09 - 02 - 2025

مؤشرات | اقتصاديات "صناعة المحتوى" وكيف نوظفها؟

مؤشرات | اقتصاديات

تابعت فعاليات النسخة الثالثة من "قمة المليار متابع 2025"، التي تعد أكبر حدث يجمع صناع المحتوى في المنطقة، والتي جمعت أبرز المؤثرين العالميين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، بهدف استكشاف دور الإعلام الجديد في إحداث تغييرات إيجابية في المجتمعات ودعم النمو الاقتصادي المستدام.

القمة التي نظمها المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات، شارك فيها أكثر من 420 متحدثاً من الخبراء والمتخصصين، وصناع المحتوى، ومن بينهم ما يزيد على 125 رئيساً تنفيذياً وخبيراً عالمياً، ومنصات التواصل الاجتماعي العالمية، منها، "سناب شات، وإكس، ويوتيوب، وتيك توك، ولينكد إن، وشركة ميتا فيسبوك، وإنستجرام، واتساب"، وجرت مناقشات وحوارات خلال القمة حول مستقبل القطاع ودعم صناع المحتوى والمؤثرين للوصول إلى أوسع شريحة من الجمهور وتحقيق التأثير الإيجابي.

تم تداول العديد من الأفكار حول "مستقبل صناعة المحتوى ووسائل بناء محتوى مؤثر وحماية الملكية الفكرية ومكافحة المعلومات المضللة، وأسس استخدام أدوات التحليل، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، واستراتيجيات بناء المجتمعات الرقمية لدعم المحتوى وتقديم كل ما هو مفيد للبشرية.

أقر أنني من جيل الصحافة والإعلام التقليدي، ومازلت منحازا له، انطلاقاً، من قناعاتي بأنه الأكثر مصداقية، بعيدا عن الخروقات، والضجيج الذي نعيشه في الإعلام خلال السنوات الأخيرة، مع التوسع الرهيب في وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذا لا يعني أن نغفل ما يجري من تطورات وتسارع في الإعلام الجديد، والذي يتسع يومياً، بل ربما كل لحظة، خصوصاً مع وجود جيل جديد، هو الأكثر إيمانا بهذا الإعلام، والذي بدأ يكتسب العديد من الشرائح، ويذهبون إليه، ويتعاملون معه، بل يعتمدون عليه في التواصل مع أفراد المجتمع العام، ومجتمعاتهم، والمجتمعات المحيطة بهم.

ووصل الأمر إلى ما يمكن أن نسميه "مقاطعة" للإعلام التقليدي، واستبداله بالإعلام الجديد الذي يسمى "صناعة المحتوى"، سواء كان هذا المحتوى شخصيات اعتبارية، أو مجموعات أو أفراد، والعديد من رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين في الشركات ومجموعات الأعمال، اتخذوا من الإعلام الجديد منصات للتواصل مع الناس، والعملاء، بل نقلوا حملات التسويق خاصتهم من الإعلام التقليدي، إلى الإعلام الجديد.

وفي قمة "المليار متابع" قال رجل الأعمال الإماراتي محمد علي العبار، مؤسس وعضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة إعمار، عن الإعلام الجديد، ممثلا في "صناع المحتوى"، أن صناعة المحتوى المميز والمبدع مع المنتج الحقيقي، أفضل طريقة للتسويق بدلاً من الاعتماد على الطرق التقليدية.

ووصف العبار التسويق بأنه مجرد "بروباجندا"، موضحا أن الدعاية الأفضل هي التي تركز على القيمة الحقيقية التي يقدمها المنتج بدلاً من الاعتماد على الدعاية المبالغ فيها، بما يعزز الثقة بين العلامة التجارية وجمهورها، في لفتة إلى أن هذا يأتي من خلال صناع المحتوى، مضيفا أنه انطلاقاً من ذلك قرر إلغاء التعامل مع شركات التسويق الخارجي، ولا نعتمد على أية إعلانات خارجية، ونركز على الجودة والأسعار والثقة والنزاهة للوصول إلى المستهلك، وتم تكوين فريق عمل يعملون بدون أي فريق للتسويق، وبالتعامل مع العملاء، عبر صناع المحتوى.

وقال: لو لديك محتوى ومنتج حقيقي مع الناس المبدعين وفي المكان الصحيح، سينجح عملك ولن تكون بحاجة إلى فريق للتسويق، لذلك أفضل التعامل مع صناع المحتوى، معلنا عن تحد لصناع المحتوى، لتصميم أفضل حملة صناعة محتوى إبداعي تسلط الضوء على منطقة "الداون تاون" في دبي، لزيادة أعداد السياح من 150 مليون سائح حالياً إلى 200 مليون سائح سنوياً، وتحد أخر لإيجاد حلول مبتكرة لأزمة السكن الاجتماعي التي تواجهها الكثير من دول العالم، مؤكد دعمه الكامل لهذه الحملة لتحقيق أهدافها.

