19 - 06 - 2025

ما أشبه اليوم بالبارحة.. مصائر قاسية بين الهروب والقتل لحكام عرب

ما أشبه اليوم بالبارحة.. مصائر قاسية بين الهروب والقتل لحكام عرب

شهد التاريخ القريب العديد من الانقلابات والثورات التي أطاحت بأنظمة الحكم، وفي خضم هذه الأحداث الدرامية، غالبًا ما يلجأ الحكام المخلوعون إلى الهروب للحفاظ على حياتهم ونفوذهم، فبداية من صدام حسين الذي اختبأ من التآمر الأمريكي عليه، وصولًا إلى بشار الأسد الذي فر هاربًا إلى روسيا بعد نجاح المعارضة السورية المسلحة في السيطرة على زمام الأمور في دمشق؛ تختلف قصص هؤلاء الحكام، ولكنها تتقاطع عند نقطة واحدة، وهي محاولتهم اليائسة للبقاء في السلطة بأي ثمن.

صدام حسين

في بغداد وفي بداية الألفية الثالثة، كانت طريقة إنهاء حياة صدام حسين تراجيدية ومختلفة نوعًا ما عن الرؤساء الذين تلوه، فقد أظهرت السنوات العشرون الأخيرة أن نهايته كان مُخططا لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب سياسية وطمع في ثروات العراق.

ثلاثة أسابيع كانت كافية للقوات الأمريكية من أجل حسم مصير النظام والسيطرة على بغداد في التاسع من أبريل 2003، وبررت أمريكا حربها بوجود أسلحة دمار شامل نووية وكيميائية على الأراضي العراقية، لكن في النهاية لم يتم العثور على أي تلك الأسلحة.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أمهل في 17 مارس 2003، الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، 48 ساعة للرحيل من العراق مع ابنيه عُدي وقُصي، أو مواجهة الحرب.

وبرغم انتهاء المهلة الأمريكية، إلا أن الهدوء كان يُخيِّم على بغداد، وفي 20 مارس 2003 أعلن جورج بوش انطلاق العملية ضد صدام حسين التي أطلق عليها الأمريكيون اسم "عملية حرية العراق"، وانهال وابل من الصواريخ العابرة على أحد أحياء العاصمة العراقية.

انهار النظام في التاسع من أبريل، وستبقى صورة إسقاط تمثال ضخم لصدام في وسط بغداد عالقة في الذاكرة، فقد انتزعته دبابات أمريكية من قاعدته ثم داس عليه العشرات من العراقيين الفرحين أمام الكاميرات وأنظار العالم كله.

اختفى صدام حسين عن الأنظار لأشهر على الرغم من إعلان الولايات المتحدة تخصيص 25 مليون دولار جائزة لمن يعثر عليه، وبعد مطاردة استمرت تسعة أشهر، أوقف صدام حسين في 13 ديسمبر 2003، بعد العثور عليه مختبئًا في حفرة في قبو مزرعة قرب تكريت، ثم حُوكم وأُعدم شنقًا يوم عيد الأضحى! أواخر العام 2006.

زين العابدين بن علي

توفى الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، في التاسع عشر من سبتمبر عام 2019، عن عمر ناهز 83 عامًا، في مستشفى بمدينة جدة بالسعودية، حيث أقام منذ هروبه من البلاد بعد الثورة الشعبية ضده في عام 2011.

وحكم بن علي، تونس منذ عام 1987 إلى عام 2011، واضطر إلى التخلي عن السلطة تحت ضغط ثورة شعبية كانت الشرارة الأولى لموجة من الثورات في الدول العربية.

وبدأت الاحتجاجات في تونس في نهاية 2010، بعدما أشعل الشاب محمد البوعزيزي النيران في نفسه، تعبيرًا عن غضبه على معاناته البطالة ومصادرة الشرطة البلدية عربة الخضار التي يقتات منها، مما أشعل الغضب عند جموع التونسيين الرافضين لتردي أوضاع بلادهم التي يعاني شعبه البطالة وغياب وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم، فضلًا عن كبت الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.

ورغم أن بن علي، أُجبر على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى المتظاهرون بحلها، إلا أن الاحتجاجات توسعت وازدادت مما اضطر بن علي إلى ترك السلطة ومغادرة البلاد فجأة عشية يوم الجُمعة 14 يناير 2011 بعد حكم دام 23 عامًا.

علي عبد الله صالح

وفي اليمن؛ أعلن الحوثيون وقيادات في حزب المؤتمر الشعبي في 4 ديسمبر 2017، مقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح.

وكانت احتجاجات اندلعت في اليمن في فبراير 2011، مطالبة بإسقاط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، متأثرة بموجة التظاهرات التي انطلقت من تونس إلى مصر وانتهت بهروب الرئيس التونسي بن علي زيد العابدين وتنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك.

ووُجهت هذه الاحتجاجات بعنف مفرط من قوات الأمن اليمنية، مما جعل المتظاهرون يتمسكون بمطلب تنحي الرئيس ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف.

لم تفلح خطابات الرئيس علي عبد الله صالح، الداعية إلى الجلوس على طاولة الحوار، في تهدئة المحتجين، وانضمت أحزاب المعارضة إلى الاحتجاجات والاعتصامات، وأمام هذه التطورات ترأس صالح اجتماعًا لقادة القوات المسلحة لمناقشة دورها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وعرض على المعارضة تشكيل حكومة وحدة وطنية مبديًا استعداده للرحيل وفق خطة تضمن انتقالًا سلميًا للسلطة، غير أن المحتجين وأحزاب المعارضة رفضوا هذه العروض وتشبثوا بمطلب إسقاط النظام.

وطرح صالح مبادرة جديدة في مارس 2011، تتضمن الانتقال من نظام الحكم الرئاسي إلى النظام البرلماني، والاستفتاء على دستور جديد للبلاد، وتوسيع نظام الحكم المحلي، إلا أن المعارضة اليمنية وشباب الثورة رفضوا المبادرة.

وفي 18 مارس، أطلق قناصة النيران على المعتصمين في ساحة التغيير في صنعاء، بعد صلاة الجُمعة وهو ما أسفر عن مقتل 52 شخصًا وجرح ما يزيد عن 600 آخرين، وعلى إثر ذلك أغلقت المعارضة كل أبواب الحوار مع الرئيس اليمني، وأعلن الرئيس علي عبد الله صالح حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر.

بعد هذه المجزرة انشق عدد من القادة العسكريين في القوات الجوية عن الجيش اليمني، وانضموا إلى الثورة الشعبية، وقدم مجلس التعاون الخليجي في أبريل 2011، مبادرة سياسية لإنهاء حالة الاحتقان، لاقت قبولًا من جانب الرئيس اليمني والمعارضة، تنص على أن يصبح نائب الرئيس عبد ربه هادي، رئيسًا للبلاد إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في غضون ثلاثة أشهر، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، وأن يقدم الرئيس صالح استقالته إلى مجلس النواب مقابل منحه ورجاله الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية.

وقَّع علي عبد الله صالح، على المبادرة الخليجية، وتشكلت حكومة الوفاق الوطني وأصدر عبد ربه منصور هادي قرارًا جمهوريًا بتشكيل الحكومة، وفي فبراير 2012 أُجريت انتخابات رئاسية مبكرة أسفرت عن فوز عبد ربه منصور هادي، المرشح الوحيد، وسلَّمه علي عبد الله صالح السلطة رسميًا في 27 فبراير 2011، ليقود البلاد في مرحلة انتقالية دامت عامين.

وسرعان ما انقلب صالح على المبادرة الخليجية وتحالف مع جماعة الحوثي وسيطروا على العاصمة صنعاء عام 2015، ودخلت البلاد في حرب مفتوحة خلَّفت إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، إلى أن أعلن الحوثيون مقتله في ديسمبر 2017.

معمر القذافي

في 17 أكتوبر 2011، قُتل العقيد معمر القذافي خلال معركة سِرت، حيث عثرت عليه قوات المجلس الوطني الانتقالي مؤكدًا أنه توفى متأثرًا بجراحه التي أُصيب بها في معركة بالأسلحة النارية.

وانطلقت الثورة الليبية في فبراير 2011، على شكل احتجاجات شعبية في مدينة بنغازي، ثم امتدت إلى مدن أخرى في ليبيا مطالبة بالديمقراطية وإصلاحات سياسية، على خلفية اعتقال الناشط السياسي فتحي تربل، ورغم الإعلان عن إطلاق سراحه، إلا أن ذلك لم يحل دون تصاعد الاحتجاجات حتى تحولت إلى معركة مسلحة بين القوات الموالية للقذافي، والمعارضة.

ومع تصاعد الصراع وتوسع نطاق المواجهات، تدخلت القوات الدولية عسكريًا لدعم المعارضة الليبية وحماية المدنيين، بشن غارات جوية وفرض منطقة حظر للطيران، مما أدى إلى سقوط نظام معمر القذافي بعد سيطرة المعارضة على العاصمة طرابلس ومدينة سرت آخر معاقل النظام.

بشار الأسد

أٌسقط تمثال بشار الأسد كما أُسقط تمثال صدام حسين منذ عشرين عامًا، وغادر بشار وعائلته، الأراضي السورية متجهًا إلى روسيا، بعد حصوله على حق اللجوء السياسي في 6 ديسمبر الحالي، وذلك بعدما نجحت الثورة السورية بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا، في إسقاط النظام، بعدما حققت المعارضة السورية المسلحة تقدمًا كبيرًا مناطق عدة بالأراضي السورية.

ومنذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة في مدينة درعا بسوريا في 2011، تطورت الأزمة السورية بشكل متسارع وتحولت إلى حرب أهلية معقدة تدخلت فيها قوى إقليمية ودولية، مما زاد من تعقيد الأوضاع الإنسانية والسياسية، أدت إلى ظهور تنظيمات متطرفة استغلت الفراغ الأمني، وإلى تهجير أكثر من 5.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في البلدان المجاورة بما فيها تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، وبعض الدول الأوروبية.

فمع أن هذه الثورات قد حققت مرادها في التغيير وأطاحت بأنظمة الحكم، إلا أنها فتحت الباب أمام تحديات جديدة، مثل الصراعات المسلحة والانقسامات الطائفية والأزمات الاقتصادية، وتبقى الشعوب وحدها تواجه مصيرها.
----------------------------
تقرير - إيمان جمعة