03 - 05 - 2025

ترامب يفاوض السيسي على طريقة "هات وخذ"

ترامب يفاوض السيسي على طريقة

وسط تسريبات صحفية عن إلغاء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المرتقبة للولايات المتحدة الأمريكية، سبقت انفراجة صفقة تبادل الأسرى، نقلتها الـ"بي.بي.سي"عن وكالة "رويترز" للأنباء، تفيد أن مصادر مصرية، لم تسمها، أكدت أن السيسي لن يحضر أي محادثات في البيت الأبيض إذا كان جدول الأعمال يشمل تهجير سكان غزة، في نفس الوقت الذي أعلنت مصر أنها تعد مقترحا لإعمارها دون إخلائها من السكان وتهجيرهم إلى مكان آخر، كما يريد ترامب.

وبعيدا عن إلغاء الزيارة، أو القيام بها، فإن موقف الدولة المصرية الرافض لفكرة التهجير، لا لبس فيه، وإذاكانت الحجة إعادة إعمارغزة فإن القاهرة تعد خطة للإعمار، بمال عربي، في وجود سكانها على أرضهم وسط ركام الدمار الذي خلفته البربرية الصهيونية.

إلغاء الزيارة، أو القيام بها على أرضية الموقف المصري الرافض لفكرة التهجير، ينقلنا مباشرة، دون لف أو دوران إلى إلى منطقة التفاوض بالمقايضة على طريقة "هات وخد".

هات "اليوم التالي" للحرب، بكل ما تريده إسرائيل سياسيا، مقابل إيقاف فكرة التهجير، وقبول المقترح المصري الخاص بالإعمار.. سيناريو قائم بقوة ضغط الإدارة الأمريكية القائم على الابتزاز، والتلويح الإسرائيلي بالجحيم، وما إلى ذلك من أوراق ابتزاز أخرى.

الاقتراح المصري، إذا ما وافقت عليه الولايات المتحدة، يقطع الطريق نهائيا على فكرة تهجير سكان غزة، حيث تستطيع القاهرة تشغيل "ماكينة" الحياة هناك منذ اللحظة الأولى، بخطط تنفيذية تم إعدادها مسبقا من خلال ما يمكن وصفه تجاوزا بـ"ورش عمل" كل منها يتصدى لحل واحدة من المشاكل العاجلة والحيوية، التي تمكن سكان غزة من العيش والحياة على أرضهم وأرض أجداد أجدادهم، تحت سيطرة غرفة قيادة مركزية تدير الملف يوميا.. لا قلق من الإعدادات والتجهيزات الفنية اللازمة للإدارة المصرية لكي تساهم في تثبيت سكان غزة على موقفهم البطولي بالتمسك بالأرض. وهذا الأهم وقبل أي شيء..

بيد أن القلق يأتي من مرحلة التفاوض المقبلة حول "اليوم التالي" بأوضاعه الميدانية والسياسية.. فمن جهة، يريد نتينياهو وترامب، إخلاء غزة تماما من السلاح وطرد مقاتلي حماس إلى خارج فلسطين بلا عودة، على غرار ما تم في لبنان العام 1981، عندما فرض شارون على المقاومة الفلسطينية المسلحة هناك إرادته بقوة السلاح، وتم  ترحيل مقاومي فتح والجبهة الشعبية من لبنان إلى خارجها، ومن جهة أخرى تسليم غزة لإدارة فلسطينية تشارك إسرائيل في اختيارها، وتثق في ولائها للدولة العبرية .. إلى جانب إطلاق يد الأخيرة في الضفة الغربية على النحو الذي نراه يوميا من مشاهد القتل والتدمير والحصار والطرد.. الضغط على العنق الفلسطيني، والمعصم العربي، لم يقف عند تلك الحدود، إنما تجاوزتها بتصريحات "الجحيم" التي يتوعدها ترامب ونتنياهو للفلسطينيين إذا لم  تمض الأمورعلى هوى إسرائيل.. اليوم التالي هو بيت القصيد.. ويثير تساؤلا:

ـ هل تقبل حماس سيناريو الترحيل، في ظل الضغط على "العنق" بقتل السكان في غزة، وتشجيع ترامب على تكرار الجرائم، وعدم ممانعة عربية، وموقف مصري يدافع عن الخط الأخير للوجود الفلسطيني، ويرى الأولوية المطلقة لملف "التهجير" دون سواه؟

بقوة الضغط على العنق، وحقائق القوة والتحالفات الإقليمية، تبدو الأيام المقبلة في غير صالح حماس،، فقد أصابها ما أصابها من خسائر خلال تصديها البطولي للجيش الإسرئيلي، إلا أن خسارتها الأكبر في غياب الدعم السياسى لها من دول الإقليم.. تتلقى العداء من كل مكان، مثلما تتلقى المقاومة في لبنان عداء الغالبية العظمى من النخب السياسية هناك.. المقاومة في فلسطين تعاديها السلطة الفلسطينية ونخبة القيادة في تنظيم فتح الذي حمل السلاح يوما للتصدي للإجرام الإسرائيلي.. المقاومة فكرة تؤلم إسرائيل وتعطل مشروعاتها الاستيطانية والاستعمارية،.. المقاومة، خط الدفاع الأول عن مصر والأردن والسعودية وسوريا والعراق واليمن، قبل أن تنقض عليها إسرائيل.. ورغم تلك الحقيقة، تقف المقاومة في كل قطر عربي، بلا سند، ولا ظهير، ولا حتى كلمة تشجيع.

اليوم التالي بحقائق القوة الضاغطة، هو جوهر مفاوضات "المقايضة" المقبلة.. سمسار عقارات، يلوح للقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية بصفقة ابتزاز، مقابل  الكرامة وجزء من الأرض.. "اليوم التالي" لمصر، كما تراه استراتيجيتها، يبدأ من تمرير اقتراح تولى الدول العربية الإعمار في ظل وجود سكان غزة، وتأمين احتياجات العيش والحياة، لدعم تشبثهم بالأرض ومواصلة رفضهم التهجير تحت أي ظروف.. مصر ستدفع في المقابل ثمنا سياسيا، ربما يتمثل في عدم ممانعتها إخلاء غزة من حماس، شكلا وموضوعا.. السياسة كثيرا ما تنجح في تحقيق ما يعجز عنه السلاح، مرة بالمناورة والالتفاف، ومرات بالتواطؤ، ودائما بفائض قوة السلاح.. لن أقول وداعا حماس، فهي جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، إنما أقول للمقاومة الفلسطينية: لك الخلود، ما بقي الاحتلال العنصري الصهيوني.. اليوم التالي جوهر المفاوضات المصرية ـ الأمريكية المقبلة .. تفاوض المقايضة ..هات وخذ.
--------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الأهلي حديد!