منذ أسابيع كتبت عن أن ترامب متنمر وليس قويا وهو فى حاجة ليشعر بقوة الطرف الآخر، وإلا فإنه لن يتردد فى التهامه، وذكرت نماذج على ذلك كندا والمكسيك فى المعاملة بالمثل فى فرض رسوم جمركية بما اضطرّه للتراجع مؤقتا، وربما تعود النظرية للاختبار مرة أخرى بعد أيام.
لكن مواجهة البيت الأبيض الأخيرة مع الرئيس الأوكراني زيلينسكى فتحت الموضوع بشكل عاطفى، فحالة الهوان التى يعيشها عالمنا العربى جعلت الناس تتمنى قادة من نوع الرجل فى تحديه لترامب ومواجهته فى عقر داره، فهل هذا بالفعل مانحتاجه؟ وما هو البديل؟
أولا نموذج زيلينسكى:
فى مقال سابق ذكرت أنه افتقد للحكمة والدبلوماسية فى تعامله مع ثور هائج مثل ترامب، وعرّض بلاده لمشاكل أكبر وهى تواجه حرباً شرسة مع روسيا. هذا لايعنى أن يتنازل عن شئ ولكن أن يكون أكثر كياسة خاصة وهو فى البيت الأبيض. لكن كراهية الناس لترامب لم تجعل كثيرين منهم يتفقون مع هذا الرأي وهو ما أتفهمه، والبعض قارنه بأسلوب الملك عبد الله وهذا يجرنا إلى النموذج الثانى..
ثانيا نموذج الملك عبدالله:
مما عرفته بعد لقائه من مصدر مطلع فإن موقف الملك كان قويا فى رفضه لخطة التهجير القسري للفلسطينيين فى غزة أثناء المفاوضات مع ترامب، لكن مابقى لدى الكثيرين كان ذلك المشهد التليفزيوني في المكتب البيضاوى حيث كرر ترامب تمسكه بالخطة، بينما حاول الملك الالتفاف حول الأمر أمام الكاميرات حتى لا يستفز ترامب. وأنا أتفهم الدوافع وإن كنت لا أتفق مع الأسلوب الذى ترك الناس فى حالة إحباط وشعور بالهوان. وهذا يدخل بنا إلى النموذج الأخير.
النموذج الثالث ماكرون/ستارمر:
فى أسبوع واحد حضر كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعده رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، تسبقهما خلافات هائلة مع ترامب بشأن أوكرانيا وروسيا وقضايا أخرى. لم يتراجع أى منهما عن موقفه، وتحدثا بقوة بل قاطع ماكرون ترامب مرة ووضع يده على ذراعه ليوقفه وصحح له مايقوله حول الدعم الأوروبي لأوكرانيا، لكنه لم يفعل ذلك بغشومية زيلينسكى بل كان يغلف ذلك بعبارات دبلوماسية عن علاقات البلدين وعلاقته القديمة مع ترامب وشكره وأشاد به لعلمه أنه يغرّه الثناء.
لم يخرج الفرنسى والبريطانى بمشاهد بطولية زائفة، ولم يحصلا على إشادة جنرالات المقاهى الذين يريدون بطلاً شعبياً ينتزعهم من الفشل والهوان، لكنهما حافظا على مصالح بلديهما دون الدخول فى مواجهة ضارة مع سيد البيت الأبيض العائد لينتقم.
لننظر مثلاً لأسلوب نيتانياهو مع ترامب..
نيتانياهو فى الحقيقة هو الأقوى، ويحصل من ترامب على كل مايطلبه وأكثر، وأغلب مايردده ترامب هو فى الحقيقة أفكار إسرائيلية يمينية قديمة، لكن نيتانياهو يتحدث مع ترامب على أنه الألمعى الذى يفكر خارج الصندوق وأنه الوحيد القادر على حل مشاكل العالم.
من يريد أن يفهم ترامب عليه أن يعود إلى تصريحات الفريق الأمريكي المفاوض مع الروس فى السعودية. فى البداية تحدث وزير الخارجية ماركو روبيو عن التقدم فى المفاوضات، أعقبه مستشار الأمن القومي مايكل والتز والمبعوث الأمريكي ويتكوف، فجاءت كلماتهما أساسا عن ترامب وعبقريته وأنه الوحيد فى العالم القادر على حل المشكلة، هنا أدرك روبيو الورطة وعاد ليتحدث عن ترامب بإفاضة جعلتنى أشعر أننا فى إحدى دول العالم الثالث حيث الدولة هى الحاكم. هؤلاء هم الأقرب لترامب والأعلم بشخصيته.
الخلاصة: ليس المطلوب من الزعماء العرب تملق ترامب والانحناء له، ولكن فهمه والتعامل معه بذكاء، البعض عندنا مازالوا يرددون مع عبد الحليم حافظ (ولايهمك ياريس مالأمريكان)، لكننا جربنا هذه اللغة العنترية قديماً ونعرف نتيجتها، كما أننا لا نحتاج لإعادة اختراع العجلة فأمامنا نماذج رأيناها بأعيننا فى البيت الأبيض واعتقادى أن النموذج الثالث (ماكرون/ستارمر) هو الأنسب والأضمن لحماية الحقوق العربية، وإن كنت أقر بأنه يحتاج أنظمة أكثر قوة واعتماداً على تأييد شعوبها.
--------------------------------------
بقلم: محمد السطوحي
* نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك