03 - 05 - 2025

حماية الجبهة الداخلية لمصر: حصن الوطن الأخير الذي لا يُخترق

حماية الجبهة الداخلية لمصر: حصن الوطن الأخير الذي لا يُخترق

مصر ليست ضعيفة ولن تكون ولن تسقط كما يتوهم الحالمون، لكن الحروب لم تعد جيوشًا تقتحم الحدود أو دبابات تسحق الأرض، بل تحولت إلى حروب داخلية تستهدف تماسك الشعوب، تخترق الجسد الوطني من الداخل، تضرب العقول قبل الأبدان، تزعزع الثقة بين المواطن ودولته، تخلق الفوضى والارتباك، تحول القضايا العادلة إلى معارك وهمية، تستخدم أدوات ناعمة وخبيثة بدلاً من المدافع، تخنق الشعوب بالفتن الاقتصادية، تضرب العدل لتزرع الظلم، تقتل الأمل لتبني اليأس، تسرق الحقوق لتشعل الغضب، تهدم الإنتاج لتجعل الدولة رهينة الاستيراد والديون، تصنع الطابور الخامس ليهتف ضد بلاده وهو يظن أنه مخلص لها، تسلل بطيء، خبيث، مدروس، منظم، يستهدف ضرب الجبهة الداخلية لأنها السد الحصين، فإن انهار السد دخل الطوفان، وإن بقي صامدًا تحطمت عليه كل المؤامرات

إن حماية الجبهة الداخلية ليست شعارات براقة تملأ الشاشات والصحف، ليست بيانات رسمية أو اجتماعات مغلقة أو وعودًا زائفة، ليست حملات وقتية تنتهي بمرور العاصفة، حماية الجبهة الداخلية تعني أن يشعر كل مواطن في هذا الوطن أن حقوقه مصانة بالكامل دون نقصان، أن يجد العدل أمامه واقعًا لا سرابًا، أن يكون للقانون هيبة تردع الكبير قبل الصغير، أن يكون هناك ميزان دقيق لا يميل لصالح نفوذ ولا يتأرجح تحت ضغط المصالح

حينما يجد العامل حقوقه بلا استجداء ولا إذلال، وحينما يحصد الفلاح ثماره بلا سطو من السماسرة والمحتكرين، وحينما يعيش المواطن البسيط مطمئنًا أن قوته اليومي لن يكون رهينة تقلبات السوق وجشع التجار، وحينما يدرك الموظف الشريف أن الفساد لن يسحقه ولن يطرد الكفاءات لصالح أهل المصالح، وحينما يتأكد صاحب المعاش أن شيخوخته لن تكون في مهب الريح، وحينما تكون المدارس لأبناء الجميع وليس لأبناء الأغنياء فقط، وحينما تكون المستشفيات للعلاج لا للموت، وحينما تتوقف الاستثمارات العقارية عن بناء القصور وتتجه لبناء المصانع، حينها فقط نستطيع أن نقول إن الجبهة الداخلية لمصر عصية على الكسر، منيعة على الاختراق، محصنة ضد كل خائن وعميل

لا حماية للجبهة الداخلية دون اقتصاد وطني مستقل لا يعتمد على الاستيراد العشوائي ولا يركع لشروط المؤسسات الدولية، لا حماية لمصر دون إنتاج حقيقي يعيد المصانع للعمل ويفتح أبواب التصدير بدلاً من أن نبقى سوقًا استهلاكيًا لمنتجات الآخرين، لا حماية لهذا الوطن دون سياسة زراعية تعيد للفلاح المصري مكانته، تضمن له السماد والبذور والمياه، تحميه من المافيات التي تتاجر بلقمة عيشه، تضمن ألا يتحول القمح المصري إلى سلعة نادرة في أرضٍ كانت سلة غذاء العالم، لا حماية للجبهة الداخلية دون نهضة صناعية كبرى تجعلنا قادرين على تصنيع احتياجاتنا العسكرية والمدنية، تجعل القرار السياسي مستقلاً غير مرهون بضغوط الخارج

لا حماية للجبهة الداخلية دون وعي وطني شامل، وعي حقيقي يكشف المخططات، يفضح الألاعيب، يمنع المتآمرين من اختراق العقول قبل اختراق الأرض، لا حماية للجبهة الداخلية دون إعلام وطني مسؤول لا يكون بوقًا للسلطة ولا أداة للهدم، إعلام يصنع الوعي لا التزييف، يرفع الحقائق لا الشعارات، لا حماية لهذا الوطن دون إصلاح شامل للخطاب الديني والفكري، يعيد للأمة روحها وقيمها، يعيد للناس دينهم الحقيقي بعيدًا عن التطرف والتشدد والانحلال، لا حماية للجبهة الداخلية دون تعليم يعيد بناء العقول، يخلق جيلاً واعيًا قادرًا على الفهم لا مجرد حفظ المناهج والبحث عن شهادة بلا قيمة

لا حماية لمصر دون نقابات قوية مستقلة، تدافع عن حقوق العمال والفلاحين، تحمي حقوق المظلومين، لا تكون مجرد ديكور أو أدوات في يد السلطة، بل تكون صوتًا حقيقيًا للطبقات الكادحة، تدافع عن حقوقهم، توقف تسلط أصحاب الأعمال، تضمن للعامل أجرًا عادلًا وللفلاح دعماً حقيقيًا ولصاحب المعاش حياة كريمة، لا حماية للجبهة الداخلية دون مؤسسات مجتمعية قادرة على استيعاب الغضب، تهدئة الاحتقان، حل الأزمات قبل أن تتحول إلى قنابل موقوتة

لا حماية لهذا الوطن دون قبضة حديدية على رقاب كل خائن، لا رحمة لمن يتآمر على البلد من الداخل، لا تساهل مع الطابور الخامس، لا مهادنة مع من يبيع وطنه تحت أي ذريعة، لا حماية للجبهة الداخلية دون حزم ضد كل من يعبث بأمن الدولة، لا حماية لمصر دون عدالة كاملة، اقتصاد قوي، تعليم حقيقي، إنتاج وطني، إعلام مسؤول، وعي شعبي، يد تبني ويد تحاسب، لا حماية لمصر دون تماسك شعبي يقطع الطريق على كل من يخطط لإشعال الفتن

مصر لن تسقط، لكن الحذر واجب، لأن الأعداء لا يملون، المتآمرون لا يهدأون، المتربصون ينتظرون أي ثغرة، والمخدوعون كُثر، والساخطون وقود جاهز للاشتعال، إن لم يجدوا من يحتويهم احتواهم أعداء الوطن، إن لم يجدوا العدالة أمامهم بحثوا عنها في الشعارات الكاذبة، إن لم يجدوا العمل تحولوا إلى قنابل موقوتة، إن لم يجدوا دولة ترعاهم صنعوا لأنفسهم أوطانًا وهمية يقودها الخونة والعملاء

الجبهة الداخلية ليست كلمات ولا شعارات، هي واقع على الأرض، هي حقوق غير منقوصة، هي عدل شامل، هي اقتصاد مستقل، هي أمن بلا تهاون، هي سياسة بلا فساد، هي دولة بلا ظلم، هي وطن لا مكان فيه للخيانة ولا ثغرة ينفذ منها الأعداء، مصر لن تسقط إلا إذا أسقطها أبناؤها، وإن وقف شعبها كتلة واحدة فلن تهزمها أي قوة على وجه الأرض.
-------------------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن