في الوقت الذي يشتد فيه النزاع الدائر في قطاع غزة، ويشهد العالم تصاعدًا في التصريحات الدبلوماسية والسياسية، تزايدت الضغوط على دولة قطر بسبب استضافتها لبعض قيادات حركة "حماس".
وقد انتشرت في الأيام الأخيرة مزاعم أمريكية وإسرائيلية ضد قطر، تتهمها بأنها توفر "ملاذًا آمنًا" لقيادات "حماس"، وتدعم الأنشطة السياسية والعسكرية للحركة، ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الدولية، ومع تصاعد هذه الضغوط، أصبح واضحًا أن قطر تتعرض لموجة من الانتقادات تتزامن مع تدهور علاقاتها بالولايات المتحدة على خلفية هذا الملف.
قطر: دور الوساطة بين القوى الإقليمية والعالمية
لطالما كانت دولة قطر تتمتع بسياسة خارجية نشطة ومتوازنة، تهدف إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف في المنطقة والعالم.
في هذا السياق، قامت الدوحة بدور الوسيط في العديد من القضايا المعقدة، بدءًا من النزاع السوري وصولًا إلى القضية الفلسطينية.
وكان أحد الأبعاد الأساسية في سياسة قطر الخارجية هو دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما تجلى في استضافتها لعدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة، ومن بينهم قيادات حركة "حماس"، لكن لا يمكن للمرء أن ينكر أن الدعم الذي تقدمه قطر للشعب الفلسطيني، وبالأخص لحركة "حماس"، قد أوقعها في موقف دقيق.
ففي الوقت الذي تُعتبر فيه الدوحة حليفًا محوريًا لبعض الأطراف الفلسطينية، فإنها تجد نفسها في موضع الاتهام من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تعتبران "حماس" حركة إرهابية، ولا تتسامحان مع أي شكل من أشكال الدعم المقدم لها.
موقف قطر الرسمي: دعم فلسطين دون التدخل في العمليات العسكرية
منذ بداية استضافتها لقيادات "حماس"، أكدت قطر مرارًا أنها لا تقدم أي دعم مباشر لأنشطة الحركة العسكرية أو الأعمال العدائية في غزة، بل على العكس، غالبًا ما كانت الدوحة وسيط يمكنه التأثير على سير الأحداث بشكل إيجابي، حيث تمثل محطة حوار بين مختلف الأطراف.
ومن بين أبرز أدوار قطر في هذا الصدد، مساهمتها في تسهيل عمليات التفاوض بشأن تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة.
ونجحت قطر في التوسط في إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة إسرائيلي العام الماضي مقابل 240 امرأة وطفل فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن هذا الدور الوساطي لا يلقى قبولًا من الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تعتبران أي تواجد لحركة "حماس" في قطر تحديًا مباشرًا لمصالحها الإستراتيجية.
ولهذا، تزايدت مؤخراً التصريحات من قبل المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين التي تتهم قطر بأنها تشكل نقطة انطلاق لخطط الحركة، بما في ذلك التنسيق مع إيران، وهو ما تعتبره الدول الغربية تهديدًا للأمن الإقليمي.
مزاعم أمريكية ضد قطر: الاتهامات دون أدلة ملموسة
في تطور مثير، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي كبير أن واشنطن أبلغت قطر مؤخرًا بأن وجود "حماس" في الدوحة لم يعد مقبولًا.
وجاءت هذه التصريحات على خلفية رفض حركة "حماس" لعدد من المقترحات الأمريكية التي كانت تهدف إلى الوصول إلى اتفاق بشأن الرهائن في غزة.
من جانبه، طالب أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي بإنهاء استضافة قطر لقيادات "حماس"، وطرد كبار القادة مثل خالد مشعل وخليل الحية، مطالبين بترحيلهم بشكل فوري.
إلا أن هذه التصريحات لا تحمل دائمًا الأدلة الحاسمة التي تثبت ما يُنسب إلى قطر من دعم مباشر أو غير مباشر لأنشطة الحركة العسكرية، ففي معظم الحالات، تقتصر الاتهامات على مزاعم غير موثقة، وتعتمد على الافتراضات التي تربط بين وجود "حماس" في الدوحة وبين تنسيقها مع دول أخرى مثل إيران.
من هنا، يبدو أن هذه المزاعم قد تكون مبالغًا فيها، أو حتى جزءًا من حملة ضغط سياسي على قطر لتغيير مواقفها السياسية، لا سيما في وقت حساس يشهد تغييرات كبيرة في التوازنات الإقليمية.
ونفى ثلاثة مسؤولين في حماس أن تكون قطر قد أبلغت قادة الحركة بأنهم لم يعودوا موضع ترحيب في البلاد، وقال مسؤول رفيع في حماس، إن التقارير التي تفيد بموافقة قطر على طرد مسؤولي الحركة من الدوحة، "لا أساس لها من الصحة".
وذكر المسؤول أن هذه التقارير كانت بمثابة "تكتيك ضغط"، مضيفًا أنه تم تداول مزاعم مماثلة سابقًا دون أدلة داعمة، حيث قال: "تكرر هذا دون أي دليل.. ما تردد في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن موافقة قطر على طرد حماس من الدوحة بناء على طلب أمريكي لا أساس له من الصحة وهو مجرد تكتيك ضغط".
قطر في موقف حساس: معضلة بين أمريكا وإسرائيل
من الواضح أن قطر تتواجد في موقف حساس للغاية، حيث تحاول الحفاظ على سياسة متوازنة وسط التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، والحركات الفلسطينية من جهة أخرى.
فبينما تسعى قطر لدعم الحقوق الفلسطينية والوقوف مع الشعب الفلسطيني في محنته، فإنها في الوقت ذاته تحاول تفادي الدخول في مواجهة مباشرة مع حلفائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
علاقات قطر مع الولايات المتحدة تعتبر حيوية للغاية، حيث تلعب الدوحة دورًا استراتيجيًا في دعم الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وهي تستضيف قاعدة "العديد" الأمريكية التي تعد من أهم القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، لذا فإن الموقف الأمريكي القاسي تجاه قطر يشكل تحديًا حقيقيًا لدولة صغيرة لكنها ذات تأثير سياسي كبير في المنطقة.
ومع ذلك، يظل الموقف القطري متسقًا مع سياستها المعلنة منذ سنوات، والتي تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مع السعي في الوقت ذاته إلى تقديم الدعم السياسي والإنساني لفلسطين دون الانجرار إلى معركة عسكرية أو إيديولوجية مع القوى الكبرى.
قطر ليست مسؤولة عن تصعيد الحرب في غزة
من الأهمية بمكان التأكيد على أن قطر لا تتحمل مسؤولية تصعيد الحرب في غزة أو استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فالحركة الفلسطينية "حماس" هي حركة مقاومة تتبنى أجندة سياسية وعسكرية مستقلة، ولا يمكن تحميل قطر تبعات مواقفها أو تصرفاتها، كما لا يمكن اعتبار قطر طرفًا في الحرب الدائرة، بل هي دولة تسعى إلى دعم الشعب الفلسطيني من خلال مساعدة إنسانية ودبلوماسية.
وتعكس التصريحات الأمريكية والإسرائيلية في هذا الصدد فهمًا محدودًا للواقع الإقليمي وتعقيداته، فبدلاً من تحميل قطر مسؤولية تصرفات "حماس"، ينبغي النظر في الظروف المعقدة التي تجعل من دول مثل قطر قادرة على التواصل مع كافة الأطراف في المنطقة، بهدف التوصل إلى حلول سلمية تحترم حقوق الجميع.
موقف قطر ثابت في دعم فلسطين وحيادها الإقليمي
في النهاية، يبقى الموقف القطري ثابتًا في دعمه للقضية الفلسطينية، وهو موقف يهدف إلى تجنب الدخول في صراعات إقليمية غير ضرورية، حيث تقف قطر نفسها في موقف حساس، بين ضغوط أمريكية وإسرائيلية، لكنها تؤكد دائمًا أنها لم تدعم أبدًا الأنشطة العسكرية لحركة "حماس".
المزايدات والاتهامات التي توجه إليها قد تكون جزءًا من سياسة ضغط دبلوماسي، بينما تبقى قطر ملتزمة بدورها كداعم للحقوق الفلسطينية، ولكن من موقع الحياد السياسي في مواجهة الصراعات الإقليمية.