عقد منتدى الشعر المصري بالمقر الرئيسي لحزب التجمع في وسط القاهرة لمناقشة كتاب "المقاومة والحرية: غزة وسردية البطولة والإبادة" للمفكر نبيل عبدالفتاح المدير السابق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، شارك فيها عدد من المثقفين وأدارها الكاتب علي عطا.
ولاحظ الشاعر كريم عبد السلام أن نبيل عبد الفتاح فى كتابه الذى يتضمن مقدمتين وخاتمة وبينهما خمسة فصول، يسعى من خلال الأدوات المنهجية الحديثة إلى تفسير مقدمات حرب غزة ولبنان وتاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، ولماذا اندلعت هذه الحرب فى 7 أكتوبر 2023 والمجالات المتداخلة التى سمحت لإسرائيل بالوحشية والإمعان فى القتل والترويع وارتكاب كل فظائع الحرب، كما سمعنا عنها فى الحرب العالمية الثانية ورأيناها بالصوت والصورة فى حرب غزة لبنان.
وأضاف أن فصول الكتاب التى تبدأ بـ "ثقافة المقاومة.. الشجاعة والحياة فى الموت" ويتلوها "المقاومة والعقل العربى" والغرب المراوغ: مرايا التناقضات" و"الحروب اللغوية والخطابية" و"المآلات الغائمة بين السيولة والغموض والتواطؤات والاضطراب"، تمثل فى مجموعها رؤية متدرجة تنتطر لثقافة الحرية والمقاومة والاستقلال والتحرر الوطني، من خلال المنهج الوصفى التحليلى المدعوم بأدوات الإعلام الرقمى وشواهد وسائل التواصل الاجتماعى وأساليب المقاومة البصرية بالفيديو والبيان والصورة، وذلك فى مواجهة ما يسميه بالكلام المرسل والكلام الانفعالى والكلام الساكت.
ويؤطر المؤلف الكتاب – كما يقول كريم عبد السلام - بمجموعة من المحددات الرصينة التى يمكن من خلالها قراءة الحرب على غزة ولبنان والمشهد فى منطقة الشرق الأوسط بكاملها، ويمكن إيجاز هذه المحددات فى النقاط التالية، منها أنه إذا كانت المواقف السياسية العربية تجاه الحرب على غزة ولبنان، لم تتجاوز التنديد بالعدوان والمطالبة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات ، فمن ناحية أخرى كشفت الحرب عن وهم الردع الإسرائيلى وكسر الغرور لجيش الاحتلال وعجز الدولة العبرية عن تحرير أسراها حتى الآن وتعرضها للعديد من الضربات المؤثرة، كما كشفت عن انهيار قانونى وأخلاقى للدول الكبرى وللمؤسسات الأممية، ينذر بانجراف العالم إلى نوع من الممارسات المنفلتة غير المحكومة بقانون. ومنها أن الحرب على غزة ولبنان تنذر فى المدى المنظور بصعود حركات متطرفة بين الأجيال الشابة ومجموعات انتقامية فى أوربا والغرب عموما وموجات جديدة من الذئاب المنفردة وإلى صعود وتيرة العمليات الانتقامية فى داخل إسرائيل من أفراد غير منظمين وبدون توجيه أو تنسيق مسبق. وكذلك غموض مشروع الدولة الفلسطينية فى ظل تواطؤ القوى الغربية الكبرى مع الدولة العبرية فى نسختها المتطرفة الوحشية وتزايد أطماع إسرائيل فى السيطرة على كامل الأراضى الفلسطينية. ومن هذه المحددات أيضا أن أسئلة الما بعد ستظل مفتوحة على المستقبل، وكذلك أسئلة الحرية والتقدم العلمى والخروج من عباءة التخلف والرجعية والتطرف الدينى والاستبداد السياسى وصولا إلى مجتمع العلم والمعرفة والتقدم العلمى فى إطار الدولة المدنية التى يحكمها فعلا الدستور والقانون.
ومن جانبه لاحظ الشاعر والكاتب جرجس شكري أنه بعد أن قدم نبيل عبد الفتاح قراءة تحليلية للواقع العربى والفلسطيني وأيضا المجتمع الإسرائيلي، في الفصول الأولى من الكتاب قبل الغوص فى "طوفان الأقصى" ورد "السيوف الحديدية"، أكد أن تأثير هذه الحرب سيؤدي إلى مجموعة نتائج منها: إحياء المسألة الفلسطينية في بعض الوعي العربي المأزوم، وخاصة لدى الأجيال الشابة فى مواجهة بعض الدول الميسورة والمعسورة معا بشأن التطبيع مع إسرائيل، ويرى أيضا أن هذه الحرب أعادت طرح ثنائية التقدم والتخلف، ومعها الثنائيات المتضادة حول الحرية والاستبداد، الاستغلال والعدل الإجتماعي، حول الغرب والإسلام والآخر.