حديث الإماراتي محمد العبار عن صناعة المحتوى، ليس هو الوحيد في القمة، عن توجهاتهم نحو توظيف "صناع المحتوى" في أعمالهم، وهو ما تضمنه حديث رجل الأعمال نجيب ساويرس، خلال قمة المليار متابع، ورجال اعمال وخبراء من جنسيات مختلفة، وهو ما يعني السيطرة المقبلة والزحف للإعلام الجديد وصناع المحتوى على صناعة الإعلام.

صحيح أن هناك كثيرون، وكاتب هذه السطور، يرون أن الإعلام الجديد وصناع المحتوى، لا يعني نهاية الإعلام التقليدي، فكل له دور، بل بروز إعلام جديد دافع للتطوير، وهو ما دعا معظم المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام التقليدية، لتطوير نفسها، والأخذ بالجديد في الإعلام، وما فرضه الإعلام من تحديات.

مؤكد في الإعلام الجديد العديد حالات ضجيج عالية، وخروقات وخروج عن الثقافة والتقاليد، وحالات فوضى، وأمور تصل إلى السب والقذف دون رقيب، وهو جزء معيب في صناعة المحتوى، وتلك من سمات أي إعلام، وإن كانت عالية جدَا في صناعة المحتوى، الأمر الذي يتطلب أشكالا من التقنين والضبط والانضباط، دون أن يصطدم ذلك مع الحريات.

هذا التحول في الإعلام، يشير إلى الأهمية الاقتصادية لصناعة المحتوى، وكيفية توظيفه وضبطه، والاستفادة منه، فالأرقام التي جاءت خلال القمة، تشير إلى أنه صناعة المحتوى الرقمي شهدت تطورا لافتا خلال السنوات الأخيرة مع تزايد استخدام الإنترنت وانتشار منصات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، وتشير تقديرات مؤسسة «جولدمان ساكس» للأبحاث، أن حجم سوق المحتوى الرقمي سيبلغ 480 مليار دولار، ما يقترب من "نصف تريليون" بحلول عام 2027، مقارنة بـ250 مليار دولار في الوقت الحالي.

ونفس المؤسسة تقول إن عدد المبدعين العالميين البالغ عددهم 50 مليون مبدع، سينمو بمعدل سنوي مركب يتراوح بين 10 و20% خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يعزز فرص نمو سوق المحتوى الرقمي، وهذا العدد يستهدف 4.2 مليار مستخدم نشط على وسائل التواصل الاجتماعي.

كل هذا وفي رأي العديد من الخبراء، فإن مستقبل اقتصادات المنصات الرقمية ينمو بوضوح وبسرعة في ظل توجه المؤسسات حول العالم بإجراء تغييرات جذرية في طرق معالجة المحتوى لمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي واستخدام التقنيات الناشئة ضمن منصاتها الرقمية، كما أن زيادة الطلب على المحتوى الرقمي ونمو حجمه يمثل تحولاً في دول عديدة باعتماد المحتوى الرقمي "صناعة المحتوى" كمصدر دخل اقتصادي مستدام، بخلاف المصادر التقليدية. 

والشرق الأوسط جزء رئيسي من هذا التغيير، ومن هناك جاءت قمة "المليار متابع"، خاصة مع توقعات مؤسسات منها "استراتيجي آند"، التي تشير إلى أن المحتوى الرقمي يمثل 46% من قيمة الإنفاق المتوقع على الإعلام والبالغ 22 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2024، بزيادة 37% عن الأرقام قبل 5 سنوات.

ويبقى السؤال، - مع وجود أعداد ليست بالقليلة من صناع المحتوى، ولهم حضور- متى نكون في مصر جزءا من هذا التحول والاقتصاد الإعلامي الجديد، من خلال رؤية إعلامية أكثر وضوحا للتعامل مع صناعة وصُناع المحتوى، وتقنينه، وفتح نوافذ العمل والحرية المنضبطة له، والاستفادة من إيجابياته،؟، فمثل هذا الاقتصاد الإعلامي الجديد فرض ويفرض نفسه، ويبقى أن نوفر له الأجواء والقواعد القانونية، دون افراط، ودون غلق الأبواب أمامه، واعتباره عدوا... أتمنى أن تكون الرسالة واضحة.
-------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | إفلاس ثنائي شياطين العام والعالم