منذ شهرين، ديسمبر 2024، سمعنا شائعات عن تأجير الهرم.. غضب خبير آثارنا الأعلى صوتا د. زاهي حواس من تربص المصريين بالأصدقاء الأمريكان، لمجرد رؤية فريق تصوير خواجات تمركز خمسة أيام حول أهرامات الجيزة!! نافيا الشكوك والتأجير ومنع الزيارة أيام التصوير، لوجوده حارسا للهرم، ومرافقا لتأمين وتسهيل مهمة الضيوف المهمين.. وأن الصورة المنتشرة على مواقع التواصل لعمال يكسرون أحجارا بمنتصف الهرم ليست لإفساح مساحة آمنة لوقوفهم!! إنما هي أعمال صيانة وتوصيلات إضاءة!! ارتفعت الهمسات، فأسرع مزهوا بإعلان مهمة اليوتيوبر الأمريكى الأشهر مستر بيست - 27 سنة - وفريق تصوير بمساعدته لتصوبر مئة ساعة "عن" الأهرامات، في مغامرة خطرة بقلب الهرم!! وحرص على تأكيد حصول "المستر" على تصاريح من كل الجهات، لأن أهدافه تخدم مصالحنا!! وهي عرض أفلام وثائقية قصيرة عن الهرم على قناته الخاصة التي يتابعها 200 مليون بأمريكا والعالم.. مزهوا بدعاية سياحية مانحلمش بيها!!
استفزني تصريح د. زاهي الحماسي لأنه إهانة لنا وللسينمائيين المصريين!! ورأيت فيه اقتحاما ونبشا وتعديا لأغراب على حرمة مدافن الفراعنة، تاريخنا وميراث حضارتنا المتفردة العظمة.. كرهت فكرة تفضيل شاب رأسمالي أمريكى عن المصريين، بمساعدته في تصوير مئة ساعة خارج وداخل أماكن ممنوعة علينا بالهرم!!
شياطين الفراعنة فكروني بحادثة سائح أمريكى ألقت مباحث الأهرامات القبض عليه مارس الماضي، لتصويره الأهرامات الثلاثة بجهاز لاسلكي متصل بكاميرا طائرة.. كشفت يقظة التحريات أنه اسرائيلي المولد والجنسية، دخل مصر سائحا وأقام بفندق مجاور للهرم.. وقد أخلت النيابة سبيله لإقراره بعدم علمه بمنع التصوير بالكاميرات الطائرة في مصر.. وهاهو مستر بيست يفوز بتصريح هذه الكاميرات مع بالغ الحفاوة !!
تعجبت من مبادرة د. حواس للدفاع عن مستر بيست، وتبرئة نفسه وكل المسئولين بحماسه المعهود في مداخله على الهواء مع المذيع شريف عامر ، قال نصا:- " اليوتيوبر بيست هو سائح أجنبي قدم لمصر خدمة دعائية عالمية هائلة، وكمان دفع فلوس قوية جدا، دفع 20 مليون جنيه!!" وأنه شخصيا رافقه، بل أنزله نفق أبو الهول بنفسه، وأصعده إلى خمس حجرات الهرم، في تصوير حصري لكي ينفي شائعات وجود قارة مفقودة تحت الهرم!! وأدخله مقابر العمال ليتأكد ويوثق أن المصريين هم بناة الأهرامات.. وقبل عودته بما صوره، حمًلًه أمانة إعلان الحقائق للعالم عبر قناته الأمريكية التي يشاهدها الملايين يوميا.. وأرى هذا التصريح لا يثير الفخر، إنما يعايرنا، ويعلن فشلنا وضآلتنا وعجزنا عن تسويق آثارنا!!
وواصل د. حواس دفاعه عن المستر، مؤكدا التصريح له بالتصوير من د. محمد اسماعيل أمين عام الآثار، مضيفا :- " الراجل بعتلي اللى هايقوله عند تقديم برنامجه في أمريكا لأترجمه هنا للمصريين"!! وهذا يؤكد أمانته وجليل خدمته للسياحة المصرية"!! ثم صارحنا كمشاهدين، أن مدينة الانتاج الاعلامي أيضا منحته تصريحا!! فعلمنا وكنا نجهل، أن المدينة أصبحت شركة مساهمة، تمتلك الهيئة الوطنية للإعلام 43% من رأسمالها، وبنك الاستثمار القومي حوالى 18%، والبنك الأهلي حوالي5%.. وأن الـ 34% تقريبا المتبقية تملكها شركة "لاندسك" الإنجليزية، مالكة أكبر مركز للتكنولوجيا والاعلام "خارج" لندن، التي يتفرع منها شركات استثمار عالمية في كل المجالات تقريبا.. برافو.
ثم نشرت جريدة المصري اليوم في 10/2 لقطة صباحية مشرقة للخبير زاهي حواس، أمام أبي الهول بالهرم برفقة مستر جيمي، منفذ اول فيلم قصير- 21 دقيقة- لصالح اليوتيوبر الأشهر مستر بيست.. يزهو فيها د. زاهي بأن الفيلم سجل 61 مليون مشاهدة في يوم، لأنه أول عرض عالمي من قلب هضبة الهرم بفضل استئجار قناة المستر لمنطقة الهرم!!
تاني يوم نفت وزارة السياحة والآثار الاستئجار!! مؤكدة التصوير بعد مواعيد العمل الرسمية وبرفقة خبراء أثريين.. ليصرح كبيير الأثريين بالأسوا، أن الفيلم هو بادرة تحديث تخطيط الوزارة للترويج السياحي بالاستعانة بالمؤثرين العالميين لمواكبة العصر.. بديلا لأسلوب هيئة تنشيط السياحة التقليدى في استضافة كبار الشخصيات أجانب وعرب!! بنصرف عالفاضي!!
شعرت بالخزي والغضب.. كيف تتمنى وزارة السياحة المصرية تكرار هذه التجربة في أماكن أثرية أخرى!! وعلى مين الدور!! تتحجج بفضل إمكانيات والتزام مستر بيست بالضوابط، في رؤية العالم لمعالمنا وكنوز آثارنا لأول مرة!! يا الله، وزارة سياحتنا تعلن فشلها في الترويج لآثارنا، تهدي ولائمنا للمستر وتلقط الفتات!!
ومؤخرا شاهدت الفيلم بالانجليزية على اليوتيوب.. وجدته أقل من مستوى أصغر خريج معهد سينما في مصر دون امكانيات المستر.. هو فيديو أشبه ببرنامج رامز في رمضان، شقلباظات وإثارة واعلانات وذكاء تسويق نفسه!! الشاب بيست يصور الأهرام ويبيع منتجاته الفرعونية، يعمل مسابقات ويوزع جوائز مالية ضخمة، ويدعم أعمالا خيرية تعفيه من الضرائب.. نموذج امريكي مكتمل!
ولكن.. ما قدمناه في حفل المومياوات قد أعلن قدراتنا للعالم.. متحف الحضارة، تخطيط واصرار د. فاروق حسنى وزير الثقافة، لاحت بوادره وأكد قدراتنا.. مشروع اوراسكوم بيرامدز 2018- تطوير منطقة الهرم - يبشر بسياحة قادمة تليق بعظمة مصر، لتمرٌس ساويرس في تخطي العقبات.. د. زاهي لا تزهو بالمستر، استعن بحكمة الفراعنة، وتجنب لعنتهم.
----------------------------
بقلم: منى ثابت
