تابعت باهتمام شديد خطاب اردوغان اليوم وهو الخطاب الذي تم استقباله من البرلمان التركي بحفاوة وهتافات وتصفيق حاد لفترة طويلة من الحضور وسط إعجاب واضح وشعور بأن الرجل بطل حقيقي نجح في دفع سوريا لانتصار ساحق على الطاغية الهارب بشار، وهو أمر له مدلوله لدى الأتراك الذين تجمعهم حدود بآلاف الكيلو مترات مع الجار السوري ناهيك عن مشكلة الأكراد الذي أسماهم اردوغان بالأخوة أكثر من مرة، في مقابل تهديد تنظيماتهم المسلحة بشكل واضح بتسليم أسلحتهم في سوريا او دفنهم بجوارها.
خطاب اردوغان يعتبر بالفعل نموذج لخطاب قائد ذكي عرف كيف يستغل الظروف ويكسب أرضية انتخابية كبيرة في جولات عدة لخصها او لنقل ختمها بالإنتصار السوري الذي يعتبر انتصارا لتركيا أيضا، حيث لاتخفى تركيا وقوفها لجانب الثورة السورية على مدار ١٣ عاما، فكانت تركيا أول المبادرين بدعم ومباركة هذا النصر بل وأول من يرسل وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات للقاء أحمد الشرع بل وافتتاح السفارة التركية في اسطنبول، بينما يعلن اردوغان في خطابه عن قرب افتتاح سفارة أخري في حلب منوها ومشيدا بالشرع وحسن إدارته لهذه المرحلة الحرجة.
رسائل اردوغان خلال خطابه الذكي للغاية لم تغفل الإشارة إلى موقف تركيا الإنساني والأخلاقي طول الوقت في مواجهة عالم يدعى انه مدني حر بينما يدعم الإرهاب ويقتل الأطفال والنساء ببراميل البارود وبكل الأسلحة دون ان يرمش له جفن، معتبرا نجاح تركيا التي استقبلت وحدها ثلاثة ملايين ونصف المليون مهاجر سوري لن ترغمهم على العودة رغم تحسن الاوضاع، في اختبار الإنسانية، مستثمرا ذلك في الإشارة إلى موقف المعارضة التركية السلبي من هذه الهجرة في مرحلة مبكرة، ومعتبرا انه كان لديه بعد نظر وان موقفه دائما كان ضد الطوائف والاحزاب، مشيرا إلى أن تركيا ليست لبنان او سوريا او اي بلد تتنازع بها الطوائف وأنها أمة واحدة يحترم فيها الحزب الحاكم الجميع ويمنحهم الصلاحيات بنفس المساحة.
اردوغان شبه تركيا بالانصار الذين استقبلوا المهاجرين السوريين ووقفوا بجانبهم، كما حدث وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، معتبرا ان الوقوف لجانب المظلوم سياسة أثبتت نجاحها وان رهانه عليها كان رابحا بكل تأكيد، مستشهدا بحكمة تقول "البغى يصرع اهله والظالم ملجأه وخيم".
من ضمن الرسائل المبطنة التي تضمنها خطاب اردوغان أيضا قوله "ان الذين ينزعجون ومرعوبون من سقوط نظام الأسد ننظر لهم بشيء من الشفقة" ، لافتا إلى ضرورة قيام العالم العربي والإسلامي بعملية إحياء سوريا الجديدة ودعمها على كل المستويات كما تفعل تركيا نفسها بأجهزتها وكذلك مؤسسات المجتمع المدني.
أردوغان لم ينس أن يكررا مرار تحذيره لكل من يحاولون استغلال الفرص مثل داعش وبي كاكا وطالبهم بتسليم اسلحتهم او سيدفنون في سوريا مع أسلحتهم .
في النهاية فإن رسائل اردوغان الذي بدا أكبر المنتصرين في سوريا بعد السوريين أنفسهم كشفت بالفعل عن حس رجل سياسي بارع وذكي يعرف مايريده تماما، وهو كما أشار لايرتدي قناعا غير مايبدو فما هو على لسانه هو نفس موقفه.. وربما تكون هذه المصداقية بالفعل هي سر شعبيته الضخمة التي نجحت في تجاوز مراحل صعبة خلال فترات ولايته، وهي بالتأكيد مسيرة نجاح دفعت بتركيا إلى التقدم خطوات كبيرة للأمام في ظل منطقة مشبعة بالصراعات والتمرد والخيانة.. وهو مكسب لو تعلمون عظيم، بعيدا عن صبيان السياسة وعوالم الإعلام المدجن في مناطق مجاورة انكفأت على الذات وتراجع دورها وصارت مرتعا للصوص، وعليها أن تعيد النظر وتتعلم من التجربة التركية بل السورية دروسا مهمة قبل فوات الأوان.
---------------------------
بقلم: هشام لاشين