03 - 05 - 2025

عزيزي غزلان: يعيش "الزلط"!

عزيزي غزلان: يعيش

لست متخصصا في النقد الأدبي، فقط مجرد متذوق له، قد يسد شبعا هنا، أو يروي ظمأ هناك، ما يدفعني إلى الوقوف أمام النص الأدبي عموما، بمنطق من يتذوق الموسيقى والفن التشكيلي والسينما، وغيرها.. تذوق بطعم مشاعر غير محايدة، شكلها عبر الزمان، موروث شعبي يؤكد أن "حبيبك يبلعلك الزلط،وعدوك يتمنالك الغلط".

إلا أن رواية"صورة على جدار قديم" التي صدرت مؤخرا عن الهيئة العامة للكتاب للروائي المرموق، محمد غزلان، أخرجتني تماما من حالة "الزلط" التي تنتابني مع كل صديق وحبيب، ونقلتني إلى منطقة"الحلم" وأنا أشاهد الجرائم الصهيونية في غزة والضفة.. الحلم استدعى الزمن بواقعه وأحداثه التي عايشها جيلي، من خلال سرد أدبي ينقل لنا قصته من صورتها الواقعية، إلى صورة لغوية، أبعادها تترامى بطول الزمن الممتد من حرب السويس، التي أسقطت القوى الاستعمارية، ومهدت الطريق أمام الدول الفقيرة والضعيفة، للمطالبة بالاستقلال، والتحرر الوطني، إلى وقتنا الحالي حيث تحتكر الولايات المتحدة القوة والنفوذ، فيما يطلق عليه خبراء السياسة، النظام الدولي أحادي القطبية.

استطاع غزلان بسلاسة من خلال سرد متقطع، لا يخلو من الإجراءت الأدبية، كالإيماءات، والنطق، والحركات الجسدية، أن ينسج علاقات إنسانية بين شخصيات الرواية، لينقل لنا قصتة من صورتها الواقعية، إلى صورة لغوية، ترصد جانبا من الحياة الاجتماعية للعرب، بحلوها ومرها.. صورة يستدعيها القارىء كلما جلس أمام شاشات التليفزيون يشاهد البربرية الإسرائيلية والفُجر الأمريكي الذي يهين العرب كل يوم على مرأى ومسمع من العالم.

البطل الحقيقي للرواية ، ليس جمال شعرواي، المدرس الذي أرسلته الدولة المصرية من بين سبعين ألف معلم مصري إلي الجزائر، ليصطفوا إلى جانب أشقائهم هناك من أجل مواجهة المعركة الأهم في التاريخ الحديث للعرب، معركة الهوية، أو ما عرف لاحقا بمعركة التعريب.

كما أن فهيمة، التي أحيها شعراوي، ليست هي"البطلة" رغم دورها المحوري في الرواية، ولا يمكن اعتبار المثقف اليساري الجزائري سامي احدادن، ورجل الدين الشيخ يوسف، أبطالا، فهما شخصيتان، يقتربان من الخط الدرامي للنص بقدر ما يحتاجه من دلالات تقف عند حدود زمنها.. ولن أعتبر رابح، ابن المدرس شعراوي بطلا للرواية، رغم أنه العقدة الدرامية، ولا الجد الذي يفضفض إليه رابح باحثا عن أسرار والده شعراوي التي تلزمه كثيرا من الصمت..كل هؤلاء ليسوا "أبطالا".. البطل الحقيقي للرواية هي الصورة التي علقها غزلان على جداره القديم، وتكشف بصدق بعضا من التفاصيل التي كانت عليها الحياة العربية، ويتم استدعاءها الآن في المخيلة العربية إزاء الجرائم الإسرائيلية والوقاحة الأمريكية.

صورة يمكن تعليقها على الجدار الجديد الذي تشيده أمريكا.. جدار "الابتزاز" الذي يسعى ترامب إلى دفع مصر والأردن للاستناد عليه مرغمين. صحيح أن الصورة تم تعليقها على جدار قديم، إلا أن قيمتها التاريخية ودلالتها القومية، تتضاعف إذا ما تم تعليقها على هذا الجدار "الجديد".. باختصار، الحاجة ملحة إلى تعليق الصورة، لعلها تستعيد مكانة وأهمية وحدة الأمن العربي.

إذا كانت الكلمة نور، والصورة أصدق منها، فلا ننسى ما قاله الشاعر العباسي أبو تمام: السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ.

الشعر يعيدنا إلى حاجتنا للقوة، والصورة تؤكد لنا أن وحدة المصالح، طريقنا لامتلاك القوة... عزيزي غزلان: يعيش الزلط.
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الأهلي حديد!