30 - 04 - 2025

عرفت هؤلاء من أبطال حرب أكتوبر 1973: العقيد حلمي زكي

عرفت هؤلاء من أبطال حرب أكتوبر 1973: العقيد حلمي زكي

زرت مؤخرا العقيد حلمي زكي في منزله العامر، وتجاذبنا الحديث عن مشواره العسكري ودوره في حرب الاستنزاف وفي حرب أكتوبر 1973، وفتح لي قلبه في هذه الليلة، والمعروف عن بطلنا أن له صفات جمة يشاركه فيها الأبطال الذين اشتركوا في حروب مصر ومنها التواضع وإنكار الذات.. أردنا أن نقترب منه أكثر ونسرد بطولاته ومشواره في القوات المسلحة منذ تخرج في نهاية عام 1969 وخدم في الصاعقة واشترك في حرب الاستنزاف ونفذ العمليات الناجحة في سيناء، ثم عاد إلى سلاح المشاة وشارك في حرب أكتوبر 1973 في إحدى وحدات الفرقة 16 مشاة التي كانت النسق اليمين للجيش الثاني الميداني، وأبلت بلاء حسنا واستولت على العديد من نقاط خط بارليف، وخاضت المعارك الضخمة ومنها معركة المزرعة الصينية.. أصيب حلمي زكي في المعركة إصابة بالغة وعندما تماثل للشفاء صمم أن يرجع إلى الجبهة ويكمل مشوار النصر..  

وفي السطور نتعرض لمشواره في الحياة وفي القوات المسلحة مستعينا بهذا الحوار الذي أجريته معه والحوارات السابقة التي أدلى بها للصحف والمجلات. 

ولد حلمي زكي محمد عبد العزيز في 25 سبتمبر 1949 في حي الدقي بالجيزة بالجيزة لأسرة تمتد بجذورها إلى محافظة الدقهلية، كان والده يعمل في وزارة التربية والتعليم، وشب على حب الوطن لأنه ابن لثورة 23 يوليو 1952، وكان الشعور الوطني والانتماء معززاً لدى كل الناس، ويذكر أنه التقى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثناء سيره في شوارع القاهرة فهلل قائلا (يا ريس نفسي اسلم على حضرتك) فسمح له بذلك وقد قبل الرئيس يد الطفل حلمي.

تعلم حلمي زكي في المدارس الحكومية في الجيزة، حتى حصل على شهادة الثانوية العامة من المدرسة السعيدية عام 1967، وفي هذا العام حدثت هزيمة يونيو، ولم يستسلم الشعب لهذا العدوان الغادر، فخرج عن بكرة أبيه يطالب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالعدول عن التنحي، والاستعداد للأخذ بالثأر من العصابات الصهيونية في حربها الخاطفة ضد عدد من الدول العربية، والتحق حلمي زكي بالكلية الحربية في 10 بريل عام 1968، بعد أن مكث في كلية التجارة قرابة العام وعندما أعلنت الكلية الحربية عن قبول دفعة قدم أوراقه في شهر مارس واجتاز كل الاختبارات وكان مدير الكلية الحربية اللواء أ.ح محمود زكي عبد اللطيف، وكان الوقت فارقاً في تاريخ مصر .. الكل يعمل على قدم وساق .. وكانت أوقات التدريب بالكلية تبدأ في الخامسة والنصف صباحاً، إلى العاشرة مساءً وقد شهدت الدفعة جنازة الفريق أول عبد المنعم رياض والذي استشهد بين جنوده على خط النار.

تخرخ الملازم حلمي زكي في الدفعة (56 حربية) في 20 نوفمبر 1969، وبعد تخرجه حصل على فرقة معلمي الصاعقة وتوزع على الكتيبة 13 صاعقة، وفي تلك الأثناء اشترك في معارك حرب الاستنزاف ومنها عملية الإغارة على إحدى دوريات العدو في منطقة التينة جنوب بورسعيد وتم تدمير رتل مدرع للعدو، وانتقل بعد ذلك للخدمة في الكتيبة 23 صاعقة التي تتبع المجموعة 132 صاعقة في رأس غارب.. وكان يقود الكتيبة النقيب سمير محمود يوسف أحد أبطال الصاعقة المصرية وقد عملت الكتيبة على حماية الأهداف الحيوية في هذه المنطقة وقد حاول العدو مرارا تشتيت اهتمام القوات المسلحة عن القتال في الجبهة الرئيسية في قناة السويس ولكن لم يحقق أياً من أهدافه.

