حين يجلس زعماء دولنا مع رئيس أمريكي مثل ترامب، يتجسد أمامنا مشهد مكرّر من الضعف والارتعاش، حيث يهزون رؤوسهم تأييدًا، بينما يبتسم هو بغطرسة ويضع لافتة فوق رؤوسهم بعدد المليارات التي دفعوها لشراء ودّه. مشهد بائس لكنه ليس جديدًا في تاريخ العلاقة بين القوى الكبرى وحكّام الدول التي فقدت سيادتها الحقيقية.
في المقابل، هناك من يرفض هذه القواعد المهينة. زيلينسكي، الرجل الذي لم يكن عسكريًا ولا وريثًا لعرش، لكنه حين وجد نفسه في قلب المعركة، لم يتردد في أن يتحول إلى مقاتل سياسي شرس، لم يرتد البدلات الرسمية ليكسب احترام البيت الأبيض، ولم يحاول إرضاء ترامب أو غيره، بل واجه القوة بالقوة، والابتزاز بالعناد.
لكن ترامب، الذي يرى العالم كرقعة شطرنج لا مكان فيها للضعفاء، لا يفرض الهيمنة فقط على خصومه، بل يريد أيضًا من حلفائه أن يكونوا أدوات لخدمة أهدافه. رأينا كيف حاول أن يجبر مصر والأردن والدول العربية على تحمل مسؤولية حماية إسرائيل، وكأنها طفل مدلل يحتاج إلى جيوش لحمايته، بينما هو في الحقيقة يمتلك ترسانة نووية وأحدث الأسلحة. يريد أن يجعلهم سدًا بشريًا أمام أي مقاومة محتملة، وكأن الدم العربي لا قيمة له إلا إذا سُفك دفاعًا عن مصالح البيت الأبيض.
ليس هذا فحسب، بل إن ترامب كان وما زال يطرح علينا قضية غزة وكأنها مشكلة يجب القضاء عليها، لا حلها. يريد منا أن ننزع سلاح المقاومة، تلك المقاومة المشروعة بموجب القانون الدولي، والتي تُعدّ حقًا أصيلًا لأي شعب محتل. يريد تصفية المقاومة لصالح إسرائيل، وكأنها مجرد عقبة يجب إزالتها حتى تكتمل صفقة القرن التي لم يكتب لها النجاح بالكامل بعد. لم يكتفِ بذلك، بل طلب بشكل مباشر من مصر والأردن تسليم أراضٍ بديلة عن غزة، حتى يُسهِّل لإسرائيل احتلال القطاع وطرد أهله، وكأن القضية الفلسطينية يمكن أن تُحلّ عبر عمليات ترحيل جديدة، وكأن الشعوب العربية مجبرة على دفع الثمن كل مرة.
وفي الوقت الذي يقف فيه الاتحاد الأوروبي، بكامله، ضد غطرسة حليفهم الأهم والأكبر، ويُدين بشكل مباشر بعض سياساته، ويدعم موقف رئيس أوكرانيا في الحفاظ على سيادة بلاده، نجد أن جامعة الدول العربية أجّلت اجتماعها بعد طلب ترامب الأخير! أي خزي وأي عار تعيشه الشعوب العربية، حين تتحرك أوروبا للدفاع عن حقوق الأوكرانيين، بينما حكامنا ينتظرون "الأوامر" قبل أن يقرروا حتى عقد اجتماع؟
لكن ما فعله ترامب مع أوكرانيا يعكس الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية. فهو لم يكن يقدم الدعم العسكري مجانًا، بل أراد اقتسام ثرواتها المعدنية، محولًا كل شيء إلى صفقة حقيرة تُظهر وجه أمريكا الحقيقي أمام العالم، دولة لا تعيش إلا على إرهاب الدول وسرقة ثرواتها، تمامًا كما فعل سابقًا حين هدد المملكة العربية السعودية علنًا، وأجبرها على دفع مئات المليارات مقابل "الحماية". هذا هو الشكل الوقح الذي يمثّل حقيقة الشعب الذي اختار شخصًا بهذه العقلية ليحكمه، شعب يرى أن القوة تعني النهب، وأن العلاقات الدولية يجب أن تُدار بعقلية العصابات.
الأمر الصادم هو أن البيت الأبيض لا يتعامل مع حكام العرب إلا بمنطق السيد والتابع، بينما حين يواجه زعيمًا مقاتلًا مثل زيلينسكي، حتى لو كان يأخذ منه المال والسلاح، فإنه لا يستطيع أن يفرض عليه ما يفرضه على من يرتعدون خوفًا. ترامب كان يريد من الجميع أن يركع، لكن المشكلة ليست فيه وحده، بل فيمن اعتادوا الركوع حتى قبل أن يطلب منهم ذلك.
فهل سيبقى العرب في هذه الدائرة المغلقة من الخضوع، أم أن هناك لحظة قادمة يُكسر فيها القيد؟
---------------------------
بقلم: عز الدين الهواري