هذه هي روح الجمعية العمومية للصحفيين التي تجلت في تجمعها الملفت بالمؤتمر العام السادس الذي دعا إليه مجلس نقابة الصحفيين.
هذه هي التركيبة الخاصة جدا لعقل جمعي يتغذى من معين لا ينضب، فيه كثير من الخبرات والتقاليد المتراكمة والممتدة.
وهذا هو جيل جديد يطل، يُسمعنا صوته ويشرح لنا واقعه وأوجاعه وإصراره علي حفر مجري يذهب به إلي مستقبل يعبر عن أحلامه.
جاءت دعوة المؤتمر وسط اجواء يأس وإحباط وإشارات حول توقيته، وكأن اقتراب الإنتخابات يجعل منها مأخذا وهي الآلية التي تم إقرارها لتكون حافزاً للتقييم والمحاسبة،
ولم يشكك أحد من جيلي في نوايا النقيب مكرم محمد أحمد الذي كثيرا ما اختلفنا معه عندما دعا لمؤتمر عام في يناير ١٩٩١ قبيل فتح باب الترشيح لانتخابات تجديد فترته الثانية بأسابيع قليلة، بل استغرقتنا المهمة وما كنا نسعى إلي تحقيقه من خلال المشاركة في أعمال هذا المؤتمر المهم، والذي شاركت قامات صحفية كبيرة في أعماله.
نعم اتفقنا واختلفنا حول جدوي المؤتمر الاخير قبل انعقاده، وكنت ومازلت أرى ان مجرد أن نلتقي ونتحاور هو هدف في حد ذاته ولا يحتاج منا الاحتياط والتحوط وتوفير الشروط والضمانات.
ثم طرحنا السؤال المشروع .. بعد انتهاء" المكلمة" أو في قول آخر بعد خروج التوصيات ماذا سنفعل بها!!
وكأن السلطات التنفيذية والتشريعية قد دانت لنا، وأصبحنا لها آمرين ، رغم أن الثابت من تاريخنا النقابي يؤكد أن أجيالا وراء أخرى كابدت حتى تترك لنا ما نفخر به ونعتز.. لذلك نقدر ولا نحاسب هؤلاء الأجداد الذين أضناهم الشوق لنحو ٥٠ عاما حتى لامسوا حلمهم في إنشاء كيانهم النقابي، كما أننا ظللنا عاما كاملا في جمعية عمومية مفتوحة حتى نسقط قانونا جائرا، ونحن الذين لم نسخر ممن علمونا أن معارك الديمقراطية والحقوق في اوطاننا مازالت معارك النفس الطويل التي تُكسب بالنقاط، وها نحن مدعوون مع مجلس النقابة أن نستكمل مهمة السعي لتنفيذ ما توصلنا اليه، خاصة ما كشفه الاستبيان من حقائق رغم معايشتنا لها لكنها بدت صادمة وموجعة ومرعبة، مهمتنا من وجهة نظري بدأت، وجدول أعمالنا أصبح معلنا في كتاب مفتوح، وهي مهمة معلقة في رقبة كل منا وليست علي طريقة "هاتوا لي حبيبي" التي كان يمازحنا بها نقيب النقباء كامل زهيري عندما يجد أيا منا متقاعسا أو متواكلا في حق نقابي.
ولكن لا يقلل كل ذلك من قيمة الاختلاف بين شركاء في نقابة رأي أو من وجهة نظر تصوب هنا أو تصحح هناك.
المهم الآن أنه عندما دارت عجلة المؤتمر والتقت وجوه الزميلات والزملاء والأبناء من كل الأجيال والأعمار، مبتسمة متهللة يحدوهم الامل ويسبقهم الحماس مشاركين في الحوار بمختلف الجلسات حول الهموم ويحاولون محاولة جادة فتح أفق جديد ينتصر فيه المستقبل قلت في نفسي: الحمدلله.
فهذا المؤتمر الذي استهلك البعض وقتا في شرح تفاصيل لجانه، وجدول أعماله، وإبداء الملاحظات حول من تمت دعوتهم ومن لم تتم، لخص نفسه في عبارات محددة أكد عليها الكل في نفس واحد وفي جلسات تُعقد في قاعات متباعدة وتحمل عناوين مختلفة- أنه لا أفق بدون حرية، ولا مهنة بدون حياة كريمة، ولا صحافة إلا بادوات العصر حتى نستعيد بالمصداقية ثقة مواطن انصرف وأعطي لنا ظهره، لأنه في النهاية هو المبتدأ والخبر.
نجاح المؤتمر اللافت في جلستي الافتتاح والختام والإقبال الكثيف على المشاركة في جلساته التي امتدت على مدى يومين يبعث على الأمل، وبرسالة فيها من الشجن كما فيها من الشجاعة والإصرار على تغيير الحال الذي اصبح من المحال السكوت عليه ، والأهم أننا كسبنا كوادر تحظى بالاحترام والتقدير والحيوية بدأت باختيار موفق لشخص الأمين العام الصديق والزميل العزيز الدكتور وحيد عبدالمجيد والزملاء الاعزاء اعضاء الامانة العامة، ولفيف من الشباب الذين بعثوا الحياة والحيوية وأعطوا في صمت وسطروا بحب وتفاني كثيرا من ملامح هذا النجاح، وكتبوا شهادة ميلاد جيل جديد أصبحت النقابة جزءا من وجدانه، ولا ينتظر أن يشكره أحد أو يشيد به أصحاب المقالات المؤيدة او الناقدة !.
انتهى المؤتمر وأفصح عن رسائله، لكن هل تصل إلى كل معنىٍ بالأمر، وهل يفهم كل مهتم محتواها في هذا التوقيت الفارق.
نحن نسعى، وسيستمر سعينا ما استطعنا، وكما قال سقراط تكلم حتى أراك، وقد قال المؤتمر كلمته فهل يراها كل مبصر!!.
------------------------------------
بقلم: يحيى قلاش *
* نقيب الصحفيين السابق