في حرب أكتوبر 1973: 

انتقل النقيب حلمي زكي إلى اللواء 16 مشاه التابع للفرقة 16 مشاه في نطاق الجيش الثاني الميداني، وبالتحديد في الكتيبة 18 التي كان يقودها المقدم أحمد إسماعيل عطية، واشترك مع أبطال الكتيبة في حرب أكتوبر، وكان قائد ثان سرية مشاة، وقد عبر في الموجات الأولى للعبور في منطقة الدفرسوار، وتم تنفيد المهمة الموكلة للكتيبة وهي التوغل في الشرق مسافة أربعة كم، بدون أن تضرب عليها أي طائرة إسرائيلية طلقة واحدة بفضل حائط الصواريخ، والجميع يعلم أنه في اليوم الأول تستهلك الوحدات حوالي 70% من الذخيرة، فعهد إليه قائد الكتيبة في نهاية اليوم بالقتال مساء يوم 6 أكتوبر، فعبر النقيب حلمي من الشرق إلى الغرب، وظل طوال الليل في تجهيز خمسة عربات ذخيرة من جميع الأعيرة من المسدس إلى RBJ، وفي صباح يوم السابع من أكتوبر، قاد العربات الخمس ليعبر بها من كوبري الفرقة 16 وأثناء تقدمه في الشرق اشتبكت معهم القوات المعادية في حصن الدفرسوار، وتوقف النقيب حلمي، بعدها ليناور حتى لا تتعرض العربات لدبابات ومدفعية العدو، وتصل إلى القوات في سيناء، ويقول العقيد حلمي: "أخذت العربات بالإضافة إلى العربة التي كنت استقلها ومعي ضابط والسائق وستة دانات مضادة للدبابات، ففوجئت بالمنطقة أمامي أكثر سخونة وأشد قتالاً على طول الجبهة، لأنها كانت منطقة الدفرسوار بالفعل استطعنا العبور من ثغرة فتحها لنا المهندسون العسكريون، وبمجرد أن عبرنا إلى الشرق فوجئنا بنيران مكثفة ناحيتي وتجاه عربات الذخيرة، واستطعت أن أستتر مع العربات، لكن بقيت المعضلة الكبرى، كيف سنصل إلى الوحدة وسط كل هذا الضرب المباشر من الهاون والمدفع نصف بوصة؟ فكرت كثيراً فعلى الأقل لابد أن أصل بأربع عربات لتوصيل الذخيرة إلى الكتيبة".

ثم يضيف: "وعند هذه النقطة استعدت ما تعلمته في الجيش، عند الوقوع في مأزق، لابد من إجراء خطوتين: أولاً تقدير الموقف، وثانيا: اتخاذ القرار في أقل من ثانية .. وهذا ما قمت به، قدرت الموقف، فوجدت أنني لن استطبع التحرك بعربات الذخيرة وترك مصيرنا لصدفة، فطلقة واحدة من الممكن أن تفجر العربة بأكملها، ولم أجد أمامي إلا حلاً واحداً واتخذت القرار وهو أنني سأتحرك بعربتي والتف حتى اصبح في مواجهة النقطة القوية للعدو وسأزود سرعة العربة وأنا فيها حتى يفجروها لوجود ست دانات وتنكين بنزين، فتحدث عند انفجارها دخاناً أسود كثيفا سيحجب النقطة القوية وفي هذا الوقت سيعبر سائقو العربات بالذخيرة". 

وبعد أن انقشعت سحب الدخان أصبح النقيب حلمي زكي في مرمى نيران العدو فتعرض لإصابة بالغة في ظهره وظل ينزف حتى أحس بشلل في نصفه الأيمن وظل بجوار النقطة من الثانية ظهراً حتى جن الليل وهو مكانه، وجاء ضابط استطلاع الكتيبة وحمله على كتفه حتى وصلوا إلى قيادة الكتيبة 18، وأمر قائد الكتيبة المقدم أحمد إسماعيل عطية بإخلائه إلى الغرب، وأثناء توجهه استوقفه أمن الكتيبة 16 مشاه وقاده إلى قائدها المقدم أ.ح محمد حسين طنطاوي (وزير الدفاع فيما بعد)، وشجعه وربت على كتفه وقل له: (يا بطل عايز تمشي من غير ما أشوفك)، وتم إخلاؤه إلى مستشفى القصاصين، ثم إلى مستشفى كوبري القبة بعد ذلك، وأجريت له عملية فائقة الدقة لاستخرج الشظايا من جسمه، وتم استخراج اثنتين، وبقيت الثالثة معه حتى اليوم.. وقد زارته في السنشفى السيدة جيهان السادات قرينة الرئيس محمد أنور السادات، بصحبة الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشئون الاجتماعية، وقالت له مقولة لم ولن ينساها: (الشظية اللي في جسمك شرف لنا جميعاً). 

وبعد أن تعافي النقيب حلمي زكي ذهب إلى إدارة المشاة والتي وزعته على عمل إداري في التشهيلات العسكرية، ورفض هذا التعيين، ورجع إلى وحدته في الشرق، وظل بها إلى عام 1976 ورقي إلى رتبة الرائد وعين قائد سرية بالكتيبة 16 باللواء 16 مشاه.. وكان قائدها المقدم خليل مسعود، ومن الأشياء التي ذكرها لي هو استقباله للملازم صدقي صبحي سيد أحمد بعد تخرجه في الكلية الحربية عام 1976، وكان يدين له بالفضل وظل الفريق أول صدقي صبحي يوده حتى اليوم. 

انتقل الرائد حلمي زكي إلى جبل الطور، وتم إبلاغه في 23 إبريل 1982، في مجموعة ضمت العديد من الضباط من مختلف الرتب اللواء والعميد والعقيد والمقدم والرائد والنقيب والملازم أول والملازم، إضافة إلى عدد من ضباط الصف، وكانت هناك تعليمات من مندوبي وزارة الخارجية للتعريف بكيفية التعامل مع الموقف، لأنها كانت أول مواجهة مع الاسرائيليين.. 

ويقول العقيد حلمي زكي: "وفي صباح هذا اليوم استقلينا الطائرات وكان يصحبنا عدد من الإعلاميين والصحفيين وكنا نتبادل الحديث، ولكن أول ما هبطت الطائرة على أرض المطار انتابنا جميعاً الصمت، وأصبحت لغتنا لغة العيون، وعند هبوط الطائرة استقبلنا الإسرائيليون استقبالاً حاراً وبابتسامة وكل منا أخذته مجموعة من الاسرائيليين وحرص الاسرائيليون على وجود العنصر النسائي وكان الجميع يتحدث العربية وتحدث الوفدان بشكل ودي خارج السياسة وخارج الحرب كما هو مقرر.. وبدأت المراسم والموسيقى وبدأ إنزال العلم الاسرائيلي وكنت أشعر بفرحة لا توصف إلا إننا كنا متماسكين وكان الساري عال جداً وكنت أتوق أنا وزملائي لرؤية العلم المصري يرتفع مرة أخرى وفي إنزال العلم الاسرائيلي سمعت صوت بكاء المجندة الإسرائيلية وحدثت نفسي بأنها دموع التماسيح وجاءت لحظة رفع العلم المصري على الساري وعندما بدأ يرتفع بكيت من الفرحة فكان بكاء المجندة بكاء الخزي وعار الهزيمة والحزن والمهانة وكان بكائي بكاء العزة والكرامة والفخر والانتماء وحب الوطن، وبعد انتهاء المراسم غادر الإسرائيليون وكنت اتمنى أن أكسر وراءهم عربة قلل". وتم استلام  آخر نقطة في سيناء يوم 25 أبريل 1982.

 ثم خدم الرائد حلمي زكي بعد ذلك بمركز 3 مشاه، وترقى إلى رتبة المقدم ورجع إلى الكتيبة 18 مشاة مرة أخرى رئيساً لعمليات الكتيبة في الفترة من 1984 وحتى 1986 وبعد انتقل للعمل في عمليات الفرقة 16 مشاة حتى إحالته إلى المعاش في يوليو 1988 برتبة عقيد.. 

 بعد تقاعده من القوات المسلحة عين العقيد حلمي زكي في شركة مصر للسياحة في قسم العمليات والحجز حتى خروجه للمعاش في سن الستين في سبتمبر 2009.  
-----------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال 
* كاتب ومؤرخ مصري