رجل ازدحم سجله بالأمجاد.. برع في كل مجال شارك فيه - منذ أن استقبل أول نسمات حياته منذ تسعة عقود ونصف... في العلوم العسكرية والاستراتيجية والشعر والمسرح والأدب العربي والانجليزي والآداب الأوربية الأخرى وأدب الرحلة.. شارك في حروب مصر كلها منذ قيام ثورة يوليو 1952 وكان قريبا من قادتها وفي عدوان 1956 وفي حرب اليمن وفي حرب يونيو 1967 حتى حرب أكتوبر المجيدة وكان برتبة العقيد أ.ح، كما ألف وترجم وأبدع حتى بلغت مؤلفاته مائة كتاب، هو اللواء أركان الحرب دكتور توفيق علي منصور، وقد هرعت إلى دوحته وأجريت معه حواراً شاملاً اقترب من الساعتين عرج فيه على محطات حياته كلها، وكان يتدفق معي كالشلال بقلب شاب وذهن حاضر وذاكرة حديدية وحماس مفرط. عنده تصميم وعزم على تقديم الجديد كل يوم وآخر ما قدم هو عمل رائع وضخم وهو مراجعة كتاب الفريق يوسف عفيفي عن الفرقة 19 مشاة، حيث كان اللواء توفيق أحد قادة الفرقة 19 مشاة في حرب أكتوبر المجيدة. وقد اعتمد مقالي التالي على هذا الحوار وعلى بعض أعماله الأخرى.
ولد توفيق علي ياسين منصور في 9 مارس عام 1931 في قرية "جزيرة الحجر" التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية، وتعلم في مدارس شبين الكوم حتى حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة المساعي المشكورة الثانوية عام 1948، ثم غزاه الشعور الوطني الذي كان يسيطر على الشبان المصريين في هذا التوقيت وخصوصاً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد نكبة فلسطين 1948 ومن ثم قرر دخول الكلية الحربية عام 1949 وكان من أساتذته: البكباشي أ.ح زكريا محي الدين، والبكباشي أ.ح محمد فوزي، والصاغ أ.ح صلاح سالم، والصاغ شعراوي جمعة، وكان مدير الكلية اللواء أ.ح محمد صبحي بك عام 1949-1950، وكبير المعلمين الأميرالاي محمد بك إبراهيم، وفي الفترة من 50-1952 تولى مدير الكلية الحربية اللواء محمد حسني بك، وتخرج في 11 فبراير 1952 في سلاح المدرعات وكان الثاني على الدفعة، ومن مشاهير دفعته: اللواء تحسين شنن قائد الجيش الثالث ومحافظ السويس الأسبق، واللواء ليون مسعد تاوضروس قائد منطقة القناة التعبوية الأسبق وقائد اللواء 113 مشاة ميكانيكي أثناء حرب أكتوبر 1973، واللواء محمود حسن عبد الله رئيس هيئة الرقابة الإدارية الأسبق وقائد قوات المظلات أثناء حرب اكتوبر 1973، واللواء فؤاد صالح زكي رئيس هيئة تفتيش القوات المسلحة الأسبق وقائد اللواء الثامن مشاة أثناء حرب اكتوبر 1973، واللواء علي فائق صبور قائد المنطقة الغربية العسكرية الأسبق، واللواء عثمان كامل رئيس هيئة البحوث العسكرية الأسبق وقائد اللواء 14 مدرع أثناء حرب اكتوبر 1973.
