02 - 05 - 2025

التجار والمقاولون الذين يديرون مصر

التجار والمقاولون الذين يديرون مصر

ذهبت اليوم إلى محطة سكة حديد مصر، ولم أكن قد رأيتها منذ سنوات. وجدت تطورًا لافتًا في البنيان، ومن حيث المظهر. شيدوا طابقًا علويًا به مطاعم وكافيهات ومنافذ بيع سلع مختلفة، تصعد إليه بسلم كهربائي.

شيء جيد أن يصبح منظر المحطة العتيقة على هذا النحو، ولها هذه المهابة، رغم أن التجديد لم يراع التهوية والإنارة، حيث النسائم الرخية التي ظلت تتدفق سنوات طويلة، وحيث نور الشمس الذي كنا نراه يسطع فيها من قبل منذ الشروق وإلى الغروب.

 ما تدركه للوهلة الأولى أن العين التي رأت هذا التطور، والمخيلة التي صورته قبل تنفيذه، هي عين ومخيلة تاجر، لأنك حين تصل إلى مكان حجز التذاكر وهو الذي يقصده أغلب من يذهبون إلى هناك، يفجعك ضيقه، وكأن الذي خصص له هذا المكان لم يعنه ازدحام الناس عنده. ترى أرقاما إلكترونية للزبائن، لكنها لا تعمل، وتسأل كيف تحجز، فيقال لك: قف في الطابور، لكن لا مكان لاصطفاف طابور طويل أمام كل نافذة لبيع التذاكر، من النوافذ الخمس، وإن حدث سيخرج إلى الممر الواسع المخصص لبائعي المأكولات والمشروبات.

يمكن بالطبع للناس أن ينتظروا حتى يخف الزحام في أي من المقاهي أو المطاعم، لكن ماذا عما ليس معه ما يدفعه لطعام أو شراب، وكل ما يشغله، مع ضيق ذات يد الأغلبية الكاسحة من شعبنا الآن بفعل سياسات الإفقار المنظم، أن يقتنص تذاكر السفر.

سيقول قائل: تأجير هذه المطاعم والمقاهي والمتاجر يدر على هيئة السكة الحديد دخلًا يساعدها في استرداد بعض ما دفعته، لاسيما أن جزءا غير قليل من مليارات الدولارات التي اقترضناها ذهبت إلي قطاع النقل. ولا بأس في هذا، لكن ما الذي يمنع من أن ينظر إلى مصلحة عموم الشعب بعين الاعتبار.

مشكلتي هنا مع الذهنية التي تنظر إلى كل شيء على أنه تجارة، دون أدنى اعتبار للبشر، فكثير من الكباري تم تشييده كي يصنع فرصة لإقامة أكشاك تحته، تنخرط في أنشطة متنوعة، وإزالة العشوائيات كان دافعه الاستيلاء على الأرض أكثر منه النهوض بأحوال ساكنيها، بدليل أن أحدا لم يعتن بخلعهم من أماكن قضوا معها سنوات طويلة، وكانت تجري فيها أرزاقهم، ولم يستعاد إليها إلا قلة منهم، نظرا للشروط التي وضعت لذلك. 

هذه الذهنية تصلح لتاجر، لكنها لا يجب أن تكون هي التي توجه من يدير شؤون الناس. هذه الذهنية التي ترى أن الأرض هي الثروة وليس الإنسان، وبالتالي فأي متر مربع من الرمل أو البلاط أو حتى داخل مبنى السكة الحديد هو فرصة لإقامة كشك لبيع أي شيء، وليس مكانا لاصطفاف طابور تذاكر.
---------------------------
بقلم: د. عمار علي حسن
(نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك)

مقالات اخرى للكاتب

نحن والغرب | نحو حوار أجدى بين الحضارات .. مسارات لتجاوز الخلافات (2 من 2)