تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي للاحتفاظ بالسيطرة على خمسة مواقع استراتيجية مرتفعة في جنوب لبنان بعد انتهاء الموعد النهائي لسحب قواتها، مما يشكل اختبارًا دبلوماسيًا لإدارة ترامب في الوقت الذي تحاول فيه إدارة وقف إطلاق النار الهش في المنطقة.
وتقول تل أبيب إنها بحاجة إلى هذه المواقع لحماية مجتمعاتها بعد عام من الحرب مع حزب الله، لكن لبنان رفض الفكرة، مما أثار توترات حول الاتفاق الذي أنهى أشهرًا من القتال الذي تضمن آلاف الغارات الجوية الإسرائيلية واجتياح جنوب لبنان.
ويأتي هذا السعي للسيطرة على المرتفعات في أعقاب تحركات إسرائيل السابقة للاستيلاء على مواقع مثل قمة جبل الشيخ في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، وإنشاء منطقة عازلة أوسع داخل قطاع غزة بعد 16 شهرًا من الحرب مع حماس. كما تضغط إسرائيل بنجاح على الحكومة اللبنانية لمنع الرحلات الجوية الإيرانية التي تقول إنها تنقل أموالًا لحزب الله، وقد تم إيقاف إحدى الرحلات يوم الخميس بعد أن حذرت إسرائيل من احتمال حملها أموالًا، وسيتم تعليق الرحلات الجوية من إيران حتى 18 فبراير، وفقًا لشخص مطلع على الأمر، كما أوقفت إيران رحلة أخرى يوم الجمعة، بحسب وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية.
وأشار متحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم الخميس إلى جهود تهريب الأموال، وقال إن إسرائيل تثير هذه الحوادث مع اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار في لبنان.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية يوم الجمعة إن “التهديدات” الإسرائيلية للممر الجوي اللبناني تنتهك القانون الدولي. وتعكس هذه التحركات التغير السريع في ميزان القوى، حيث تمكنت إسرائيل، من احتواء الهجمات التي يشنها حزب الله على حدودها لعدة أشهر، من تحقيق سلسلة من الانتصارات العسكرية ضد القوات المدعومة من إيران، مما منح قواتها حرية أكبر في العمل.
وقد أجلت إسرائيل بالفعل انسحابها من لبنان لمدة شهر تقريبًا، مشيرة إلى الحاجة إلى تفكيك مواقع حزب الله في الجنوب، وهي تسعى الآن إلى تمديد الانسحاب لمدة 10 أيام إضافية، حتى 28 فبراير.
وقالت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بموعد الانسحاب في 18 فبراير، ورفضت السفارة الأميركية في بيروت التعليق يوم الجمعة على الطلبات الإسرائيلية الأخيرة والمفاوضات الجارية.
وقد يثير أي تأخير إضافي للانسحاب العسكري الإسرائيلي من لبنان توترات في البلاد، في وقت تحاول فيه إعادة الإعمار بعد الحرب التي شردت ما يصل إلى مليون شخص ودمرت مئات المباني في بيروت.
وتمتد المواقع الخمسة التي تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها في لبنان على طول الحدود اللبنانية مع (فلسطين المحتلة)، وتشمل مواقع بالقرب من بلدات الخيام، والعديسة، والناقورة، ورامية، وفقًا لمسؤولين لبنانيين. وتطل هذه المواقع على المستوطنات الإسرائيلية الحدودية، وقد تمنح جيش (الاحتلال) الإسرائيلي القدرة على الرد السريع على أي تهديدات.
وقدم المسؤولون الإسرائيليون هذا الطلب خلال مفاوضات جارية مع مسؤولين أميركيين في الأسابيع الأخيرة، وفقًا لمسؤولين لبنانيين مطلعين على المفاوضات.
وقال ديفيد وود، كبير المحللين في الشأن اللبناني في مجموعة الأزمات الدولية، إن “القلق الرئيسي لإسرائيل هو هذه النقاط الاستراتيجية، أو على الأقل كما تراها، وهي النقاط التي تعتبرها خطيرة للغاية لتسليمها”. وأضاف: “قد يكون أيضًا أنها تريد الاحتفاظ بورقة مساومة فيما يتعلق بتنفيذ وقف إطلاق النار، حيث لن تنهي الاحتلال بالكامل إلا بعد أن ترى ما تعتبره امتثالًا أفضل من لبنان”.
وقال اللواء الأميركي جاسبر جيفرز، الذي يعمل على تنسيق الترتيبات الأمنية الجديدة في جنوب لبنان، يوم الجمعة إنه التقى بضباط عسكريين إسرائيليين ولبنانيين ومسؤولين فرنسيين لوضع خطة فنية لتسليم جميع القرى المتبقية من الجيش الإسرائيلي إلى القوات المسلحة اللبنانية. وقال في بيان نشره “سنتكوم” على منصة X: “حققنا تقدمًا كبيرًا خلال الأشهر القليلة الماضية، وأنا واثق من أن الجيش اللبناني سيسيطر على جميع المراكز السكانية في منطقة جنوب الليطاني قبل يوم الثلاثاء المقبل”. وأضاف أنه واللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار سيساعدان في تنفيذ جوانب من الاتفاق “حتى بعد 18 فبراير”.
وقال السكان في جنوب لبنان، إنهم سيقاومون أي استمرار للوجود الإسرائيلي في المنطقة. وقال باسل رحيمي، وهو من سكان بلدة الخيام، إحدى المناطق التي لا تزال القوات الإسرائيلية متواجدة فيها: “إذا أرادت إسرائيل احتلال أي جزء من أرضي، فلن أقبل بذلك، ولن أقلق بشأن التصعيد، لأننا أصحاب هذه الأرض”.
وشنت إسرائيل عدوانها على حزب الله بعد أن بدأ التنظيم بإطلاق الصواريخ عبر الحدود بعد فترة وجيزة من هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي قادته حماس على إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل 1,200 شخص وأشعل الحرب في قطاع غزة.
وخلال الحرب، قالت إسرائيل إن هدفها الرئيسي كان دفع قوات حزب الله بعيدًا عن مناطق الحدود لمنع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة وقذائف الهاون التي تهدد المستوطنات الإسرائيلية.
وقد وجه الهجوم الإسرائيلي في الخريف الماضي ضربة قاسية لحزب الله، حيث قُتل معظم قياداته البارزين وتم تدمير جزء كبير من ترسانته العسكرية، كما ساهم إضعاف حزب الله في الإطاحة بحليف إيراني آخر، وهو نظام الأسد في سوريا، مما قلص قدرة الحزب على تهريب الأسلحة إلى لبنان.
تأسس حزب الله في الثمانينيات بهدف طرد القوات الإسرائيلية من لبنان خلال اجتياح سابق، وقد يؤدي استمرار الوجود الإسرائيلي إلى تصعيد وضغط على الحزب للرد، كما أن أي استئناف للقتال في لبنان قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة الأوسع، بعد أكثر من عام من الحرب التي استدرجت كلًا من الولايات المتحدة وإيران إلى الصراع.
ووافقت إسرائيل وحزب الله على اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر، ينص على انسحاب قوات الميليشيا من جنوب لبنان، بينما ينتشر الجيش اللبناني وقوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لضمان الأمن وإزالة الأسلحة الثقيلة التابعة لحزب الله.
وقال مسؤول بارز في اللجنة المكلفة بتطبيق الاتفاق إن الخطة كانت ناجحة إلى حد كبير، حيث قام الجيش اللبناني بإزالة الأسلحة غير المصرح بها من المنطقة، بما في ذلك قاذفات الصواريخ والأسلحة الثقيلة الأخرى. لكن العملية كانت بطيئة بسبب كمية الأسلحة الكبيرة التي خزنها حزب الله هناك، ولأن الجيش اللبناني لا يستطيع دخول المناطق التي لا يزال الجيش الإسرائيلي متواجدًا فيها، كما تبقى المخاوف قائمة بشأن قدرة الجيش اللبناني، الذي يعاني منذ سنوات من نقص التمويل والموارد.
وساعد الرئيس ترامب في التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة بعد أشهر من المفاوضات غير المثمرة خلال إدارة بايدن، لكنه أثار جدلًا في المنطقة بتصريحاته بشأن رغبته في أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة المنكوبة وتطويرها كمقصد دولي، بينما يتم نقل الأهالي الفلسطينيين إلى أماكن أخرى.
وفي لبنان، قال كبار المسؤولين في إدارة ترامب إنهم يعملون على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي منح إسرائيل في البداية 60 يومًا للانسحاب، مع تولي القوات اللبنانية مواقعها، وقد دعم ترامب طلبًا إسرائيليًا لتمديد المهلة في يناير. وتعارض الحكومة اللبنانية، التي يقودها الرئيس جوزيف عون، القائد العسكري السابق والمعارض لحزب الله الذي تم انتخابه في يناير، تمديد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، وفقًا لمسؤولين لبنانيين.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن الجيش الإسرائيلي يستعد للانسحاب من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير، لكنه سيواصل تنفيذ القرارات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية والأطراف الأخرى في اتفاق وقف إطلاق النار.