وكان اللواء توفيق منصور من الضباط الأحرار، واشترك في أحداث ثورة 23 يوليو 1952، وقاد تروب (4 سيارات مدرعة) وحاصر به قصر القبة يوم 26 يوليو 1952، وكان مقرباً من اللواء محمد نجيب قائد الثورة، ثم خدم بعد ذلك بمعسكر مصطفى كامل باشا بالإسكندرية، ويذكر اللواء توفيق منصور أنه في أبريل 1954 زارهم في المعسكر كلٌ من عبد اللطيف البغدادي، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم وهم من أعضاء مجلس قيادة الثورة، واجتمعوا معهم في قاعة السينما بالمعسكر، وظلوا يتحدثون عن اللواء محمد نجيب وخطره على الثورة كما ذهب جمال عبد الناصر في هذا التوقيت إلى سلاح الفرسان وتحدث أيضاً عن محمد نجيب وتحالفه مع الرجعية، وقد أحرج الضباط الأصاغر جمال عبد الناصر في هذا اللقاء بالأسئلة تلو الأسئلة وقد أسرها عبد الناصر في نفسه ونقل جميع الضباط الذين أحرجوه إلى إدارة التجنيد في جميع أرجاء الجمهورية وفي سلاح الحدود، وكان نصيب الملازم أول توفيق النفي إلى أسوان رغم أنه لم يحرج عبد الناصر مثل زملائه، وفي أسوان كان يتردد على اللواء محمد صالح حرب باشا–صاحب التاريخ الوطني الحافل- في فيلته الأنيقة وكان يرافقه الملازم أول حسن بشير الضابط في سلاح الحدود بأسوان، وقد كتب توفيق منصور قصيدة يمتدح فيها عبد الناصر ونصحه اللواء صالح حرب بأن يلقيها في فندق كتراكت بأسوان في العيد الثاني للثورة وفيها يقول:
رأسي أرفع يا أخانا قد مضى عهد الفساد
قال نسر النيل أيضاً مجدنا سوف يعاد
أنه الغر جمال قائلاً قول اعتداد
هل ترى اليوم جلياً موطن الطغيان باد
فصفق له الجميع وقد أشاد بالقصيدة كل الحضور من الصحفيين، وقد أرسلها توفيق منصور إلى بوسف السباعي رئيس تحرير مجلة "الفرسان" فنشرت في العدد الصادر في أول أغسطس 1954 وقد أخذها حسين الشافعي وخالد محي الدين إلى عبد الناصر وعندما طالع عبد الناصر القصيدة، سأل عن صاحبها، فقالوا له أنه ضابط يخدم في أسوان، فأمر على الفور بأن يأتي هذا الضابط في أحسن موقع في سلاح الفرسان وأمر أيضاً بتكريمه.
عين الملازم أول توفيق علي منصور رئيساً لاستطلاع المجموعة الأولى المدرعة، وهي التي صارت بعد ذلك نواة الفرقة الرابعة المدرعة؛ وهي أعظم تشكيل مدرع في القوات المسلحة، ثم كان أول ضابط مصري يدخل معسكر الشلوفة بالسويس وهو أول معسكر أخلته بريطانيا بعد توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954، ثم انتقل إلى القاهرة للخدمة في قيادة سلاح المدرعات لتدريب الضباط والجنود، وفي 1956عُين النقيب توفيق علي منصور ضابط اتصال في قيادة المدرعات بمنطقة بير جفجافة في وسط سيناء وقد صدرت لهم الأوامر بالانسحاب إلى غرب القناة لأن إسرائيل أسقطت لواء مدرع في ممر متلا من أجل محاصرة القوات في سيناء، وكان لواء المظلات البريطاني الذي أسقط في بورسعيد يريد أن يصل إلى الإسماعيلية ويصيب أهدافاً بها لولا استبسال المقاومة مع القوات المسلحة، ثم جاءت طائرة استطلاع بريطانية من قبرص، وبعد فترة ظهرت في سماء بورسعيد الطائرات (كانبرا) تهدف إلى قصف القوات المتواجدة غرب القناة، وكانت القيادة واعية فحركت القوات إلى القاهرة فقطعت بذلك الطريق على بريطانيا.
يتذكر اللواء توفيق علي منصور أنه في 6 مايو 1954 ركب القطار من محطة مصر إلى أسوان، وفي نفس التاريخ من عام 1958 ركب الطائرة إلى براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا لأخذ فرقة أركان حرب فنية، ودرس صيانة الدبابات واخترع لهم رسماً لإبرة ضرب النار للمدفع ت 34 وبعد انتهاء الدورة زار براتيسلافا على نهر الدانوب، وقد أوحت له هذه الزيارة بكتابة قصيدة "الدانوب الحالم"، كما زار برلين وميونخ بألمانيا الغربية، وفرنسا التي لم يكمل زيارته لها، كما زار روما، وأوحت له هذه الرحلات بكتابة عدة مقالات منها: "تحية من برلين"، و"فاجعة برزيرلم"، و"محراب الفن في روما"، وكانت مجلة الجيش تنشر له هذه المقالات رغم أن ما ينشر بها هو للضباط من كبار الرتب العميد واللواء، وكان النقيب الوحيد الذي ينشر بها، وكان يطالع المقالات في كبرى المجلات العالمية مثل المجلة الأمريكية Military Review وكان يترجم منها ما يروق له، وينشرها في مجلات القوات المسلحة، وقد كلفه العميد أ.ح محمد عبد الغني الجمسي بترجمة كتاب "الناقلة 40- B.T.R" روسية الصنع، وصدر عن هيئة البحوث العسكرية عام 1964، ويذكر أنه ترجم في هذه الفترة أيضاً كتاب "فض الشغب"، وصدر أيضاً عن هيئة البحوث العسكرية عام 1964.
شارك الرائد توفيق علي منصور في حرب اليمن، في مدينة صعدة في عمليات اللواء 12 مشاة، وعندما عاد التحق بالدورة 20 بكلية القادة والأركان في أكتوبر 1964 وظل بها عاماً ومن دفعته المقدم حسن أبو سعدة، وفي عدوان 1967 كان يشغل رئيس عمليات ورئيس الأركان بالإنابة للواء 11 مدرع الثقيل وكان يتكون من كتيبتين دبابات جوزيف ستالين، وكتيبة دبابات مدافع اقتحام، وكانت القيادة منتظرة في الشيخ زويد، وجاء اللواء الشاذلي وكون المجموعة الأولى خفيفة الحركة وانتقلت من الشيخ زويد إلى أم حصيرة وكانت هيئة حاكمة تتحكم في مضيقي المعين والمصان، وكان بالمجموعة: الكتيبة 218 مدرعة بقيادة المقدم عادل حسني، والكتيبة 36 بقيادة العقيد أ.ح محمد حشمت جادو، والكتيبة 43 صاعقة بقيادة الرائد السيد الشرقاوي، وصدرت الأوامر بالانسحاب في الساعة 1800 يوم 6 يونيو 1967.
وبعد حرب 1967 خدم المقدم أ.ح توفيق علي منصور في هيئة التنظيم والإدارة ثم في معهد المدرعات وفي هيئة البحوث العسكرية، ثم في شعبة التدريب بقيادة الجيش الثاني الميداني، ثم شارك في تأسيس اللواء 24 مدرع الملحق على الفرقة الثانية المشاة وقد شارك في تدمير اللواء 190 مدرع الإسرائيلي بقيادة العقيد عساف ياجوري في حرب أكتوبر المجيدة.
وفي عام 1971 عين العقيد أ.ح توفيق علي منصور قائداً لمدرعات الفرقة 19 مشاه التي كان يقودها العميد أ.ح يوسف عفيفي محمد وقد أبدع جهازاً لتقدير المسافة ليوضع في تليسكوب الدبابات السوفيتية الصنع من طراز ت 54، وت 55،التي خاضت بها القوات المسلحة حرب أكتوبر 1973 الأمر الذي رفع من كفاءتها في القتال وقد أدخلت القوات المسلحة السوفيتية هذا الجهاز في دباباتها بعد نجاحه في حرب أكتوبر وقد قام بتصميم هذا الجهاز في هيئة البحوث العسكرية عام 1968 ووافق عليه الفريق أول محمد فوزي القائد العام ووزير الحربية وقام مركز البحوث الفنية بالتجارب والإنتاج الكمي والتركيب لجميع الدبابات عام 1970..
وبعد حرب أكتوبر خدم العقيد توفيق علي منصور بهيئة البحوث العسكرية وقد كتب في هذه الفترة 44 كتابا عن الأبطال والشهداء كما ألف مسرحيتين وهما "الجنيه الذهب" و"فارس الحصان الأبيض"، عن أحد شهداء الإسماعيلية.
أحيل اللواء توفيق علي منصور إلى التقاعد بعد ترقيته إلى رتبة اللواء 1979 وكان آخر منصب تولاه رئيس فرع التاريخ العسكري بهيئة البحوث العسكرية..
كان اللواء توفيق منصور نهماً في تحصيل العلوم والمعارف وبرع في تخصصه الرفيع العلوم العسكرية وفن الاستراتيجية، وبلغ شأوا كبيراً في هذا المجال، وحصل على كل الفرق والدورات في مصر وخارجها، فقد حصل على الماجستير في الشئون الفنية من الكلية الفنية ببرنو بتشيكوسلوفاكيا عام 1958، وماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان بالقاهرة عام 1965، كما آثر الاستمرار في الخدمة بالقوات المسلحة وتدرج في الرتب والمناصب، ومنها رئيس قسم التدريب والتكتيك بمعهد المدرعات بالقاهرة عام 1969، وباحث عسكري في هيئة البحوث العسكرية في الفترة من 1969-1970، 1977-1979
شارك اللواء توفيق علي منصور في جميع الحروب التي خاضتها مصر منذ تخرجه في الكلية الحربية قبل بضعة أشهر من اندلاع ثورة 1952.. كما كان للواء منصور اهتمامات أخرى في التاريخ والأدب والترجمة وكان أن التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة عين شمس بعد انتهاء حرب أكتوبر في عام 1974 وتخرج عام 1978، ولم يكتف بالحصول على الليسانس ولكنه أكمل دراساته العليا في هذا المجال، فحصل على السنة التمهيدية للماجستير عام 1979، والماجستير 1984 والدكتوراه 1993، من كلية الآداب جامعة القاهرة وكلتا الرسالتين بإشراف الأستاذ الدكتور فخري قسطندي، بل أكمل أبحاثه الرفيعة حتى حصل على الأستاذية في الآداب واللغة الإنجليزية، وقد ساعده العمل بجامعة الملك فهد الأمنية بالرياض في الفترة من 1983-1996 بالاستفادة من مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض وهي أعظم مكتبة في العالم لدرجة أن أستاذه كان يتعجب ويقول له كيف حصلت على هذه الكتب بهذه السهولة.
أمد اللواء د. توفيق علي منصور المكتبة العربية بالعشرات من المؤلفات وقد نيفت على المائة في التاريخ والفنون والآداب والترجمة، منها 55 كتاباً مترجماً تتضمن 15 مسرحية وملحمة لكرستوفر مارلو وشكسبير مترجمة شعراً بشعر في البحر المتقارب المرسل، كما ألف مسرحيتين شعرا باللغة الانجليزية، وأصدر 20 كتاباً باللغتين العربية والانجليزية في الأساطير وحكايات الجن، و12 كتاباً في الدراسات النقدية والأدب المقارن، كما أصدر معجم الاختصارات والاصطلاحات السياسية والاستراتيجية باللغات الانجليزية والفرنسية والعربية،وقد طُبعت كتبه في كبرى دور النشر المصرية والعالمية، ولا يمكن في هذه العجالة أن نذكر كل كتبه فهو غزير الإنتاج مازال ينتج إلى اليوم رغم بلوغه سن 94 عاماً، وقد أبلغني أنه يكتب في الكتاب 101،
وقد حصل اللواء توفيق علي منصور على العديد من مظاهر التكريم في مصر وخارج مصر وفاز بجوائز في النقد الأدبي والترجمة منها جائزة رفاعة الطهطاوي في الترجمة من المجلس القومي للترجمة عام 2011، وجائزة التميز النقدي من اتحاد كتاب مصر عام 2017، كما حصل على جائزة عبد الله باشراحيل في الترجمة التي نظمتها كلية الآداب بجامعة المنيا عام 2009.
واللواء دكتور توفيق علي منصور عضو في العديد من الهيئات الثقافية منها: عضوية رابطة الأدب الإسلامي العالمية، واتحاد الكتاب بمصر، كما سجلته جمعية المساعي المشكورة بالمنوفية في سجل الشرف كأحد أعلام محافظة المنوفية، وقد سجل في هذه اللوحة كلا من: الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، والمشير محمد عبد الغني الجمسي، كما تم ذكره في موسوعة النخبة من أعلام مصر في التاريخ الحديث والمعاصر، وموسوعة شعراء مصر بالفصحى.
واللواء دكتور توفيق علي منصور له مشاركات في العديد من الأنشطة الثقافية حيث شارك في العديد في المهرجانات والمؤتمرات الثقافية بالترجمة والدراسات النقدية، منها مهرجان الجنادرية في الرياض عام 1996 والذي افتتحته هيلاري كلينتون وشارك فيه أعلام من الشرق والغرب أمثال المفكر الأمريكي صمويل هتنجتون صاحب نظرية صراع الحضارات والسيناتور جيمس زغبي مستشار الرئيس الأمريكي للشئون العربية، وكان الدكتور توفيق منصور رئيساً للجنة الترجمة، كما شارك في المؤتمر الدولي الثالث للترجمة بالقاهرة عام 2006 وافتتحته السيدة سوزان مبارك وتم تكريمه ضمن عشرة مترجمين وساهم بورقة بحثية بعنوان "أهمية الترجمة لمعاني القرآن الكريم" باللغات اليابانية والروسية والألمانية وغيرها..
هذا قليل من كثير عن اللواء أ.ح توفيق علي منصور ونأمل في قابل الأيام أن نخصه بكتاب عن حياته العسكرية والفكرية الأدبية.
------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري