18 - 06 - 2025

أروندهاتي روي الفائزة بجائزة "بينتر": ليست هناك قوة على الأرض تستطيع إخفاء الجرح الفلسطيني

أروندهاتي روي الفائزة بجائزة

الأديبة الهندية الفائزة أمام في حفل رسمي حضره كبار صحفيي وكتاب العالم:

- لــن أدخــل فـي لعبة إدانة المقاومة ولــن أسمح لنفسي أن أقـول للمضطَهد كيف يقاوم الاضطِهاد، أو مع من يتحالـف؟ فالسبب الرئيسي وراء العنف ووراء 7 أكتوبر، هو الاحتلال الإسرائيلي

-  رغم تـصاعـد الـرعـب وهـول الحـرب فـي غـزة ولـبنان يـعلم الجميع انـه يـومـا مــا، مــن النهــر إلى البحــر، ســتكون فلســطين حــرة

- الدول الأوروبية وأمريكا مهدت لهذه الإبادة الجماعية في غزة كي تخفف عنها وطأة الـذنب الكبير لدورها في الإبادة الجماعية الأولى

- "إسرائيل" تتصرف كطفل مـشاغـب لعائلة ثرية يرتكب الـفظائـع والعائلة تراقبه بابتسامة وبفخر ولذا فقد الإسرائيليون كل ما يمت إلى الإنـسانـية بصلة

- أروندهاتي روي تسأل الحضور: "من منكم ســيرضــى بــالامتهان الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ عقود طويلة فــي غــزة والــضفة الــغربــية؟  بعدما قبلوا شروط الـركـوع وأكـل الـتراب؟"

- أمـريـكا تخلت عـن حـريـة الـرأي المقدس لـديـها لـتمنع المتظاهـريـن من رفـع شـعار، بـينما يـعرض نـتنياهـو خـارطـة مـحا مـنها فلسـطين، فـيصفقون لـه ويـنعتوه بـصاحـب رؤيـة لـتحقيق الحـلم الـيهودي! 

نـالـت الأديـبة والـناشـطة الـهنديـة أروندهـاتي روي عـلى جـائـزة "پـينتر" الـسنويـة التي تمنحها مـؤسـسة پـي (الـقلم) الـعالمية فـي لـندن لهـذا الـعام. وقد قدمت الـجائـزة لـها فـي الـعاشـر مـن أكـتوبـر المنصرم، فـي حـفل رسـمي حـضره كـبار الـكتاب والـصحفيين فـي الـعالـم. ويـحصل عـلى هذه الجائزة كـل صاحب قلم يتميز بـنشاطـه مـن أجل السـلم والعدالة الاجـتماعـية، وسميت هذه الـجائزة بـاسم الكاتب والمسرحي ـ والمخرج والممثل ـ الانكليزي هارولد پينتر الذي فاز بجائزة نوبل عام 2005، ثلاثة أعوام قبل وفاته وهذا الكاتب كان معروفاً بنشاطه ضد الحـروب ومـن أجـل السلام، واعــترض فــي كافة المحافـل الثقافية والعلمية المتاحة له على الحرب الباردة منذ ستينيات القرن الماضي، كـــذلـــك ضـــد الحـــروب الـــتي أشـــعلتها الولايـــات المتحـــدة فـــي جـــنوب امـــريـــكا وكـــافـــة حـــروب الـــناتـــو، واجـــتياح الـــعراق، وغـــيرهـــا مـــن الحــروب الــتي اشــترك بــلده فــيها. كــما انــه كــان مــن الــناشــطين الــبارزيــن ضــد الــنطام الــعنصري فــي جــنوب افــريــقيا. وعــلى نــفس مــنوال هـارولـد پـينتر، نجـد الـكاتـبة الـعالمـية ارونـدهـاتـي روي الـتي عـرفـت أيـضا بنـشاطـها مـن أجـل الـعدالـة الاجـتماعـية والاقـتصاديـة والـوقـوف بـجانـب الـشعوب والـفئات المضطهـدة فـي الـعالـم. فـهي مـن أبـرز الـناشـطين ضـد السـلطات الـهنديـة ومـا تـقوم بـه فـي كـشمير، وضـد الـتامـيل ، ومــنذ ســن مــبكرة ولــم تــتوقــف عــن ذلــك لــيومــنا هــذا، رغــم انــها دخــلت الــسجن بســبب نــشاطــها، ولــكنها لــم تــمض فــيه ســوى يــوم واحــد، بــعد ان اخــتارت ان تــدفــع غــرامــة مــالــية بــدل الــحبس. وعــلى الــصعيد الدبــي، فــازت روايــتها "إلــه الأشــياء الــصغيرة" بــجائــزة الــبوكــر عــام 1997، وبــجائــزة لانــان لحــريــة الــثقافــة عــام 2002، وجــائــزة ســيدنــي للســلام فــي مــايــو 2004، ونــالــت ســيناريــوهــات الأفـلام الــتي كــتبتها عــلى الــعديــد مــن الــجوائــز فــي الــهند وخــارجــها. ومــنذ انــدلعت شهــرتــها الــعالــية قــبل ربــع قــرن، اصــبحت مــن الأصــوات العالية التي تدين الإمبريالية العالمية وتنعتها بالإرهاب، في كتاباتها وخطاباتها التضامنية وفي اي محفل عالمي.

حفل تسليم الجائزة

فـي حـفل تسـليم الـجائـزة المقام فـي لـندن، وبـحضور شـخصيات عـالمـية مـشهورة، اسـتهلت الأديـبة أروندهاتي روي كـلمتها بمنح كـل مبلغ الجائزة إلى منظمة غوث الأطفال الفلسطيني، ثـــم شكرت المسؤولين في منظمة پي ولجنة الختيار لتسميتها لهذا العام، وكافة الحضور، وخصت بالذكر الكاتبة والناشطة الكندية ناعومي كلين التي تشترك معها في مناصرة الشعوب والفئات المضطهدة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، رغم أن ناعومي كلين هي من أصول يهودية. وقد وقعتا سابـقاً في هذا العام، مع أكثر من مئة كاتب وصحفي، على مذكرة تدين اسرائيل وتعتبرها دولة إرهابية في هذا العام.

بدأت كلمتها بعد ذلك بالعبارة التي جاءت في رسالة الجهة المانحة لها، والتي نصت على "أن هذه الجائزة تمنح لكاتب يعرّف بالحقائق التي تحيط حياتنا ومجتمعاتنا دون أي ارتجاف أو تردد او مواراة، بل بشجاعة وإصرار حقيقي”، وعبارة "دون ارتجاف" جعلتها تتوقف للحظة لأنها امرأة تعاني الارتجاف طوال الوقت، كما قالت. ولكنها وظفت هذا التعبير وبشكل فائق الذكاء – في كلمتها، حيث استهلت بالتذكير بما قاله هارولد پينتر نفسه في مقال له، عندما ذهب في نهاية ثمانينات القرن الماضي مع وفد من نيكاراغوا لمقابلة ممثل الكونجرس الأمريكي قبل شروع الكونجرس في التصويت على منح منظمة "الكونترا" المـساعدات لدعم صراعها مع النظام في نـيكاراغوا. كان رئيس هذا الوفد قسا لكنيسة في نيكاراغـوا، وقد أخبر ممثل الكونجرس الأمريكي أن ميليشيات الكونترا جاءوا إلى بلدته التي كانت تعيش بسلام، ودمروا كل ما فيها من مدارس ومراكز صحية وثقافية، ذبحوا الأطباء وسـرقوا البيوت واغتصبوا الممرضات والمعلمات، وارتكبوا أعمالا وحشية. ولذا طلب من ممثل الكونجرس أن لا يمرروا قـرار مساعدة هذه المنظمة الإرهابية. وجاء رد ممثل الكونغرس كالتالي:"أبونا، دعني أخبرك شيئا. في الحروب، الأبرياء هم الذين يعانون دائما". قالها دون أن يرتجف! وهذه كانت من ملاحظات پينتر. كذلك ذكّرت الكاتبة بمواقف الرئيس الأمريكي رونالـد ريغان الذي شبه المجاهدين الأفغان بالآباء الأوائل لأميركا المدافعين عن حقوق الإنسان، ولم يرتجف، وقبل ذلك كانت الحرب على فـيتنام، عندما شرعت أمريكا في حربها تحت العقيدة القائلة "اقتلوا كل ما يتحرك هناك"، ولم يرتجفوا. وبعد هذه التقدمة والحديث عن الحروب التي شنتها الامبريالية على شعوب العالم دون أن ترتجف، عادت الكاتبة وبصوت ملئ بالحزن إلى ما يجري اليوم بحق الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية التي يتعرض لها على يد الجيش الإسرائيلي وبمساعدة الحكومة الأمريكية، ودون أي تردد تمارسان القتل والتجويع، دفاعا عن كيان استعماري يمارس الأبارتهايد. وعلى الرغم من أن عدد القتلى قـد جاوز عشرات الآلاف، معظمهم من النساء والأطفال، يـصرون على توسيع رقعة الحرب لتشمل لبنان أيضا، وبعد أن أكدت جميع البيانات على أن عدد الأطفال القتلى في غزة تجاوز جميع القتلى في الحروب التي شنت في العالم على مدى أكثر من عقدين من الزمن. كما أنها أشارت إلى أن الدول الأوروبية وأمريكا مهدت لهذه الإبادة الجماعية في غزة كي تخفف عنها وطأة الـذنب الكبير لدورها في الإبادة الجماعية الأولى في ألمانيا النازية. وما تعنيه هو دور الدول الأوروبية وأمريكا في رفض اليهود الألمان، عندمـا سمحت ألمانيا لهم بالخروج منها قبل الحرب العالمية. حينها أغلقت جميع الدول الأوروبية وأمريكا أبوابها أمامهم ولم تستقبل أي يهودي. وهذا ما يؤكد رغبة أوروبا الأزلية في التخلص من المواطنين الأوروبيين اليهود، ويؤكد مدى إصرار اوروبا على بقاء اسرائيل، لأنهم ان لم يكن لهم كيان فـــي فلسطين، فإنهم وبالتأكيد سيرجعون إلى أوروبا وأمريكا، الأمر الذي لاترغب به أية دولة أوروبية، ولا حتى أمريكا أو أستراليا وكندا.

وكعادة جميع مرتكبي التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ذكّرت الكاتبة، أن هذه المنظمة تقوم بنزع الإنـسانية عن الشعوب أو الفئات المستهدفة، واستشهدت بوصف مناحيم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل، أن الفلسطينيين ليسوا إلا "حيوانات وحشية برجلين فـقط" وإسحاق رابين، وهو رئيس وزراء أسـبق لإسرائيل، وصفهم "بـالجـراد، يمكن دهسه"، وصرحت جولدا مائير، رئيسة وزراء سابقة في إسرائيل: "ليس هناك فلسطينيون بتاتا". وعــند حــديــثه عــن الفلســطينيين، قــال رئــيس وزراء بــريــطانــيا ونســتون تشــرشــل، والــذي حــارب الــفاشــية:"إنه لا حق للكلب الذي يتواجد في عنبر مزرعة بأرض الزراعة، حتى وإن عاش طيلة حياته في ذلك العنبر.. وفقط للعرق الأفضل الحق في أرض الزراعة".. وعلى هذه الدعوة ولدت دولة جديدة، ليحتفى بها كأرض بدون شعب لشعب بدون أرض! دولة بمثابة نقطة سيطرة حدودية عـسكرية للانقضاض على خيرات بلدان الشرق الأوسط من قبل أوروبا وأمريكا. هكذا نشأت إسرائيل وترعرعت بدعم لا تردد فيه أو ارتجاف لما تـفعله، كطفل مـشاغـب لعائلة ثرية، يفعل ما يشاء ويرتكب الـفظائـع ضد كل مـن حولـه، بينما العائلة تراقبه بابتسامة وبفخر وتربت عـلى ظهـره بالموافـقة. ولذا فقد الإسرائيليون كل ما يمت إلى الإنـسانـية واحترام الآخرين بصلة، فنجدهم يجاهرون بأفعالهم الشنعاء فــي العالم وعلى منصات الــتواصل الاجتماعي، على عكس أمريكا في حـروبها، حيث كانت تتستر على أفعالها الوحشية لحين تسريبها او فضحها مـن قبل صحفي جـريء. وتساءلت الكاتـبة: "مـن هـم هـؤلاء؟" للتعبير عن عدم انتمائهم للإنسانية. 

هم يدافعون عما يفعلون بالعودة إلى أحداث السابع من أكتوبر، وكأن تاريخ الاحتلال بدأ منذ عام فقط.

وبعد هــذه المقدمــة، طرحت الكاتبة سؤالا خـطابيا، قالت فيه، إنه من المتوقــع منها في هــذه النقطة بالذات من كلمتها، ولكي تظهـرحياديتها وتحمي نفسها ومستقبلها عليها أن توجه الإدانة لمنظمة حماس في غـزة ولحزب الله فـي لـبنان، كـذلـك عـليها ان تـديـن الـشعب في غزة لاحتفائه بالهجوم المسلح يوم السابع من أكتوبر. وفي قولها هذا ستقدم صورة لما يجري، وأن كلا الطرفين سيئ، وماذا علينا أن نـفعل؟ دعـنا نـذهـب إلـى الـتسوق ونـنسى الأمـر بكليته. ولكنها فـاجـأت الجـميع وأعـربـت عـن رفـضها الاشـتراك فـي لـعبة الإدانـة هـذه بـقولـها: "لــن أدخــل فـي هذه اللعبة، ولكي اكون واضحة، لــن أسمح لنفسي أن أقـول للمضطَهد كيف يقاوم الاضطِهاد، أو مع من يتحالـف”.

وعلى عكس الرئيس الأمريكي الــذي صرح بأنه صهيوني رغم أنه لــيس بيهودي، فإنها لا تسمح لنفسها أن تتصف بأية صفة كانت سـوى بـكتابـاتـها وبـكونـها كـاتـبة. ولن تتغاضى عن الحقيقة التي تعرفها، وهي لكونها كاتـبة، وأنثى وغـير مسلمة فإن حياتـها لن تكون سهـلة تحت حكم حماس أو حزب الله أو الـنظام الإيـرانـي، ولكن هذا ليس محور الموضوع، بـل علينا معرفـة الـتاريخ والظروف المحيطة التي جعلت مثل هذه الأنظمة تتواجد، وأن هذه الأنظمة، بغض النظر عن طبيعتها، تحارب ضد الإبادة الجماعية الجارية النوسألت، إن كان العالم كله ضدك، فإلى أين تتجه؟ ليس لك سوى الرب والتشبث بالدين؟  وأعربت كذلك عن علمها بأن هناك العديد من الــذيــن يــقبعون فــي ســجون هــذه الأنــظمة، وان هــناك انــتهاكات قد مورسـت في السابع مــن اكــتوبــر، ولكن كل ذلك لا يرقى إلى مستوى الإبادة الجــماعــية والــتطهير الــعرقــي وجــرائــم الحــرب الــشنيعة الــتي تــرتــكبها إسرائيل والولايات المتحدة في غزة والضفة الغربــية ولبنان الآن، وأن السبب الرئيسي وراء العنف، بــما في ذلك السابع من أكتوبر، هو الاحتلال الإسرائيلي واضطهاد الفلسطينيين، لأن التاريخ لم يبدأ عند ذلك اليوم.

ولـم تـدع الـحضور يـتنصل مـن الـسؤال الـذي طـرحـته بـكل جـرأة وبـصراحـة مـتناهـية: "من منكم، أنتم الحضور في هذه الـقاعـة وفـي هـذا الاحتفال، مــن مــنكم ســيرضــى بــالامتهان الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ عقود طويلة فــي غــزة والــضفة الــغربــية؟ وما هي السبل السلمية التي لم يمارسها الفلسطينيون قبل هجوم السابــع من أكتوبر؟ وما هو حجم المساومة التي قبلوا بها والتي لا تحتم عليهم سـوى الـركـوع وأكـل الـتراب؟". وأكـدت عـلى عـدم تـمريـر الخـدعـة، بأن اسـرائـيل تـدافـع عـن نـفسها، كـلا، فهي تقوم بـعدوان مـن أجـل احتلال أراضي أوسع ومن أجل فرض سيطرتها على الفلسطينيين وعلى شعوب المنطقة. وتساءلت الكاتبة، كيف لدولة مثل الولايات المتحدة أن تـكون وسـيطاً فـي هـذه الحـرب؟ فـالشـريـك فـي الجـريـمة لا يـمكن لـه أن يـكون مـحايـداً، وبـعد كـل الـدعـم المادي والمعنوي، نـاهـيك عـن الـدعـم العــلمي والسياسي الذي قدمــه الغرب لإسرائيل، ولــم تســتثن بــلدهــا الــهند الــذي يــمد إســرائــيل بالأســلحة أيــضا. فالولايات المتحدة لـوحـدهـا قـدمـت مـا يـقارب الـثمانـية عشـرة مـليار دولار مـنذ بـدء الحـرب، فـكيف لـها أن تـكون وسيطاً. وخـاطـبت الحضور، أن الجـميع يـعلم، أنه لــو توقـف الـدعم الأمريكي لإسرائيل اليوم لتوقفت الحرب مباشرة، وعاد الأسرى الإسرائيليون إلى عوائلهم، وعاد المـسجونون الفلسـطينيون إلـى أهـلهم، وجـلست الـفئات الفلسـطينية لإيـجاد خـارطـة طـريـق لمسـتقبل شـعبهم، ولـتوقـفت مـعانـاة الملايـين. كـيف يـنعت مـثل هــذا الــتصور بــالــساذج والمـضحك؟ انــه لأمــر محــزن، أكدت الكاتــبة، واستشهدت بالملايــين مــن شــعوب المــتورطــين فــي هــذه الحــرب، فــي الـدول الحـرة، بـمن فـيهم الـيهود الـرافـضين لهـذه الحـرب، هـؤلاء خـرجـوا مـع المـلايـين الـتي خـرجـت وصـرخـت ضـد الحـرب، وهـا قـد جـاء الـيوم الـذي نـرى فـيه الشـرطـة الألمانـية تـعتقل يـهوديـا لـرفـعه شـعارا يـندد بجـرائـم إسـرائـيل الـصهيونـية بـحجة مـحاربـة الـسامـية، وهـا قـد جـاء الـيوم الـذي نـرى فـيه تخـلي امـريـكا عـن قـانـون حـريـة الـرأي المقدس لـديـها لـتمنع المتظاهـريـن من رفـع شـعار “مـن النهـر للبحـر.. فلسـطين حـرة”، بـينما يـعرض نـتنياهـو خـارطـة مـحا مـنها فلسـطين، فـيصفقون لـه ويـنعتوه بـصاحـب رؤيـة لـتحقيق الحـلم الـيهودي! وهـل نـسينا عـندمـا كـان شـعب جـنوب افـريـقيا يـتظاهـر ويـصرخ “امـانـدا” الـتي تـعني “السـلطة لـلشعب”، فهـل كـانـوا يـعنون حـرب إبـادة الـبيض؟ كـلا، وانـما الحـريـة للشعب والنهاية لدولة الفصل العنصري، كما يصرخ الفلسطيني اليوم تماماً.

وفـي الـختام حـذرت الـكاتـبة مـن تـصاعـد الـرعـب وهـول الحـرب فـي غـزة ولـبنان، والـذي سـيشمل المنطقة جـميعها، رغـم انـهم يـعلمون انـه يـومـا مــا، مــن النهــر إلى البحــر، ســتكون فلســطين حــرة. واوصــت أن نــضع عــيونــنا عــلى الــتقويــم، لا عــلى الــساعــة، فــهكذا هــي الــشعوب، بــعكس الــجنرالات، تــصارع مــن أجــل حــريــتها الــتي تــقاس بــالــتقاويــم، وكــررت “لا يســتطيع المال ولا الســلطة ولا الأســلحة والــدعــايــة العــالمــية فــي العالم كله بعد الآن أن يخفي الجرح المسمى فلسطين، ذلك الجرح الذي ينزف منه كل العالم، بما في ذلك اسرائيل".

دعوة هيرتسوغ
مــنذ اكــثر مــن عــام ومــنذ بــدايــة حــرب اســرائــيل عــلى الفلســطينيين، تــتعالــى الأصــوات يــومــيا فــي محــطات الإذاعــة والــتلفزيــون فــي جــميع أنـحاء الـعالـم، تتحـدث عـن كـل مـا هـو بـين الأرض والـسماء، ولـكن لا أجـد أيـا مـن بـرامـج هـذه الـقنوات واعـلامـييها بـالـذات ذو قـيمة تـشكل ذرة مـــن قـــيمة كـــلمة أرونـــدهـــاتـــي روي، لأن كـــلماتـــها نـــابـــعة عـــن حـــس انـــسانـــي وعـــن وعـــي لمعانـــاة الآخـــريـــن، فـــي الـــوقـــت الـــذي يجـــلس بـــعض الإعـلامـيين فـي اسـتوديـوهـاتـهم الـفارهـة لـكي يظهـروا "حجـمهم" وأهـميتهم الإعـلامـية، يجـلسون ولـساعـة او اكـثر، يتحـدثـون عـن اللا شيء أو لا يــرتــجفون، إن أردنــا اســتعارة عــبارة الــكاتــبة، مــن كــيل الانــتقادات والســباب للمقاومــة الفلسطينية، وهــم بــعلم او بــدونــه، يــمشون فــي ركـــب الـــدعـــايـــة الإســـرائـــيلية - الـــغربـــية الـــتي لا تـــرى مـــعانـــاة الـــناس فـــي غـــزة إلا مـــن زاويـــة رؤيـــة رئـــيس دولـــة الـــكيان الـــصهيونـــي، اســـحاق هـــيرتـــزوغ الـــذي صـــرح عـــلانـــية فـــي بـــدايـــة الحـــرب بـــان "لـــيس هـــناك بـــرئ فـــي غـــزة"، وبـــذا نـــزع هـــذا الـــرئـــيس صـــفة الـــبراءة الـــتي مـــنحتها الـطبيعة للأطـفال عـن أطـفال غـزة، وبـذا أعـطى الـضوء الأخـضر لـلضمير الإسـرائـيلي ان يسـتقيل ويـسمح للإسـرائـيلي أن يـقتل ويـنتهك ويسـرق ويـمثل بـجثث الموتـى ويـرتـكب أبـشع الجـرائـم. وهـكذا هـم هـؤلاء الإعـلامـيون فـي الـغرب كـما هـم فـي الشـرق وفـي الـوطـن الـعربـي، قـد أصـــابـــتهم دعـــوة هـــيرتـــزوغ. فـيا حـبذا لـــو اســـتمعوا لـــكلمة ارونـــدهـــاتـــي، ويـــا حـــبذا لـــو اســـتطاعـــوا ان يـــقومـــوا بـــمراجـــعة لـــلذات، او مـــراجـــعة لـــلمواقـــف، لـــكي يـــروا كم كانوا مخـطئين، أو مندفعين بدافع الكراهـــية لفئة ما او لحـزب مـا. إن مـــراجـــعة الـــذات لا تســـتثني المـثقفين والإعـلامـيين والـكتاب، فـنحن جـميعا فـي خـضم تـطور طـبيعي يـجعل مـن رؤيـتنا لـلأمـور نسـبية، تـختلف مـن مـكان إلـى آخـر ومـن حـدث إلـى آخر ومن وقت إلى آخر، مع بقاء الثوابت الإنسانية.

----------------------------------------
بقلم - د. سليم العبدلي
(عالم الفيزياء بجامعتي الدنمارك وبكين وكاتب ومترجم)