وأضاف شكري أنه من خلال فصل حمل عنوانا دالا: "الغرب المرواغ في مرايا التناقضات"، يبرز الكاتب سياسة الغرب في دعم الإسلام السياسي وعناصره ثم وصفه بالإرهاب؛ "حيث قامت كل من أمريكا وبريطانيا بتوظيف الإسلام سياسيا فى مواجهة التحرر الوطني ووضعت معايير مزدوجة، فحين يتم توظيف الإسلام السياسى لصالح الغرب لا يصبح إرهابا ـ ولكن حين يمس مصالح هؤلاء يصبح إرهابا وتطرفا".
وأوضح شكري أن الفصول الثلاثة السابقة مع المقدمة ليست سوى تمهيد للفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان "الثورة الرقمية" حيث يؤكد الكتاب لقارئه أن الحرب الآن لاتعتمد على الصواريخ والقنابل والطائرات، بل على مخزون هائل من اللغة وعتادها من الكلمات والمجاز والمعاني المرواغة؛ ربما يقول البعض أن هذا معتمد منذ زمن بعيد. نعم، ولكن الجديد هو الصورة بكل تجلياتها، والكتاب الذى أفاض فى الحديث عن الصورة والثورة الرقمية جعلنى أتساءل: هل كان للصورة / للثورة الرقمية الكلمة العليا في هذه الحرب، أي هل نجحت فى تغيير الأحداث؟ لقد مرما يزيد على عام وإسرائيل مازالت تدمر وتقتل وتذبح وترتكب كل الجرائم، تفعل ما تريد، والمقاومة تسير في طريقها والضحايا بين الواقع والصورة في ازدياد!
ورأى جرجس شكري أن خطاب اللغة وتأثيرها وقوتها الذي اعتمد عليه نبيل عبدالفتاح في كتابه، يؤكد أننا أمام لغة اعتمدت على المفارقة والمجاز وكل أشكال البلاغة فلم تكن لغة عادية، وبالتالى ليس غريبا أن يخصص جزءا حول خطاب الحرب فى القرن العشرين وصولا إلى الحرب اللغوية الحالية، حرب اللغة وعتادها من المفردات والمجازات التى يستخدمها القادة، ولا يذهب مباشرة إلى غزة مع إسرائيل وحركة حماس، قبل أن يلقي نظرة فاحصة على أشهر الخطابات في الحروب من خلال شخصيات الساسة يؤكد من خلالها أنه فيما مضى كان أهل السياسة أصحاب شخصية ثقافية وسياسية مثل هتلر وموسولينى وتشرشل وستالين وغيرهم، كان الخطاب ناتج خبرات سياسية مقابل خطاب الأطراف المتصارعة الآن ممثلة في المقاومة وإسرائيل، ويقسمها ما بين خطاب توراتي تأويلي في إسرائيل، أو خطاب سياسي تطبيعي ما ينشده هو الهدنة ووقف إطلاق النار، أو خطاب يضفي شرعية دينية على الحرب مع حماس، فى مقابل خطاب الصورة بكل تجلياتها الخطاب المرئي الذي يصفه الكاتب بـ "الفيديو الطلقة لجيل زد"، القادم من تفاصيل الحياة اليومية أو من يوميات الحرب. وفي هذا الجزء أيضاً – يضيف شكري - يتأكد للقارئ أن المشهدية الرقمية لا تقل فاعليتها عن الآليات العسكرية، هذه المشهدية التي يصفها الكتاب بأنها تعتمد على الإيقاعات السريعة المتلاحقة من تفاصيل ويوميات اعتمد عليها الطرفان كجزء أساسي من خطاب النصر؛ لتلعب دورا كبيرا في مسار هذه الحرب، ومن النتائج الهامة التى توقفتُ أمامها في هذا الجزء أن فاعلية المشهدية الرقمية أدت إلى تداخل زمن الفعل مع زمن الصورة، ومن ناحية أخرى هي توثيق مرئى لهذه الجرائم.