15 - 02 - 2025

حريق منشية ناصر: بين الشائعات والحقائق.. لماذا تم الزج باسم البابا تواضروس؟

حريق منشية ناصر: بين الشائعات والحقائق.. لماذا تم الزج باسم البابا تواضروس؟

انتشرت في الآونة الأخيرة على بعض صفحات التواصل ادعاءات و مزاعم غير مسؤولة تتهم قداسة البابا تواضروس الثاني، بالوقوف وراء إشعال الحرائق التي وقعت في منطقة الزرائب قرب دير المقطم الخميس الماضي، ورغم أنها لاتتعدي كونها مجرد منشورات غير معلومة الهدف، إلا أنها وجدت صدي واسعا وانقساما حولها، بينما اتهم آخرون أصحاب الصفحة بنشر الطائفية وزعزعة الأمن والاستقرار في المجتمع المصري، وفريق ثالث يعتقدون أن الحريق كان "عقاباً إلهيا" بسبب عدم الاستجابة لتعليمات قداسة البابا. وتحولت المنطقة سريعا إلي كومة من الرماد بعدما شبت النيران بمصنع لإعادة تدوير البلاستيك وامتدت إلي ١٠ منازل محيطة، ومع تحرك الأجهزة التنفيذية وبين ألسنة اللهب المتصاعدة وأصوات الإنذار، وقف الأقباط يرفعون صلاتهم كنداء يختلط بدخان الحريق، وبرغم الإشارة لعدم اتباع اجراءات السلامة المهنية، إلا أنه تم زرع بذورالشك لتطفو على السطح.

الأبعاد الدينية: 

زعمت صفحة «المدافعون عن الإيمان – سراج الحق» أن جميع البيوت القبطية المحترقة تابعة لنفس العائلات التي كانت تدافع عن الأنبا أبانوب أسقف المقطم وتم تصويرها في البحث الميداني، وهي صفحة دائمة الهجوم علي البابا تواضروس وتلقبه بـ"الكاردينال الخلقيدوني المحروم" و تنسب نفسها للحرس القديم الذي يتبني الدفاع عن الراحل البابا شنودة، وتساءلت هل الحادث صدفة، ومنشور آخر بعد الحريق مباشرة يقول "الشيطان ينتقم من أقباط المقطم" قبل حذفه للالتفاف علي المسؤولية القانونية. وانتشر على حسابات أخرى، زاعما ضلوع البطريرك رقم ١١٨ في افتعال الحريق.

ويقول الناشط أشرف حلمي، المقيم بأستراليا، أن أزمة إلغاء سيمنار المجمع المقدس هو طرف الخيط الذي أحدث زوبعة في الأوساط القبطية، حيث أعلن بشكل مباشر عدة أساقفة في وسائل الإعلام منهم أسقف المقطم، وأكدوا صراحة رفضهم للمتحدثين من التيار العلماني بعد تسريب قائمة بالأسماء الرافضة دون معرفه مصدرها علي مواقع التواصل الإجتماعي مما تسبب في إحراج للبابا تواضروس، والذي سرعان ما تراجع عن عقد السيمنار وتأجيل موعده مع الاعتذار للمحاضرين، وأصبح عيد تجليس قداسته بلا سيمنار، بالإضافة إلي رفض الأنبا أبانوب التام لإقامة صلوات من طوائف أخرى داخل دير سمعان الخراز وعدم قبوله تنظيم يوم الصلاة العالمي، الذي يتشارك فيه كافة الطوائف المسيحية، مما اعتبر نوعا من تحدي قرارات البابا تواضروس، وسببا غير مباشر في إجباره علي الاستقالة أكتوبر الماضي وانعكاس لأصولية التعاليم الكنسية بدلا من إبداء المرونة نحو الفكر اللاطائفي نظرا لخلفيات الدير التاريخية التي كانت سببا في استقطاب الطوائف الأخرى والأجندات الخارجية وهو أحد اسباب تعيينه أسقفا لإعادة الدفة نحو الفكر الأرثوذكسي السليم.

وأضاف حلمي، التف أهالي المقطم حول الأسقف وتجمهروا بالمئات لمنعه من مغادرة الدير واندلعت مظاهرات غاضبة للمطالبة بالعدول عن قرار البابا الذي خرج بعدها وقال خلال عظته الأسبوعية، إن الأنبا أبانوب يخدم بالمقطم منذ أكثر من عشر سنين، ظهرت خلالها بعض الضعفات والخلافات والتجاوزات، مما زاد التكهن حول أسلوب الخطاب، واعتبره البعض تصفيه حسابات تعود الي تحجيم بعض الكهنة المحسوبين علي حقبة القس سمعان مؤسس الدير المتأثر بالتوجه البروتستانتي، وبعد تدخلات من المجمع المقدس واعتصام الأهالي في الدير، تم تجميد خطاب الاستقالة و عدول قداسته عن موقفه وتدبير لقاء جمع بينهما للتقارب وإلغاء زيارة البابا، مما يثير المخاوف من عدم انتهاء المشكلات و اللجوء للتهدئة تمهيدا لنقل الأسقف العام مع أول شرارة أخري مؤجله برغم ذكر بيان الكنيسة الرسمي الذي اتسم بالإيجابية أنه قام بالاعتذار.

و أكد أشرف، أنه بالرغم من أن السيمنار لا تناقش فيه أي موضوعات إيمانية إلا انه تسبب في موجه تصادم حادة بين الأصوليين والتيار الإصلاحي الذي رأي في المحاضرين انتصارا للحرية داخل الكنيسة، إلا أن الأزمات المتكررة ألقت الضوء علي قضيه التعاليم الكنسية والعِلاقة بالكنائس العالمية، ووضعت البابا بين مطرقه التهاون مع التعاليم الخاطئة والبدع الدينية، وسندان الانفتاح تجاه الأخر، مما تسبب في انقسام اعتبره البعض إخماد فتيل تمرد ضده بعد نقل خلافات الأساقفة إلي متاهات الإعلام.

غموض و تضارب حول الواقعة:

 في مساء الخميس ٩ يناير، بدأت الجهات المعنية التحقيق في أسباب اندلاع الحريق واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، و ارتفعت حصيلة المصابين باختناق إلى ١٠ أشخاص، حيث جرى نقلهم إلى أحد المستشفيات لتلقي العلاج ومازال السبب وراء الحادث غير معلوم ورهن جهات التحقيق والمعمل الجنائي سواء كان بفعل فاعل أو نتيجة إهمال.

و قال مصدر رفض ذكر أسمه، أنه تم استدعاء صاحب البيت الذي نشب به الحريق و يدعي عزت سند لطفي للنيابة و سؤاله عن الاشتباه بأي شخص، ولم يتهم أحدا. 

ونفت محافظة القاهرة ما يتردد من أن الحريق الذي نشب في منطقة منشأة ناصر امتد إلى عشرة عقارات. و أكدت أن الحريق نشب في أحد مصانع فرز وتدوير المخلفات البلاستيكية بشارع شاكر توفيق، وامتد إلي ٣ مصانع وتمكنت قوات الحماية المدنية من إطفاء الحريق بعد ٤ ساعات متواصلة و الدفع بـ ٣٧ سيارة إطفاء، حيث إن طبيعة هذه المنطقة جميع المنازل متلاصقة، وهى قريبة من دير القديس سمعان الخراز، كما انهارت أجزاء من منزل بموقع الحريق. 

وتناول عثمان فارس، نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بمنظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان و أحد الساكنين بالمنطقة، أسباب الحريق على أنها ماس  كهربائي ولا خسائر في الأرواح.

وقال يسري بدري أحد شهود العيان، إنه بالتزامن مع حريق آخر بالأزبكية، وقع الحريق بـ ٤ ورش كبيرة ومواد بلاستيكية مخزنه، وبدأت بشرارة تحولت إلي كتلة لهب أعلي السطح لتخزين كميات كبيرة جدا للمواد القابلة للاشتعال في طريقها إلي التدوير واستمرت أعمال الإطفاء ٥ ساعات نظرا لامتداد ألسنة اللهب إلي أعلي الأسطح، وهي عبارة عن مصانع غير مرخصة لفرز وجمع القمامة وبوسائل إطفاء بدائية دون اتخاذ إجراءات السلامة المهنية وفي ظل الشوارع الضيقة وقدم المباني.

 وطالب الأنبا أبانوب محافظ القاهرة بضرورة إنشاء وحدة مطافئ ثابتة وسفلتة طريق الدير بعد نجاح الدفاع المدني في منع الحريق من الوصول للدير، و أبدي استجابة. 

وروي حنا مراد، عامل قمامة بالمنطقة، أن اللهب تناقل سريعا بسبب شدة الرياح و الخسائر تقدر بـ ١٥ مليون نظرا لوجود ماكينات حديثة، خلال جرد سنوي يفصل بين فتح ميزانية جديدة وعطلة رأس السنة، و تأثر ٣ بيوت من طابقين، ويبدو الحريق مألوفا وغير مقصود و لا يوجد به أي أمر مريب توحي بأنه فعل فاعل.

الأبعاد السياسية:

 ويقول الحقوقي أيمن روماني أنه هناك ترجيحات بأن المواد المشتعلة في المصانع والمخزنة على الأسطح لعبت دورًا كبيرًا في تفاقم الأزمة، لكن قضينا ساعات من الرعب وسط الرماد، ولا نعلم كيف بدأ الحريق لكن سرعة الانتشار كانت كبيرة، وجميع أهالي منطقة الزرائب حريصون جدا من الحرائق لأنها مهنتهم وبيوتهم والفاعل طرف ثالث كما حدثت سابقا أثناء الثورة، وأن المواد تساعد علي الاشتعال وعدم سهولة إخماده ولكن يبقي السبب الرئيسي للشرارة الأولي.

وأضاف روماني، أن هناك حملة ممنهجة ضد البابا، والمخطط هو افتعال انقسام بين المجتمع الكنسي داخليا بعد عده محاولات لإشعال الفتن بين مسلمين ومسيحيين، وتقويض الثقة.

 بينما نفي المقدس شحاتة نقيب الزبالين في تصريح خاص أي مزاعم إرهابية أو ضلوع أي قيادة دينية أو حتي شبهه جنائية، و قال أنه نظرا لعطلات الأعياد وغلق المصانع التي كانت من المقرر أن تستلم المواد الصلبة، وقلة العمال، تم تخزينها علي الأسطح من جامعي القمامة ومن الممكن أن تحدث إشعالا ذاتيا من تلقاء نفسها، وامتدت ألسنة اللهب الي ٥ بيوت مجاورة و مباني عشوائية بشارع يوسف عبد الملاك وحضر الأنبا أبانوب علي الفور مع قيادات المحافظة، فالمنطقة بها أكثر من ٤٠٠ ألف أسرة وقد ساعد معنا المسلمين أيضا في احتواء الحريق، لذلك بنسبه كبيرة تكون قضاء و قدرا.

 واستطرد شحاتة، علمت أن البابا تواضروس تواصل مع الكهنة والأسقف للوقوف علي حقيقه الأمر وأجري اتصالا بمسؤول رفيع المستوي لإرسال امدادات كثيرة من سيارات المطافئ وتم تشكيل لجنة من الكنيسة لمعاونة الأسر، وأيضا لجنة أخري من التضامن الاجتماعي لإرسال التعويضات للمتضررين، لذا فإن اتهام قداسته بالوقوف خلف الحريق لا يبدو منطقيا وهناك من يسعي لتوريطه، مستغلين الخلاف الذي تم من قبل للنيل من سمعته، وهو أمر يرفضه أهالي المقطم تماما، فهدفهم ربما إحداث انشقاق بواسطة كتائب منظمة تهاجمه واستخدام الأهالي كرباجا، ولن نسمح لهم باستغلال خلاف لم يتعد كونه خلافا إداريا في وجهات النظر، فالأمر ليس عداء وهو لازال رأس الكنيسة ولم نخالفه ولكننا أردنا عدم نقل الأنبا أبانوب والتمسك بالفكر الأرثوذكسي، وأطالب بملاحقة هذه الصفحات أمنيا وكل من يريد إحداث فتنة للكنيسة والبلاد في هذا التوقيت، فلم نشك لأحد حتى يتحدث باسمنا.

وأضاف شحاتة، أن قداسة البابا انسحب من زيارة المقطم ٢٥ ديسمبر الماضي، وربما تسبب السجال الحاصل في شرخ لديه ولم نقصد أن نغضبه لكن تعاملنا كأب وأولاده، ومازلنا في انتظاره متي شاء، ولكن نحتاج أن نشعر بأبوته، لذلك أناشد قداسته تشكيل لجنة لتفقد البيوت وإرسال رسالة تعزية وأتمني تنفيذ مبادرة أيضا لمساعدة المتضررين ماديا.

موقف الكنيسة:

لم تعلق الكنيسة القبطية علي واقعة اتهام قداسة البابا رسميا، لكن الكنيسة ذكرت في بيان لها نوفمبر الماضي أن اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، بصدد تشكيل لجنة مجمعية للتحقيق مع بعض أصحاب صفحات التواصل الاجتماعي التي دأبت على الهجوم على الكنيسة وآبائها باستمرار، واستخدام أساليب الإثارة والشائعات والتضليل في تناول أمور الكنيسة.

وقال مصدر غير رسمي داخل الكنيسة القبطية ، في تصريح صحفي، أن التعليق في حد ذاته بلا وزن أو سند ويعد تضليلا واضحا، وأن افتراض أن هذا الأمر عقاب إلهي لا يقبله الفكر المسيحي، فلا مجال لإدخال أمور دينيه في صراعات و أغراض بشرية.

و تجدد الجدل بعد إستدعاء كاهن يدعي مارقوريوس صموئيل الذي رفض الحضور حسب ما تم إعلانه علي صفحته واصفا اللجنة بالظالمة، والخادم مينا أسعد المعروف بدياكون ديسقورسرئيس من رابطة حماة الإيمان أمام لجنة كنسية تشمل الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس، والأنبا غبريال والأنبا يوليوس والقمص موسى إبراهيم المتحدث الإعلامي والقس رافائيل ثروت لمناقشتهم في بعض التصريحات والمقالات على مواقع التواصل ليحاسبوا داخل كنائسهم، والتي وصفها بأنها مصارحة وليست محاكمة وفتح قناة اتصال لتعزيز قضية التعليم واستدعاءات مماثلة لمنحرفي التعليم، بينما وصفه بعض المحسوبين علي الحرس القديم بتراجع للبطريرك أمام الأقباط الغيورين.

وقال القمص موسي، أنه بواسطة العمل الرعوي يجري ترتيب جلسات ودية، فهي لا تتعدي التقارب و ليس محاكمات تفتيش كما أشيع.

الكنيسة ورأب الصدع: 

وقال مايكل عزيز، الباحث في الشأن الكنسي، أن الحملة المسعورة للزج بقداسة البابا في الحريق، تؤكد علي معاداة فصيل لشخص البابا، وأن أغلب الخلافات التعليمية المطروحة التي يزعم المحافظون عرضها، مجرد وجهات نظر وآراء شخصية لا ترتقي لمستوى الخروج عن النص العقيدي أو اللاهوتي، وأن الأقباط طيلة العصور قدموا الشهداء في سبيل الحفاظ على إيمانهم وليس بعض العظات أو التعاليم التي يمكن أن تشكل تهديداً علي معتقداتهم.

وأضاف عزيز، يجب أن يستمع كلا الطرفين لبعضهم البعض وعدم إقصاء أي طرف للنهاية وأن هذا هو مكمن الخلاف الحقيقي وهو الرغبة في الإقصاء، وأطالب بأن يكون للجنة المراجعات دور في وأد الصراع الداخلي واحتواء أبنائهم وإيجاد أرضية مشتركة توحد كلا الطرفين بعيداً عن التلاسن وأجواء المحاكمات.

لكن- في اعتقادي - سيتم قطع وحرمان قيادات بعد استنفاد كل المحاولات من الكنيسة، وسيُصبح أتباع هذا التنظيم "منشقين" بشكل رسمي عن الكنيسة القبطية، إن اختارت هذه الجماعة منذ البداية الانشقاق عن قيادة الكنيسة الرسمية، ولأول مرة نشاهد خداما وإكليروس يستعدون بطريرك الكنيسة علانية، ويتم اتخاذه خصماً على صفحات الميديا، حتى وصل بهم الأمر التآمر علي قداسته من أجل عزله عن كرسيه الرسولي.

ويشير المستشار نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان بالقول: الخلايا النائمة حاولت الوقيعة بين قداسة البابا وشعب منطقة المقطم إزاء مشكلة نيافة الانبا أبانوب وفشلت في ذلك وتم احتواء الموقف ومقابلة المحبة والمودة التي حدثت بينهم وفيها أزيلت كل الشوائب وعادت الأمور إلي طبيعتها.

ويوضح جبرائيل، أنه بطبيعة الحال لم يعجب ذلك أولئك الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر وما لبث حدوث حريق المقطم منذ أيام ولم يكن لأحد يد فيها فضلا عن أنها كانت بعيدة تماما عن دير القديس سمعان الخراز بالمقطم إلا أن تلك الخلايا استغلت هذا الحريق لتنسب لقداسة البابا أنه مدبره، وكل وسائل الإعلام ومنها منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان الذي أشرف برئاسته كانت في موقع وساعة الحدث وأثبتت أن الحريق كان نتيجة ماس كهربائي في مصنع بلاستيك مما رد هؤلاء علي أعقابهم وأصابهم بالخزي.
-------------------------
تحقيق: جورجيت شرقاوي

مقالات اخرى للكاتب

حريق منشية ناصر: بين الشائعات والحقائق.. لماذا تم الزج باسم البابا تواضروس؟