتراكية، ومزجت السمك باللبن بالتمر الهندي (التمر الفيومي أفضل) فعاشت السبعين سنة الماضية تحت مظلة جمهوريات جوهرها طائفي وعشائري وعسكري وإستبدادي وخرجت بإختياراتها من العالم الراهن، و أكدت خصومتها مع "الراهن" بعدم الإستفادة من موجة العولمة الإقتصادية ( 1991-2025) ، وتقف منجذبة و مغوية أمام موجة "غربية" تعادي العولمة وكل مكاسب الحداثة الحضارية ! لا يوقفها من رفع راياتها إلا أن أعلام الموجة اليمينية الفاشية الجديدة تعادي العرب والمسلمين تحديدا وبدون غضاضة ( فيكتور أوربان + دونالد ترامب + مارين لوبن + نيجل فراج + أليس فايدل + خيرت فيلدرز + سانتياجو أبسكال و غيرهم). 

هناك مفارقات كبرى في قبولنا بقواعد اللعب مع العالم الراهن، استقبالنا لإعلان حقوق الإنسان، يحمل الكثير من التحفظات والتأجيلات ، فمقاومتنا للقادم أقوى ما يكون عندما نستدعي أن الإعلان جاء من الغرب !؟ فأنتجنا نظريات جديدة عن معني حقوق الإنسان، وعلي الإنسان "الشرقي" استبدال حقوقه بنصف تعليم ونصف سكن ونصف صحة و دفع ثمن "سلطان مطلق". 

قبل ختام مقالي ، أود تحطيم "النموذج المثالي" للحرب بين الشرق والغرب، بالتذكرة أن الحروب الصليبية حارب فيها المسيحيون مسيحيين آخرين، و حارب مسلمون مع الصليبيين، وتحالف أو تواطأ مسيحيون مع المسلمين، فلا وجود لعالم مستقطب بين الأبيض والأسود، العالم ملئ بالألوان.  العالم تدفع به إلى الأمام الأفكار ويسندها الإقتصاد، الغرب مثل الشرق شرب و شبع من الإقتتال البيني، لكن المستقبل يحمل بشارات أخرى.
---------------------------
بقلم: شريف العصفوري

مقالات سابقة في هذا الملف

 

مقالات اخرى للكاتب

نحن والغرب ! من نحن و من هم ؟؟