ما قامت به إسرائيل في سوريا خلال العقود الماضية، من استهداف للبنية العسكرية السورية وتدمير قدرات الجيش السوري دون الدخول في حرب مباشرة، يعكس استراتيجيتها القائمة على "الحروب الوقائية" و"إضعاف الخصوم دون مواجهة مباشرة". ولكن هذه الاستراتيجية لم تُطبق مع مصر، ليس لأنها لم تحاول، بل لأنها تدرك أن مصر ليست كغيرها من الدول.
مصر.. القوة التي لا يمكن تجاوزها
الكيان الصهيوني، بقدراته العسكرية والتكنولوجية المتقدمة، ورغم تفوقه الجوي والمخابراتي، لم يجرؤ يومًا على استهداف العمق المصري بنفس الطريقة التي فعلها في سوريا ولبنان وغزة. لماذا؟ لأن إسرائيل تدرك تمامًا أن الجيش المصري ليس مجرد قوة عسكرية، بل هو انعكاس لقوة دولة ذات سيادة راسخة، وشعب يحمل في داخله إرثًا حضاريًا وتاريخيًا لا يمكن تجاوزه.
على مدار عقود، ورغم التوترات، لم تستطع إسرائيل تجاوز "الخطوط الحمراء" الحقيقية مع مصر، لا في سيناء، ولا في العمق المصري، ولا حتى بمحاولات خبيثة لزعزعة الاستقرار الداخلي. السبب؟ ببساطة، لأن مصر ليست ساحة مفتوحة للمغامرات العسكرية الإسرائيلية، ولأن أي تجاوز لتلك الخطوط يعني مواجهة لا يمكن لإسرائيل تحملها.
مجازر غزة.. ونشوة القوة الزائفة
ما حدث في غزة من مجازر وحشية لم يكن مجرد عمليات عسكرية، بل كان تعبيرًا عن نشوة قوة زائفة تعتقد إسرائيل أنها يمكن أن تستمر بلا عواقب. ولكن التاريخ يعلمنا أن مثل هذه النشوات لا تدوم، بل ترتد على أصحابها في لحظات لم يكونوا يتوقعونها.
إسرائيل، التي تدّعي أنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، قامت بارتكاب واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث، حيث قتلت آلاف الأطفال والنساء والمدنيين العزل في غزة، ودمرت منازلهم فوق رؤوسهم، واستهدفت المستشفيات والمدارس والملاجئ، في مشهد يعيد إلى الأذهان أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
ولكن هذه الجرائم، ورغم وحشيتها، لم تحقق لإسرائيل أي مكاسب حقيقية، بل على العكس، جعلتها تفقد شرعيتها أمام العالم، وأكدت أن قوتها العسكرية ليست سوى آلة قتل لا تستطيع فرض واقع سياسي جديد. هذا الدمار الذي خلفته إسرائيل لن يؤدي إلا إلى مزيد من المقاومة، ومزيد من الإصرار الفلسطيني على كسر الهيمنة الصهيونية، بدعم من الشعوب الحرة التي ترى في ما يحدث جريمة لا يمكن السكوت عنها.
إن الشعب المصري، الذي رأى هذه المجازر بعيونه، لم يزد إلا وعيًا وإدراكًا لطبيعة العدو، ولم يزد إلا ثباتًا في قناعته بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد شأن خارجي، بل هي جزء من الأمن القومي المصري. فكل ما تفعله إسرائيل في المنطقة، وكل محاولاتها لتقسيم الدول وإضعاف الجيوش، لن تغير من الحقيقة الكبرى: مصر تبقى الرقم الأصعب في معادلة الصراع.
هزيمة إسرائيل في غزة.. سقوط الهيمنة الغربية
إسرائيل لم تحقق أي انتصار في غزة، لا سياسيًا ولا عسكريًا، بل خرجت بسمعة مهشمة على المستوى الدولي، بعد أن عجزت عن تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية رغم الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة وأوروبا. بل إن الجيش الأمريكي والمخابرات البريطانية، وكل قوى المرتزقة التي دعمت إسرائيل، فشلت في كسر إرادة المقاومة الفلسطينية، مما يعكس نهاية مرحلة وبدء أخرى، حيث لم يعد من الممكن الحديث عن "تفوق إسرائيلي مطلق" في المنطقة.
إسرائيل اليوم تجد نفسها أمام واقع جديد: أي مواجهة مستقبلية لن تكون إلا مواجهة نهائية، حيث لن يُسمح لها بممارسة عدوانها دون ثمن، وسيكون دعم المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة هو الخيار الوحيد لكسر الغطرسة الصهيونية، تمامًا كما حدث في جنوب أفريقيا عندما سقط نظام الفصل العنصري.
الحسابات الإسرائيلية.. وألف حساب لمصر
إسرائيل قد تستمر في سياساتها العدوانية ضد دول المنطقة، لكنها تعلم أن مصر ليست ساحة لهذه السياسات. فالقوة ليست فقط في السلاح، بل في الإرادة، والقدرة على المواجهة، ومعادلات الردع الحقيقية. والجيش المصري، بشعبه ودولته، يمثل تلك القوة التي تجعل إسرائيل تفكر ألف مرة قبل أي خطوة طائشة.
التاريخ ليس سكونيًا، والأحداث لا تتكرر بنفس الشكل، ولكن هناك قاعدة ثابتة: الكيان الصهيوني لن يستطيع تجاوز مصر، لا اليوم ولا غدًا، لأن قوة مصر ليست مجرد سلاح، بل تاريخ وحضارة وشعب لن يسمح أبدًا بكسر إرادته.
---------------------------
بقلم: عز الدين الهواري