30 - 04 - 2025

هل تدرك إسرائيل وأمريكا حقيقة الموقف الفلسطيني؟

هل تدرك إسرائيل وأمريكا حقيقة الموقف الفلسطيني؟

في عالم السياسة والصراعات الدولية، يعد الوعي بالمواقف المختلفة أحد المفاتيح لفهم طبيعة النزاعات وتأثيراتها، ومن بين أكثر القضايا تعقيدًا في المشهد السياسي العالمي، تبرز القضية الفلسطينية كواحدة من أكثر القضايا التي تعكس اختلال ميزان القوى، حيث تواجه دولة محتلة شعبًا يسعى إلى تقرير مصيره، والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم؛ هل هناك نقص في الوعي أو الاعتراف الإسرائيلي - الأمريكي بالموقف الفلسطيني، أم أن الأمر يتعلق باختيار واعٍ لإنكار هذا الموقف والتعامل معه وفقًا لمصالح استراتيجية؟

بين الإدراك والإنكار

لا يمكن فهم موقف إسرائيل والولايات المتحدة دون العودة إلى سياق تاريخي طويل من الصراع، فمنذ عقود تتبنى إسرائيل خطاباً يركز على "حقها في الدفاع عن النفس"، بينما تُصوَّر المقاومة الفلسطينية على أنها "إرهاب"، وفي المقابل يسعى الفلسطينيون لإيصال رسالتهم بأن الاحتلال، والاستيطان، والحصار ليسوا مجرد تفاصيل هامشية، بل هم جوهر الصراع.

وفي السنوات الأخيرة، وخاصة مع الحرب على غزة التي اندلعت في أواخر 2023 واستمرت حتى أواخر 2024، أصبح من الصعب تجاهل مشاهد الدمار والضحايا المدنيين، ورغم ذلك لم يطرأ تغيير جذري على الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، وهو ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الإدراك الذي تملكه هاتان الدولتان تجاه الموقف الفلسطيني.

الفجوة في الفهم

قد لا يكون الأمر غياباً تاماً للوعي بقدر ما هو اختلاف في الأولويات والروايات، فبينما ينظر الفلسطينيون إلى قضايا مثل الاحتلال، حق العودة، وإنهاء الاستيطان كمسائل وجودية، ترى إسرائيل أن أي تنازل قد يهدد أمنها القومي، بينما تتعامل الولايات المتحدة مع القضية من منظور استراتيجي يراعي تحالفاتها في المنطقة.

لذلك أصبح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هو أحد أكثر النزاعات تعقيدًا في العالم، وتتمثل أبرز نقاط الخلاف الجوهرية بين الطرفين فيعدة قضايا محورية، منها:

1القدس

تُعد القدس من أكثر القضايا حساسية، حيث يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المستقبلية، بينما تعتبرها إسرائيل عاصمتها الموحدة والأبدية بعد احتلالها وضمها عام 1967، وهو ما يرفضه المجتمع الدولي، والقدس تحوي أماكن مقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود، ما يجعلها مركزًا للخلاف الديني والسياسي.

2الحدود

لا يوجد اتفاق واضح حول حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، ويطالب الفلسطينيون بحدود ما قبل حرب 1967، أي الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تسعى إسرائيل إلى فرض حدود تستثني مساحات واسعة من الضفة الغربية، متذرعةً بمخاوف أمنية.

3المستوطنات

قامت إسرائيل ببناء مستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يعتبره الفلسطينيون غير قانوني وعائقًا أمام إقامة دولتهم، وهذه المستوطنات تُقسِّم الأراضي الفلسطينية وتحدُّ من التواصل الجغرافي، بينما تعتبرها إسرائيل جزءًا من أمنها القومي وحقها التاريخي.

4اللاجئون وحق العودة

يطالب الفلسطينيون بحق اللاجئين الذين هُجِّروا عام 1948 وذريتهم بالعودة إلى ديارهم، وهو ما ترفضه إسرائيل خوفًا من تغيير التركيبة الديمغرافية للدولة اليهودية.

5الأمن

تشترط إسرائيل أن تكون أي دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بينما يريد الفلسطينيون سيادة كاملة على أراضيهم، كما تفرض إسرائيل حصاراً وإجراءات أمنية مشددة على غزة والضفة، مما يزيد من حدة التوتر.

6.الموارد الطبيعية

يتمحور الخلاف حول السيطرة على الموارد المائية في الضفة الغربية، حيث تستغل إسرائيل جزءًا كبيرًا من المياه الجوفية التي يحتاجها الفلسطينيون للزراعة والاستهلاك.

هذه القضايا تبقى عالقة بسبب غياب الثقة المتبادلة، والتغيرات السياسية الداخلية والخارجية، وتأثير القوى الدولية، وأي حل مستقبلي يتطلب توافقًا على هذه القضايا الجوهرية من خلال مفاوضات جادة وضمانات دولية.

في هذا السياق من الفهم الإسرائيلي-الأمريكي لهذه القضايا المحورية، يمكن تصنيف مواقف إسرائيل والولايات المتحدة تجاه الموقف الفلسطيني إلى ثلاث فئات:

  • الاعتراف الرسمي: يتمثل في التصريحات والخطابات السياسية التي تتحدث عن "حقوق الفلسطينيين" لكنها لا تتجاوز الإطار الدبلوماسي.
  • الاعتراف الضمني: يظهر في بعض السياسات التي تعكس إدراكًا لمشاكل الفلسطينيين ولكن دون تغيير جذري.
  • الإنكار أو التجاهل: وهو النهج السائد، حيث يتم التقليل من شأن معاناة الفلسطينيين أو تبريرها بخطاب أمني وسياسي.

هل هناك تحولات في الخطاب الإسرائيلي والأمريكي؟

رغم الأحداث الأخيرة، لا يبدو أن هناك تحولاً جذرياً في الخطاب الإسرائيلي، حيث استمرت حكومة اليمين المتطرف في تبني سياسة التصعيد، متجاهلة الأصوات الداخلية التي بدأت تتساءل عن تداعيات هذه السياسة، أما في الولايات المتحدة، فرغم تصاعد الضغوط الشعبية وانتقادات بعض أعضاء الكونغرس، لا تزال الإدارة الأمريكية تواصل دعمها العسكري والدبلوماسي لإسرائيل، وإن كان مع بعض التحفظات الخطابية.

تأثير الضغوط الدولية

ما يميز المرحلة الحالية هو تصاعد الإدانات الدولية لإسرائيل، سواء من الأمم المتحدة، أو منظمات حقوق الإنسان، أو حتى بعض الحكومات الغربية التي بدأت تعبر عن استيائها من السياسات الإسرائيلية، كما أن الحملات الشعبية، مثل حركة المقاطعة (BDS)، بدأت تكتسب زخمًا، مما يضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام تحديات جديدة في كيفية تبرير مواقفهما.

النتيجة

يبدو أن هناك وعياً بالموقف الفلسطيني لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، لكنه وعي مُسيَّر وفق مصالح سياسية وأمنية تمنع تحويله إلى اعتراف حقيقي بحقوق الفلسطينيين، وفي ظل غياب ضغوط دولية فعلية، فمن غير المرجح أن نشهد تغييرات كبيرة في هذا الإدراك على المدى القريب، ومع ذلك فإن تنامي الوعي الشعبي العالمي قد يكون عنصرًا مؤثرًا في الضغط على الحكومات لإعادة النظر في مواقفها.

الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو الشتات، يعتبر الصمود والبقاء على الأرض جزءًا أساسيًا من نضاله من أجل تحقيق العدالة وحقه في تقرير المصير، وأي مشروع يهدف إلى تهجيرهم يُنظر إليه على أنه محاولة لطمس هويتهم الوطنية وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها.

وأخيرا، أود أن أشير إلى أن المشكلة لا تكمن بالضرورة في عدم الفهم، بل في اختلاف الأولويات، والمظالم التاريخية، والاستراتيجيات السياسية التي تمنع التوصل إلى حل، وأن كلا الجانبين لديهما مواقف راسخة، مما يجعل التوصل إلى تسوية أمرا صعبا على الرغم من الجهود الدولية. وفي النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيفرض الواقع الفلسطيني نفسه على إسرائيل والولايات المتحدة، أم أن الإنكار سيظل هو الاستراتيجية السائدة؟
----------------------------
بقلم: أحمد حمدي درويش

مقالات اخرى للكاتب

الصين ورهان الصبر الاستراتيجي: كيف أعادت بكين تشكيل قواعد الحرب التجارية مع أمريكا؟ (1-2)