منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وحتى بعد وقف إطلاق النار، تكشفت حقائق عن جرائم لم تكن تخطر على بال الشيطان نفسه، جرائم إبادة جماعية وتخريب وتدمير ممنهج، يعكس الوجه الحقيقي للصهيونية العنصرية. لم يكن من يقاتل في غزة جيشًا نظاميًا كما يدّعون، بل كانت ميليشيات استيطانية متطرفة، أفرادها أشباه سموتريتش وبن غفير، يحملون أيديولوجيا الكراهية والإبادة، مما يجعل وصفهم بالجيش مجرد أكذوبة دعائية.
ما رأيناه من ممارسات هؤلاء في غزة لا يمكن اعتباره سلوكًا فرديًا، بل هو عمل ممنهج يعكس نوايا الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها نتنياهو وسموتريتش، في محو أي وجود للشعب الفلسطيني، سواء عبر المجازر أو التهجير أو التنكيل بالأسرى الفلسطينيين بعد الإفراج عنهم. فالهدف لم يعد مجرد السيطرة العسكرية، بل إبادة شعب بأكمله واستبداله بمستوطنين لا يعرفون سوى العنف كوسيلة لتحقيق غاياتهم.
العنصرية الصهيونية: مشروع إبادة ممنهج
منذ أن زرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، وهو يمارس جرائم ضد الإنسانية، بدءًا من مجازر العصابات الصهيونية في دير ياسين وقبية وكفر قاسم، وصولًا إلى ما شهدناه في غزة. هذه ليست تجاوزات عشوائية، بل سياسة ثابتة ترتكز على الفكرة الصهيونية العنصرية بأن الفلسطينيين "أقل من بشر"، وأن التخلص منهم هدف مقدس.
ولا يمكن أن يكون هناك أي تخيل بمثل هذه الجرائم من تخريب بيوت الناس، وكتابة شعارات عنصرية على الجدران والشوارع مثل "الموت للعرب" و"هذه الأرض لنا"، وردم آبار المياه وتدمير شبكاتها، والتأكيد على عدم وجود أي شيء يمنح الحياة للمدنيين، في استمرار لسياسة "الأرض المحروقة" التي ينتهجها الاحتلال منذ عقود. هذه الجرائم ليست مجرد أفعال فردية من الجنود والمستوطنين، بل سياسة رسمية تديرها حكومة الاحتلال لإرسال رسالة واضحة: لا مكان للفلسطينيين هنا، والموت أو التهجير هو الخيار الوحيد أمامهم. إنها استراتيجية ترهيب نفسي تهدف إلى إقناع الفلسطينيين بأن وجودهم مهدد في كل لحظة، وتجريدهم من أبسط مقومات الحياة، وتحويل غزة إلى أرض غير صالحة للسكن.
7 أكتوبر: نقطة تحول في الوعي العربي والإسلامي
ما جرى في 7 أكتوبر لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان زلزالًا هز الضمير العربي والإسلامي، وأثبت أن الاحتلال ليس قوة لا تُقهر، بل يمكن أن يُواجَه، وأن الفلسطينيين لن يستسلموا رغم الحصار والتجويع. اليوم، لم يعد الصراع محصورًا في غزة أو الضفة، بل أصبح قضية مركزية للشارع العربي والإسلامي، وأصبحت المقاومة رمزًا عالميًا لنضال الشعوب ضد الاحتلال والاضطهاد.
لن يكون هناك استسلام أو عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر، وبدلًا من حماس واحدة، سيخرج ألف حماس، ولكن بأساليب جديدة وأدوات أكثر تطورًا، لأن المواجهة مع هذا الكيان لم تعد خيارًا، بل ضرورة وجودية لشعب يرفض الإبادة والاستعباد.
الاحتلال إلى زوال: متى ينتهي عصر الخضوع العربي؟
إن استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو وصمة عار في جبين العالم، لكنه في المقابل، اختبار حقيقي لإرادة الأمة. لم يعد مقبولًا أن يستمر الصمت العربي في مواجهة الإبادة الجماعية، ولم يعد ممكنًا الرهان على الحلول الدبلوماسية التي لا تجلب سوى مزيد من القهر والتهجير.
الكيان الصهيوني يعيش اليوم أسوأ أزماته السياسية والعسكرية والأخلاقية، وهو في سباق مع الزمن لمحاولة كسر إرادة الفلسطينيين، لكن المقاومة أثبتت أن إرادة الشعوب لا تُقهر. ومع تزايد الغضب الشعبي في العالم، تتزايد فرص محاصرة الاحتلال سياسيًا واقتصاديًا، ليقترب يوم زواله، كما زالت أنظمة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
إن دعم المقاومة بكل الوسائل، ورفع الصوت عاليًا ضد جرائم الاحتلال، ومقاطعة داعميه، ليس خيارًا بل واجبًا. فالتاريخ لا يرحم الشعوب التي تتخاذل عن نصرة المظلومين، ولن يكون هناك مستقبل مشترك في المنطقة إلا بعد زوال هذا الكيان الغاصب الذي لا يعرف سوى لغة القتل والإبادة.
------------------------
بقلم: عز الدين الهواري