لم تكن الحرب على غزة مجرد عدوان عسكري، بل كانت اختبارًا أخلاقيًا وسياسيًا للعالم أجمع، وخاصةً للأنظمة العربية التي كشفت مواقفها بوضوح. بينما سارع الغرب إلى دعم أوكرانيا ضد روسيا، صمتت العواصم العربية أمام المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني، بل إن بعضها ذهب إلى حد تبرير الجرائم بحجج واهية، مثل اتهام المقاومة بالارتباط بجماعات معينة أو بدول إقليمية، وكأن هذه الذرائع تبرر القتل والدمار والتهجير القسري الذي يتعرض له الفلسطينيون كل يوم.
التخاذل العربي في مواجهة الاحتلال: موقف اليابان نموذجًا
أحد أبرز الأدلة على هذا التخاذل جاء من موقف اليابان. في الأيام الأولى للحرب، لم تعلن طوكيو دعمها المباشر لإسرائيل، بل ظلت تراقب المشهد، ولم تتحرك إلا بعدما رأت أن أغلب الدول العربية إما صامتة أو داعمة للاحتلال بشكل غير مباشر. عندها، قررت اليابان الانحياز علنًا لإسرائيل، مدركة أن العالم العربي، الذي يُفترض أنه الحاضن الأول للقضية الفلسطينية، قد تخلى عنها. هذه الواقعة وحدها كافية لإثبات أن الأنظمة العربية لم تكتفِ بالصمت، بل أصبحت غطاءً يُشجع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه دون خوف من أي رد فعل عربي حقيقي.
ترامب.. وجه أمريكا القبيح
إذا كانت هناك شخصية جسدت حقيقة السياسة الأمريكية، فهي دونالد ترامب. لم يكن يخفي استعلاءه، بل تعامل مع الجميع بمنطق الهيمنة، سواء مع زيلينسكي، أو مع قادة الدول العربية الذين لم يجرؤوا على مواجهته.
في تعامله مع أوكرانيا، لم يكن ترامب يقدم الدعم العسكري مجانًا، بل أراد اقتسام ثرواتها المعدنية، محولًا كل شيء إلى صفقة حقيرة تُظهر وجه أمريكا الحقيقي، دولة لا تعيش إلا على إرهاب الدول وسرقة ثرواتها. وعلى الجانب الآخر، فرض على المملكة العربية السعودية إتاوات بمئات المليارات مقابل "الحماية"، معبرًا بذلك عن طبيعة السياسة الأمريكية التي تتعامل مع العالم كغنيمة.
الفرق أن زيلينسكي، رغم خضوعه للأجندة الأمريكية، وقف ودافع عن قضيته أمام العالم، بينما اكتفى الحكام العرب بالصمت، أو تقديم التبريرات لإسرائيل. لم يكن الأمر متعلقًا بترامب وحده، بل هو انعكاس لعقلية الشعب الأمريكي الذي انتخبه، كدليل على أن السياسة الأمريكية لا تتغير كثيرًا، بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض.
هل يجرؤ أي حاكم عربي على ما فعله زيلينسكي؟
السؤال الأهم هنا: هل يستطيع أي حاكم عربي أن يقف أمام ترامب أو أي زعيم غربي ليعلن بوضوح أن السابع من أكتوبر لم يكن إلا نتيجة طبيعية لعقود من المجازر والجرائم الصهيونية؟ هل يجرؤ أحدهم على تذكير العالم بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع محلي، بل قضية الأمة الإسلامية كلها؟
زيلينسكي فعلها، دافع عن بلاده أمام الجميع، وطالب بالدعم العسكري والسياسي، ووقف بجرأة أمام زعماء العالم ليحشد التأييد لأوكرانيا. أما القادة العرب، فهم إما يلوذون بالصمت، أو يبررون العدوان، خوفًا من غضب واشنطن.
لكن اللعبة ستتغير.. وانهيار أمريكا قادم
ما لا يدركه الحكام العرب المتخاذلون هو أن القوة التي يستندون إليها، أمريكا، ليست أبدية. وكما انهارت إمبراطوريات استعمارية كبرى عبر التاريخ، فإن الولايات المتحدة، الداعم الأكبر للجرائم الصهيونية، تسير نحو الهاوية. الأزمة الاقتصادية، الانقسامات الداخلية، تراجع الهيمنة الدولية، كلها مؤشرات على قرب أفول نجم واشنطن. وعندما تنهار هذه القوة، ستسقط معها كل الأنظمة التي تعيش في ظلها، وسيتغير ميزان القوى العالمي لصالح من يملكون الإرادة والقدرة على فرض أنفسهم.
خاتمة: غزة ليست وحدها.. لكن من معها؟
غزة ليست وحدها، فالشعوب العربية ما زالت تنبض بالغضب والحياة، لكن الأنظمة الحاكمة أثبتت أنها تفضل مصالحها الضيقة على حساب الدم الفلسطيني. وإذا كان هناك درس يُستفاد من هذه الحرب، فهو أن الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الأمة التي تبيع كرامتها لن تجد من يحترمها، سواء في الغرب أو في الشرق. أما الذين يعتقدون أن أمريكا ستبقى درعًا يحميهم إلى الأبد، فليتذكروا أن عجلة التاريخ لا تتوقف، وأن زمن الهيمنة الغربية لن يدوم، وحينها ستنقلب الطاولة، وسيأتي اليوم الذي تُحاسب فيه هذه الأنظمة على خذلانها لشعب فلسطين.
------------------------------
بقلم: عز الدين الهواري