29 - 05 - 2025

إنشاء بنك قومي لإنتاج البذور الزراعية.. نحو استقلال زراعي يحمي أمن مصر الغذائي

إنشاء بنك قومي لإنتاج البذور الزراعية.. نحو استقلال زراعي يحمي أمن مصر الغذائي

فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي،

تحية تقدير واحترام،

أخاطب سيادتكم اليوم بقلب المواطن المصري الغيور على وطنه، وبفكر القيادي العمالي الذي لمس معاناة الفلاحين والمزارعين عن قرب، وأدرك حجم التحديات التي تعيق الزراعة المصرية، ذلك القطاع الذي كان يومًا مصدر فخر واعتزاز لأمتنا، وصمام أمانها الغذائي والاقتصادي، لكنه أصبح اليوم مثقلًا بأعباء الاستيراد واعتمادنا المتزايد على الخارج لتوفير أبسط مستلزمات الإنتاج الزراعي، وعلى رأسها البذور، والتي باتت تتحكم فيها دول عدة مثل إسبانيا وهولندا والنمسا وحتى إسرائيل عبر قنوات غير مباشرة، مما يضع أمننا الغذائي رهن إرادة الغير ويهدد استقلال قرارنا الزراعي

كيف لدولة بحجم مصر، بتاريخها الزراعي العريق، بنيلها العظيم، وأرضها الخصبة، أن تظل تحت رحمة استيراد بذور زراعية تتحكم فيها مصالح خارجية، وكيف لنا أن نبني اقتصادًا قويًا ومستقلًا ونحن ما زلنا ننتظر وصول شحنات البذور من الخارج كل موسم، فالأمن الغذائي يا سيادة الرئيس لا يقل أهمية عن الأمن القومي، والاعتماد على الاستيراد في غذائنا أشبه بوضع أعناقنا تحت سيف لا نتحكم فيه

لذلك، فإنني أطرح على سيادتكم مبادرة وطنية أراها واجبة وضرورية، تتمثل في إنشاء بنك قومي لإنتاج كافة البذور الزراعية محليًا، ليكون هذا البنك درعًا يحمي الزراعة المصرية، وقاطرة تقودنا نحو الاكتفاء الذاتي، فلا استقلال حقيقي دون اكتفاء غذائي، ولا تنمية مستدامة دون زراعة قوية ومستقلة

إن هذا البنك لن يكون مجرد مؤسسة لإنتاج البذور، بل سيكون العقل المدبر واليد الداعمة للقطاع الزراعي، حيث يتولى إدارة وتطوير 7200 جمعية زراعية منتشرة في قرى مصر، تلك الجمعيات التي أصبحت في أغلبها كيانات تقليدية تفتقر إلى التطوير، بينما من المفترض أن تكون مراكز متقدمة لتقديم الخدمات الزراعية، ومنابر للتوعية والدعم الفني، هذا البنك سيعمل على تحويل هذه الجمعيات إلى مراكز تكنولوجية زراعية تمد الفلاحين بأحدث المعدات والآلات الزراعية وتوفر لهم البذور المنتجة محليًا، بما يناسب بيئتنا الزراعية وظروفنا المناخية، دون الحاجة إلى استيراد بذور لا تلائم أراضينا أو تفرض علينا التزامات سياسية واقتصادية

أليس من حق الفلاح المصري أن يجد من يدعمه ويقف إلى جانبه؟ أليس من حقه أن يزرع أرضه ببذور وطنية خالصة؟ لقد عانى فلاحو مصر طويلًا من الإهمال وغياب الدعم، وآن الأوان أن نرد لهم الجميل، فهم من زرعوا وصمدوا في أحلك الظروف، ولم يطالبوا إلا بما يعينهم على الحياة الكريمة، إن إلزام وجود المرشدين الزراعيين مع المزارعين في الحقول خطوة بخطوة ليس رفاهية، بل ضرورة ملحة، فالفلاح البسيط بحاجة إلى من يرشده إلى أفضل الممارسات الزراعية، ومن يوجهه إلى أحدث الأساليب العلمية لتحقيق أعلى إنتاجية، وهذا البنك سيكون مسؤولًا عن تعيين هؤلاء المرشدين وتدريبهم ليكونوا خير معين للفلاحين

فخامة الرئيس،

إن إنشاء هذا البنك سيمثل نقلة نوعية في قطاع الزراعة المصري، فهو سيقضي على هيمنة الشركات الأجنبية التي تحتكر سوق البذور، وسيوفر لنا بذورًا وطنية عالية الجودة، كما سيسهم في تقليل فاتورة الاستيراد التي تستنزف مواردنا من العملة الصعبة، وسيوفر فرص عمل للشباب في مجالات الزراعة والتصنيع الزراعي والبحث العلمي، مما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الوطني، كما أن هذا البنك سيخلق بيئة تنافسية بين الجمعيات الزراعية، وسيحفزها على تحسين خدماتها للفلاحين، ولن يتوقف دوره عند الإنتاج فقط، بل سيمتد إلى دعم البحث العلمي الزراعي، وتمويل مشروعات تطوير التقاوي والبذور، وتحفيز المزارعين على استخدام أحدث التقنيات الزراعية، مما يرفع من جودة المنتج الزراعي المصري ويفتح له أسواقًا جديدة عالميًا

سيدي الرئيس،

إننا نمتلك العقول والكفاءات القادرة على تنفيذ هذا المشروع الوطني، نمتلك الباحثين الزراعيين الذين يحلمون بأن يجدوا الدعم لابتكاراتهم وأبحاثهم، ونمتلك الفلاحين الذين لن يتأخروا لحظة في بذل الجهد والعرق من أجل رفعة هذا الوطن، فقط نحتاج إلى قرار جريء، إلى رؤية تتبنى هذا الحلم وتحوله إلى واقع، إلى إرادة سياسية تضع الفلاح والزراعة على رأس أولوياتها، وإنني إذ أطرح هذا المشروع، فإنني لا أبحث عن مجد شخصي أو مصلحة خاصة، بل أبحث عن مستقبل أفضل لبلادي، وأؤمن أن استقلالنا الحقيقي يبدأ من أرضنا وحقولنا

فخامة الرئيس،

إن تاريخكم الوطني يشهد لكم بالشجاعة في اتخاذ القرارات المصيرية، وأثق أنكم تدركون جيدًا أن الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي قضية أمن قومي، وإنني أناشدكم باسم كل فلاح ومزارع، باسم كل أرض عطشى تنتظر من يرويها ببذور وطنية، وباسم كل مصري يحلم بوطن مستقل اقتصاديًا وغذائيًا، أن تتبنوا هذا المشروع، وأن توجهوا الجهات المعنية لدراسته وتنفيذه، لأنه ليس مجرد مشروع، بل هو قضية مصير

تحيا مصر قوية مستقلة بعقول وسواعد أبنائها، وتحيا إرادتكم السياسية التي لا تخشى التحديات.
--------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن