أهم خطوة في طريق إفشال خطة ترامب "الحمقاء" توفير الحد الأدني من ضرورات الحياة والعيش لسكان غزة وسط ركام البيوت.. على الدول العربية وخصوصا مصر والأردن ودول الخليج، أن يسارعوا في إمداد أهالي غزة بالماء والطعام والدواء والخيام والوقود لتمكينهم من مواصلة صمودهم الأسطوري، والتشبث بالأرض، وإفشال مشروع التهجير... هذا أولا وقبل أي شيء.. أما ما يتعلق باقتراح ترامب، ما كان له أن يصدر لولا عاملين أساسيين:
- الأول موضوعي، يتعلق بالمناخ الدولي العام والظرف الإقليمي الخاص، حيث حطمت جرائم الحرب الصهيونية في غزة والضفة كل القيود التي يفرضها المجتمع الدولي على إجراءات وتصرفات الدول، بمواثيق أممية اتفق عليها المجتمع الإنساني بأسره،.. تفككت القيود التي كانت البشرية تعتقد أنها كفيلة لضمان حماية الشعوب من جرائم القتل الجماعي والتهجير، وحقها في الحرية وتقرير المصير، وبدد الموقف الأمريكي الفاضح من المجازر في غزة أوهام تلك القيود، وبات المسرح الدولي كله مكشوفا وعاريا أم غطرسة القوة التي عَرًتْ وفضحت الكذب والتدليس الذي يتضمنه الخطاب الغربي عموما حول الإنسانية وحقوقها.
- العامل الثاني يتمثل في ترامب ذاته.. رجل تكوينه الفكري وميوله وانحيازاته يبدأ وينتهي عند "العقارات" كما يشير الخبراء والمتخصصون في الشأن الأمريكي، يرى أن إدارة ملفات السياسة الخارجية للولايات المتحدة تدار على طريقة "البيع والشراء".. الأمن لمن يدفع ويسدد الفاتورة، والتفاوض يبدأ من عرض السقف الأعلى للمطالب الترامبية، تحت سيف غطرسة القوة، وينتهي التفاوض إلى تنازلات من الطرف الآخر، للوصول إلى حلول هي في جوهرها أهداف ترامب، ومواقفه تجاه "الملفات" التي يشتبك معها حاليا في كندا والدنمرك وبنما وكولومبيا والمكسيك.. باختصار التفاوض بالإبتزاز.
كذلك يمكن القياس في فلسطين المحتلة، يعرض ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة إلى مصر والأردن، وهو يعلم مسبقا أن الرئيس والملك يرفضان رفضا قاطعا، لكنه يواصل الضغط بالتصريح والتلميح، للحصول على تنازلات "ما" في "منطقة ما" مقابل إلغاء فكرة التهجير.
داخل هذا السياق، ودبلوماسية المقايضة على الطريقة العقارية، لا يصح ولا يليق بالعرب أن يبدون أمامه، وأمام العالم كله، مرتجفين طائعين على طريقة "معلش عشان خاطري".. الجميع يعلم الموقف العربي الرافض لفكرة التهجير من أساسها، وأوربا أعلنت رفضها للخطة، ما يهىء المناخ الدولي لأن يضغط العرب، بما لديهم من أوراق فاعلة ومؤثرة على صعيد الطاقة، وعلى الصعيد "الجيوسياسي" الذي يدفع الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات مقابل الحفاظ على نفوذها السياسي في الإقليم عبر حلفائها في الخليج ومصر والأردن على وجه الخصوص، باعتبارهم القوام الرئيسي للحلف العدائي لإيران، وباعتبارهم الجسر الذي تعبر فوقه الحافلات الإسرائيلية المحملة ببضائع التطبيع.
علينا أن نخاطب ترامب بلغته التي يفهمها ولا يعرف سواها، لغة الصفقات، باللغة العامية "سيب وانا سيب"، بينما مخاطبته بالتردد والخجل، كانت آثارها جرائم يرتكبها الصهاينة في الضفة، وعرقلة إسرائيل دخول المساعدات وخصوصا الماء والخيام، استراتيجة في التفاوض على طريقة "بص العصفورة" حيث يشغلك رجل أحمق بخيال لن يتحقق بفضل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني البطل، ويلهيك عن الجرائم الإسرائيلية، وتهجير سكان المخيمات في الضفة من سكانها بالتدمير المتعمد اليومي للمنازل والبنايات.. تلك هي لعبة "الكابوي" الأمريكي الجديد، الجالس على المقعد البيضاوي، مرتديا قبعة رعاة البقر، ممسكا بسيجار كوبي، ممددا قدميه فوق المكتب في وجه الجميع.. لعبة بدأت منذ ما يقترب من نصف القرن، عندما صدقنا أن الولايات المتحدة صديق حقيقي لنا، ومنحناها شرعية التجول والحركة في الإقليم، عندما اعترف الراحل أنور السادات، رئيس أكبر دولة عربية، صاحبة الرأي الأول في المصير الأمني والسياسى للمنطقة العربية، أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا.. الفارق بين الماضي والحاضر، أن أسلاف ترامب كانوا يفضلون اللعب من تحت الترابيزة، بينما الحاضر يؤكد أن اللعب أصبح فوق الترابيزة وعلى المكشوف.
لا ترتجفوا أو تخافوا من ترامب.. فقط استقووا بالصمود الأسطوري لشعب فلسطين في غزة والضفة، وانتم تقولون له غير مرة، لا.. قاطعة.
وقبل كل ذلك أرسلوا الخيام والمساعدات إلى غزة، لإعانتهم على العيش ودعمهم في التشبث بالأرض.. على الأقل التمسك بتنفيذ البند الخاص بدخول الماء والخيام وفقا للاتفاق الذي تم إبرامه بضمان وتعهد أمريكي، إن لم يكن من أجل الشعب المكلوم في غزة، فمن أجل تقوية موقفكم التفاوضي.. تريدون منع التهجير، أمدوا أهالي غزة بالماء والخيام وشكرا مش عاوزين منكم حاجة تاني.
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم