04 - 05 - 2025

أين أوراق الضغط العربية ضد ترامب

أين أوراق الضغط العربية ضد ترامب

عندما سأله أحد الصحفيين أمس حول مدى تأييده لضم إسرائيل للضفة الغربية، تجنب الرئيس الأمريكي "ترامب" الرد بشكل مباشر، وأجاب بطريقة تمثيلية وهو جالس على مكتبه: " هل ترى هذا القلم الرائع، مكتبى يمثل الشرق الأوسط، وسن القلم هو إسرائيل، إنها قطعة أرض صغيرة، ومن المذهل ما تمكنوا من تحقيقه".

على مدار سنوات الاحتلال التى دامت أكثر من 76 عاماً، والحروب المتتالية على غزة والاقتحامات المستمرة للأماكن المقدسة،  وحرب الإبادة الأخيرة ضد المدنيين من سكان القطاع والتى دامت لأكثر من 15 شهرا، وعشرات الآلاف من الضحايا ومئات الآلاف من الجرحى والمشردين، لم ير ترامب فى كل ما حدث سوى أن إسرائيل قطعة صغيرة من الأرض تحتاج للتوسع وضم المزيد من الأراضى، وأنها تستحق أن يكون لها مساحة أكبر مما هى عليه الآن ، وهو نفس المنطق الذى قامت عليه الولايات المتحدة فى احتلال الأرض وطرد السكان الأصليين من الهنود الحمر، وصورتهم لنا  السينما الأمريكية على أنهم مجرمون معتدون، ورسخت فى أذهان العالم هذه الصورة الذهنية المغلوطة، نتيجة امتلاكها آلة إعلامية ضخمة وتحكمها بحرفية فى أدوات الإعلام والسينما بينما كان الهنود الحمر متخلفين عن ركب الحضارة والتقدم.

هذا ما يسعى ترامب لترسيخه مجدداً مع تغيير اللاعبين من الهنود الحمر وأمريكا، إلى إسرائيل والدول العربية..

فماذا نحن فاعلون ؟؟

تمتلك الدول العربية العديد من أوراق الضغط التى لم يتم تفعيلها أو استخدامها بالشكل الأمثل حتى الآن، رغم أن كل تأخير فى استخدام هذه الأوراق يتيح مساحات فراغ يملأها الكيان الصهيونى ومسانديه من الأمريكان.

1- الخطاب الإعلامى العربى الموجه لأمريكا والغرب

تروج وسائل الإعلام الأمريكية للسردية الإسرائيلية بشكل يصل لدرجة التواطؤ، دون أن يقابلها اى رد باللغات الأجنبية يتحدث عن  السردية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للفلسطينيين فى الحياة والتحرر من الاحتلال، ويفرض الإعلام الغربي حظرا تاما على الخط المقاوم ويعمل على النيل من سرديته ومن رموزه ويسمي المقاومة "ميليشيات" أو إرهاب، لذلك كان الانحياز الأمريكى والغربى للكيان رغم كل ما ارتكبه من جرائم انحيازاً لا مثيل له.

كان مقال "يوسف العتيبة" سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة بصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فى يونيو 2020 سابقة هى الأولى من نوعها لدبلوماسي خليجي، حيث نشر مقالا بعنوان "إما الضم أو التطبيع" أكد فيه أن ”الضمّ سيقوض بالتأكيد وعلى الفور التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي والإمارات”  وأن "خطة الضم الإسرائيلية تتحدى الإجماع العربي - وعملياً الدولي أيضاً - فيما يتعلق بالحق الفلسطيني".

وخطة الضم التى تحدث عنها العتيبة كانت تتمثل في أن تقوم إسرائيل بضم غور الأردن وجميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، بمساحة تقدر بحوالي 22% من الضفة الغربية، وقد تأجلت الخطة عقب التطبيع الإسرائيلى مع الإمارات، وانتهاء ولاية ترامب الأولى ، واليوم بعد أن عاد التلويح بما هو أكثر من خطة الضم، وإعلان ترامب صراحة أنه ينوى احتلال غزة وتحويلها إلى "ريفيرا" !!!  ألا يستدعى ذلك كتابة عشرات المقالات بأقلام مسئولين من مصر والدول العربية فى الصحف الأمريكية والأوربية، ويتم ترجمتها بكل اللغات، سواء كانت هذه  المقالات من سفراء أو وزراء خارجية أو حتى قادة ورؤساء، نعلن فيها الرفض العربى لمخططات ترامب وأسباب هذا الرفض وتداعيات إصراره على التهجير القسري للفلسطينيين على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، أم سنظل نخاطب أنفسنا، بينما يملأ اللوبى اليهودى الإعلام الغربى بالمقالات والتحقيقات والبرامج التى تروج لفكرة أنه المُعتدى عليه، وأنه يدافع عن أمن إسرائيل وشعبها، ويملأ ترامب شاشات العالم بتهديداته الاستفزازية، ورغباته الاستعمارية، وتحدياته لكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية.

2- التهديد بإلغاء اتفاقيات التطبيع

مثلت اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية ضوءاً أخضر للحكومة الإسرائيلية، لتزيد فى تطرفها واستفزازها للفلسطينيين والعرب بشكل متدرج، حيث قامت هذه الحكومة من حين لآخر بعمليات اختبار تستكشف بها مدى صلابة هذه الاتفاقيات، وقدرتها على الصمود، و مدى اكتراث دول التطبيع بالقضية الفلسطينية، كان أول هذه الاختبارات هى اقتحام المسجد الأقصى ومحاولة طرد سكان حى الشيخ جراح من منازلهم فى القدس  فى مايو 2021 والتى أدت لاشتعال الحرب بين إسرائيل وحماس عرفت بمعركة "سيف القدس" والتى استشهد فيها 200 فلسطينى وانتهت بوساطة مصرية، وتلا ذلك اقتحامات متكررة لساحة المسجد الأقصى بزعم زيارة جبل الهيكل، وكان أشهرها اقتحام وزير الأمن القومى ايتمار بن غفير فى يناير 2023 عقب تولى الحكومة اليمينية المتطرفة مهامها، ثم جاءت حرب الإبادة العدوانية على غزة التى خلفت حوالى 50 ألف شهيد وتدمير شبه كامل لأحياء القطاع، ولم تخرج ردود فعل دول التطبيع عن الإدانة والشجب، ولم ترق إلى مستوى الفعل أو التهديد بالانسحاب من اتفاقيات التطبيع، وتضم الاتفاقيات الإبراهيمية أربعة دول عربية هى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وإذا أضفنا إليهم مصر والأردن اللتان تربطهما اتفاقيات تطبيع بإسرائيل منذ عشرات السنين، لأصبحنا أمام قوة لا يستهان بها إذا ما قررت هذه الدول التلويح بإلغاء كافة الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية التى تربطها بالكيان الصهيونى.

3- إصرار المملكة على حل الدولتين

يسعى ترامب جاهداً لضم المملكة العربية السعودية إلى قافلة المطبعين العرب، وتعد المملكة دولة رئيسية في المنطقة بسبب نفوذها في العالمين العربي والإسلامي، وتختلف علاقتها مع إسرائيل بشكل كبير عن علاقات الدول الخليجية الأخرى معها، إذ أن دورها كوصي على أقدس مقامين في الإسلام يضع قيادتها في وضع صعب ودقيق عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع إسرائيل، وسيكون التطبيع مع السعودية بالنسبة لإسرائيل جائزة أكبر من جائزة التطبيع مع  أي دول التطبيع الإبراهيمي مجتمعة، نظراً للأهميتها الدينية، فضلاً عن نفوذها الاقتصادي والسياسي، فإذا قررت السعودية التطبيع، يمكن أن تحذو حذوها دول أخرى عربية، أو إسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا، وقد منحت السعودية، دول الخليج موافقة ضمنية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل فى يوليو 2022، وذلك من خلال رفعها جميع الحظر المفروض على شركات الطيران الإسرائيلية التي تحلق فوق أراضيها،  إلا أن مباحثات التطبيع السعودى الإسرائيلى تم تجميدها خلال حرب الإبادة على غزة، حيث تصر المملكة على قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية  قبل إقامة أى علاقات دبلوماسية مع إسرائيل،  لذلك يمكن القول أن السعودية وحدها هى من استطاعت أن تستخدم ورقة الضغط التى تملكها بفاعلية.

4- التوجه شرقاً

فى ظل الاستقطاب الحاد الذى يعيشه العالم كان لمصر السبق فى إحياء استراتيجية " الاستدارة نحو الشرق" والتركيز على تعزيز العلاقات الثنائية مع دول آسيا، بالتوازى مع تحركات دبلوماسية مع دول أوربا والولايات المتحدة، واليوم وبعد أن بدت القارة الأوربية العجوز عديمة الحيلة تجاه ما يحدث فى غزة والمنطقة العربية ، وبعد أن كشر ترامب عن أنيابه وأظهر نواياه الحقيقية تجاه المنطقة، والتى كانت ظاهرة فى ولايته الأولى لكن بشكل أقل حدة وجرأة واستفزاز، وبعد التلويح بقطع المعونات عن مصر، لرفضنا التهجير القسرى لسكان غزة، علينا أن ندعو الدول العربية لتبنى استراتيجية موحدة فى التعامل مع الغطرسة الأمريكية من خلال التوجه شرقاً واستبدال الحلفاء الصينيين والروس بالحليف الأمريكى، وتفعيل الشراكة العربية فى منظمة بريكس بطريقة تهدف إلى بناء نظام متعدد الأقطاب يتحدى الهيمنة الأمريكية، خاصة بعد إعلان الكرملين اليوم متابعته لتصريحات ترامب بشأن غزة، وانضمامه للموقف العربى الرافض للتهجير، ورفض الصين والعديد من دول العالم لمخططات التهجير الأمر الذى يمنح الموقف العربى ظهيراً دوليا لا بأس به,

وإن كان قدر مصر أن تتصدر المشهد وتكون كبيرة المنطقة العربية، فهى جديرة بالتصدى لكل محاولات النيل من الكرامة العربية والمصرية، ولكن أيضاً على دول المنطقة الاصطفاف معها لأننا جميعا فى مركب واحد، ولو كانت البداية هى غزة، باحتلالها وإقامة مشروعات استعمارية فوق أراضيها، فلن يهدأ المحتل إلا بعد أن يسقط كل العروش العربية من مكانها، أو يخضعها لاتفاقيات إذلال ومهانة لا ترفع بعدها الرأس أبداً.
-----------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم

مقالات اخرى للكاتب

قانون الايجار القديم .. من يفك الاشتباك بين المالك والمستأجر؟