05 - 05 - 2025

في الندوة التعريفية الثانية لمبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة: المستقبل يعني الاهتمام بالطفل وأولوية التعليم

في الندوة التعريفية الثانية لمبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة: المستقبل يعني الاهتمام بالطفل وأولوية التعليم

عُقدت مساء الأربعاء الندوة التعريفة الثانية لمبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة، بدعوة كريمة من  مؤسسة د.جمال شيحة للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة والمؤسسة الأفريقية للتطوير وبناء القدرات.

بهذه الندوة خطت المبادرة التي انطلقت قبل شهور خطوة جديدة بإثارة النقاش العام حول أربع ملفات أخرى من الملفات وثيقة الصلة بمقومات القوى الناعمة في مصر، هي ملفات الأدب والموسيقى والغناء والفن البصري وثقافة الطفل لتضاف إلى ملفات السينما والمسرح والكتاب والنشر والثقافة الجماهيرية التي تناولتها الندوة التعريفية الأولى التي عقدت في الجمعية المصرية للتنوير في منتصف أغسطس. 

وتعكس هذه الملفات والملفات الأخرى التي سيجري طرحها في الندوات التعريفية القادمة تحت عنوان "حاضر الثقافة في مصر ومستقبلها، الجوانب المختلفة للثقافة المصرية في الماضي وفي الحاضر، ومحاولة استكشاف السبل لمستقبلها. 

وتشير العروض التي قدمت لحالة هذه الملفات تراجعاً في حالة الثقافة مقارنة بعقود سابقة وما تتعرض له في الوقت الراهن من تهديدات سيكون لها تأثير على مستقبل الأجيال القادمة، الأمر الذي حفز المشاركين في هذه المبادرة إلى العمل من أجل إثار انتباه الرأي العام والقوى الثقافية والإبداعية المختلفة في مصر لخطورة الوضع وحجم التحديات التي يتعين على المجتمع ونخبته المثقفة العمل من أجل تغيير الوضع الراهن واستنهاض الهمم لإحداث نهضة ثقافية وفكرية وإبداعية تعتمد على ثراء الشخصية المصرية وعمقها التاريخي وتهتم بالداخل أولاً.

في الندوة التعريفية الأولى فتحنا ملفات ساخنة تتصدر المشهد الثقافي المصري وتعكس بوضوح مدى التراجع الحادث وحجم التهديد والتحدي والآلية الأساسية للبناء الداخلي ممثلة في قطاع الثقافة الجماهيرية وقطاع النشر والكتاب، أما في الندوة الثانية التي يجري التركيز عليها في هذا المقال الذي يستعرض ويناقش أبرز ما طرح فيها من آراء وأفكار خلال جلساتها الأربعة التي أدارها الخبير التنموي محمود مرتضى، الذي قدم ملخصات وافية ومركزة لأبرز النقاط التي طرحها المتحدثون الأمر الذي ساعد على تقدم النقاش الذي  أداره أيضا باقتدار. لقد تناولت هذه الجلسات ثلاث ملفات لها صلة مباشرة بفنون إبداعية موضوعها فلسفة الجمال ولها صلة مباشرة ببناء الشخصية والتعبير عن الهوية الثقافية، وثقافة الطفل الذي يمثل المستقبل، والتي ركزت على تعليمه وتوفير الشروط لنموه نموا سليماً. وقدم المتحدثون تقارير مروعة عن الوضع الراهن نبهت إلى الخطر المحدق الذي تواجهه هذه الجوانب للثقافة التي تُعد ركيزة أساسية لمقومات القوى الناعمة. 

ربما كانت الرسالة الأهم التي خلصت إليها الندوة بجلساتها الأربع والنقاش الذي دار حولها، أن هذا الوضع ليس قدراً علينا الاستسلام له وإنما هو وضع يمكن تغييره، وأن هذا التغيير بيد المجتمع ونخبته المتعلمة والمثقفة، وأن تنبيههما واستثارتهما لجسامة التحدي الذي يتعين على الجميع التعامل معه، مسألة ضرورية كي ندرك حقيقة أننا أصبحنا في لحظة مصيرية، فإما أن نكون أو لا نكون، والتي عبرت عنها بعبارات واضحة تنبه إلى خطورة الوضع الذي وصلنا إليه نتيجة للإهمال والتراخي المستمرين منذ عقود، الخبيرة في حقوق الطفل، سمية الألفي، في مداخلتها في الجلسة الأخيرة التي خصصت لثقافة الطفل، والتي كانت الجلسات الثلاث الأولى تمهيد لها من خلال تأكيد محورية الطفل والاهتمام بتعليمه وثقافته، إذا أردنا تغيير الوضع الراهن الذي لا يرضي أحداً.

التعليم أولاً وثانياً وعاشراً

أكدت الأستاذة سمية الألفي، بما لديها من خبرة في مجال الطفولة والأمومة تراكمت من خلال المناصب التي شغلتها في مسيرتها الوظيفية ومساهماتها في ميدان العمل الأهلي مع المؤسسات والجمعيات المعنية، أن الأولوية يجب أن تنصرف إلى التعليم، وأن هذه النتيجة ليست إبداعاً وإنما هي خبرة المجتمعات التي أحدثت نهضة وتغييراً، والتي تشير إلى أن هذه المجتمعات انطلقت من التعليم باعتباره أولوية قصوى وملحة، وأكدت ضرورة دراسة تجارب هذه المجتمعات ومعرفة ما فعلته في هذا الملف والاستفادة من خبراتها. ونبهت في كلمتها إلى خطورة الملف الخاص بالطفل وثقافته وتعليمه من واقع البيانات والأرقام الإحصائية التي تشير إلى نحو 43 مليون طفل يشكلون نحو 40 في المئة من عدد السكان لا يلقون الاهتمام اللازم على المستوى الأسرى وعلى مستوى المجتمع، ونحو 20 مليون مراهقة ومراهق، لا يستمع أحد إلى آرائهم وتطلعاتهم، وأننا لا نقف كثيراً لتحليل ما تعنيه البيانات الإحصائية الخاصة بمعدلات الطلاق والأسر تعولها المرأة ولا لمعدلات الانتحار وحقيقة التسرب من التعليم، لتمهد بذلك إلى ملف التعليم باعتباره واحداً من الملفات الأساسية التي يتعين على المبادرة تناوله.

كنا نتمنى أن نستمع أكثر في هذا الملف من الأستاذ أحمد عبد العليم، مدير المركز القومي لثقافة الطفل الذي حضر جانباً من الجلسات لكن منعه ظرف طارئ من البقاء لجلسة ثقافة الطفل، والذي كانت دعوته للمشاركة في هذه الندوة واستجابته تعبيراً عن الإمكانيات التي يمكن أن يسفر عنها الحوار البناء والجاد بين منظمات المجتمع المدني والمبادرات الأهلية وبين مؤسسات الدولة وهيئاتها وأجهزتها المعنية لإحراز تقدم في الملفات المختلفة التي نناقشها، ذلك لإيمان أعضاء المبادرة بأن الحوار الوطني لا يقتصر على الجلسات التي نظمت لإطلاقه وإنما هو عملية مستمرة ومتواصلة وتفاعل بناء بين الشركاء في الوطن من مواقعهم المختلفة ومن خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والفكرية المتباينة، وهو ما نتطلع إليه ونحرص على تهيئته في كل ما ننظمه من فاعليات ونقاشات. 

الاهتمام بالطفل وثقافته والتعليم كان حاضراً منذ بداية هذه الندوة الثانية، وتم التطرق له في الملفات التي ناقشناها في الندوة الأولى من خلال ملفي الثقافة الجماهيرية والكتاب والنشر، إذ أشار المتحدثان إلى الدور الذي لعبته المكتبات المدرسية ومكتبات بيوت وقصور الثقافة، كأهم مستهلك للكتاب والدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المكتبات في النهوض بصناعة النشر وضمان جودة الكتاب. وكان الاهتمام بالطفل وثقافته وتعليمه بارزا منذ الجلسة الأولى في الندوة الثانية المخصصة للأدب والتي تحدث فيها الروائي والناقد شريف العصفوري والروائية والناقدة سلوى بكر، وفي جلسة الموسيقى والغناء التي تحدثت فيها الباحثة الموسيقية الدكتورة آيات ريان التي حولت اهتمامها بدراسة فلسفة الموسيقى إلى مشروع عملي بإنشاء فرقة "دندنة على نوتة" للكورال، والتي تمزج بين التلحين والتأليف الموسيقي وبين الغناء، وشاركتها الأستاذة الدكتورة نهلة مطر، المؤلفة الموسيقية ورئيس قسم النظريات والتأليف بكلية التربية الموسيقية، علاوة على أن موهبة الرسم والنحت من المواهب التي يتطلب اكتشافها في سن مبكرة. وأشار المتحدثون جميعاً إلى أهمية وضرورة الاهتمام بهذه الفنون في مرحلة مبكرة من مراحل التعليم الأساسي.

الأدب واللغة والهوية

في الجلسة الأولى المخصصة للأدب، كان موضوع الهوية حاضراً بقوة نظراً لأن اللغة هي الوسيط الأساسي لإنتاج الأدب، سواء أنتج هذا الأدب من خلال الكتب المطبوع أو المسموع أو من خلال وسائط أخرى مثل الدراما والسينما. وبرز من خلال الطرح وجهتان للنظر في موضوع الأدب كواحد من الركائز الأساسية للثقافة، من خلال استعراض تاريخ الأدب وتطوره في مصر منذ الدولة المصرية القديمة مروراً بالرومان والعرب، وكانت الملاحظة الأساسية هي انتقال المصريين للسان العربي وعدم انتقالهم للسان الروماني، رغم الاحتلال والعلاقات الثقافية والتاريخية الممتدة عبر البحر المتوسط. وأصبحت اللغة العربية هي الوسيط الأساسي لإنتاج الفنون المختلفة للأدب من الرواية والشعروالقصة القصيرة والمقال. ولم تأخذ قضية تأثير اللغة على حالة الأدب في مصر حظها الكافي من النقاش على الرغم من إشارة مداخلة خبيرة في اللغة العربية في الأمم المتحدة لمسألة الازدواجية اللغوية التي يعاني منها المصريون بين العامية المصرية والفصحى. 

عموماً لم يأخذ ملف الأدب المساحة الكبيرة التي يستحقها من النقاش في هذه الندوة، ربما كان أحد الأسباب لذلك اتفاق المتحدثين على ان الأدب المصري بخير على مستوى الإبداع على الرغم من المعوقات التي تحول دون انتشاره ومساهمته في بناء المشروع الثقافي المصري بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير لأسباب ثقافية وسياسية، وبسبب تقليص مساحة الأدب في التعليم العام في مراحله المختلفة لصالح نصوص مقررة وضعها موظفون يفتقرون إلى ملكة الإبداع الأدبي، الأمر الذي كان له تأثير كبير على عدم اتقان المتعلمين لفنون الكتابة والتعبير الأدبي وضعف الأسلوب والبلاغة والتراكيب اللغوية، وهو الذي انعكس سلباً على مجالات مثل الصحافة والإعلام، كذلك التدهور الشديد الذي ألم باللغة وبالذوق الرفيع بسبب تراجع حركة النشر بشكل عام وتراجع نشر الأعمال الأدبية على وجه الخصوص.

وفي تقديري، إن ملف الأدب من الملفات التي يجب أن تحظى باهتمام خاص في النهوض بالقوى الناعمة نظراً للدور الذي تلعبه المدارس الأدبية المختلفة في مصر في النهوض بمستوى الثقافة الوطنية والتعبير عن هموم المواطنين وتطلعاتهم وأحلامهم وهي من الأمور التي سنوليها رعاية خاصة في التخطيط لأنشطتنا المستقبلية، وإن كانت الصالونات الأدبية ومنتديات القصة والشعر من أكثر الفعاليات جذبا للجمهور وأنشطها، وتظل ملمحا بارزا من ملامح الحياة الثقافية في مصر، ويمكن للمبادرة الاستفادة من هذا الزخم وتعزيز الأواصر مع الأدباء والشعراء والنقاد. 

هويتنا الموسيقية والبصرية

تناولت الجلستان الثانية والثالثة، ملفان يرتبطان ارتباطاً مباشراً بالفلسفة، وتحديداً بفلسفة الجمال أو علم الجمال، علاوة على ارتباطهما المباشر بفنون العمارة، وارتباطهما أيضا بعلوم منضبطة مثل الفيزياء والرياضيات، وهما ملفان بينهما ارتباط شديد، وهذا ما تؤكده الدراسات الفلسفية والنقدية. الملفان مرتبطان أيضا بإحدى دوائر الانتماء الثقافي والحضاري لمصر وهي دائرة البحر المتوسط، ويعبران عن تميز مصر ثقافياً في المحيط العربي، ويعطيان للشخصية المصرية بعداً أكثر انفتاحا ورحابة ويعطيان لهوية مصر تميزها الخاص. وعلى الرغم من كونهما مجالين من مجالات الفنون الجميلة والارتقاء بالذوق العام إلا أنهما من أكثر المجالات معاناة نظراً لغياب حركة للنقد الفني سواء في مجال الإبداع الموسيقى والغنائي، أو في مجال الفنون البصرية. وهما أيضا ملفان يستحقان اهتماماً خاصاً عند الحديث عن قوى مصر الناعمة.

الحديث عن الموسيقى والغناء، وكذلك الحديث عن الفنون التشكيلية الإبداعية والتطبيقية يستحقان أيضاً اهتماماً خاصاً لاعتبارهما من أهم مقومات القوى الناعمة لمصر والتي تعطي لمصر مكانتها المتميزة في العالم. لقد تناولت الدكتورة آيات ريان في ورقتها ارتباط الموسيقى بالفلسفة وعلم الجمال وأشارت من خلال استعراضها لتاريخ الموسيقى في مصر الدور الذي لعبته الموسيقي، خصوصاً مع سيد درويش، في بلورة الشخصية الوطنية المصرية وكيف عبر الموسيقيون والمغنون عن القضايا الوطنية وكانت أعمالهم جزءا من الحركة الوطنية المصرية من أجل التحرر من الاستعمار والتحرر الوطني وإبراز الطابع المميز لشخصيتنا القومية. 

وتطرقت الدكتورة نهلة مطر، لجانب آخر من جوانب الدور الذي لعبته الموسيقى في تبلور مصر الحديثة التي أراد حكامها منذ بداية التاريخ المصري مع بناء دار الأوبرا المصرية أن تكون مصر قطعة من أوروبا، كما أوضحت الراحلة الدكتورة رضوى عاشور أستاذ الأدب في دراسة لها بعنوان "قطعة من أوروبا". وأبرزت الدكتورة نهلة قوة الجملة الموسيقية التي يتم التعبير عنها بالأصوات الطبيعية أو بالآلات في التأثير في الشخصية المصرية، وقالت إن الموسيقى ترتبط بالجمال لا بالأخلاق، وأن الحكم بمعايير أخلاقية وغير جمالية أخر تطور حركة النقد الفني. وشددت على أهمية تنمية الحس الموسيقي والاستماع لدى الأطفال من خلال التعليم، وهو ما أكدته أيضا الدكتورة آيات التي أشارت إلى تراجع الموسيقى والتدريب على الآلات الموسيقية في المدارس.

وكان حديث الفنان التشكيلي والمؤرخ لتاريخ الفن في مصر والناقد سيد هويدي، والفنان والصحفي حميد مجاهد حديثا موجعاً لواقع الفن البصري في مصر، رغم أن الهوية البصرية قديمة قدم المصريين الذين سجلوا حياتهم في أعمال تشهد عليها الآثار الباقية والدالة على عمق هذه الحضارة الممتدة ومستوياتها المتعددة واستمراريتها التي تتجسد من خلال الرسم والنحت، والأكثر إيلاما فيما ذكره الأستاذ سيد هويدي، هو إدراك الأجانب لقيمة هذا الفن الذي يتعرض لصور فاضحة من سوء الاستغلال على النحو الذي بينته واقعة بيع واحدة من لوحات الفنان المصري الراحل محمود سعيد بمبلغ 1.2 مليون دولار في واحدة من كبرى صالات المزادات في العالم لصالح سعودي اشتراها ببضعة آلاف من الجنيهات وكم من الأعمال الفنية العظيمة التي يتم بخسها. في كلمته تطرق الأستاذ حميد مجاهد إلى خطورة ما يتعرض له الفن المصري على النحو الذي يكشفه إصرار السلطات في مصر على إزالة متحف الخزاف العالمي الراحل نبيل درويش دون مراعاة للقيمة الفنية لمقتنياته من الإبداعات الخزفية من أجل بناء كوبري. 

وتحدث الأستاذ حميد عن الدور الخطير الذي يلعبه الفن في تعزيز نفوذ الدول ومكانتها على النحو الذي كشف كتاب الحرب الباردة الثقافية الذي كشفت فيه الباحثة البريطانية فرانسيس ستونور سونديرز Frances Stonor Saunders عن وثائق تفضح اختراق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للكتاب والمفكرين في أوروبا وأنحاء أخرى من العالم، وتسلط الضوء على تمويل هذا الجهاز للكتاب والمفكرين والمجلات الأدبية من خلال منظمة "من أجل الحرية الثقافية" التي كان مقرها في باريس، ووقوفها وراء حركات فنية من أجل مواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي الذي تمدد عالمياً من خلال نشر الأدب الروسي. ولا يستبعد وقوف أجهزة أمنية وراء ما تتعرض له الثقافة المصرية ومقوماتها الآن من هجوم ممنهج ومنظم، طمعاً في احتلال الدور والمكانة الثقافية التي تمتعت بها مصر على مدى عقود.

نظرة للمستقبل

على الرغم من الاستغراق في تحليل اللحظة الراهنة لواقع الفن ومقارنتها بما كنا عليه من قبل، إلا أنه لا يمكن لهذه المبادرة أن تغفل سؤال المستقبل الذي حرصت على حضوره في سلسلة الندوات التعريفية. وكان المستقبل حاضرا وبقوة في هذه الندوة التعريفية الثانية من خلال تخصيص جلسة لثقافة الطفل، وكان حاضرا وبقوة من خلال تأكيد المتحدثين جميعا، والمتحدثين في ملفي الموسيقي والفن البصري تحديداً على أهمية اكتشاف الموهوبين في هذه الفنون في مرحلة مبكرة من عمرهم والعمل على صقل هذه المواهب مع الارتقاء بالذوق بشكل عام، وهو الأمر الذي يضمن الارتقاء بالإحساس بالجمال وتوسيع الأفق والخيال والانفتاح على العالم. من المؤسف أن ما حل بنظامنا التعليمي من تراجع في الانفاق والاهتمام انعكس سلباً على الاهتمام بتدريس الفنون والتدريب عليها في المدارس وكان لهذا تأثير خطير على القدرات البشرية للناتج من هذه المنظومة التعليمية.

لقد فتحت الندوة التعريفية الثانية لمبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة الباب للتفكير في الملفات التالية والتي ستشمل التعليم والحرف الإبداعية والآثار والصحافة والإعلام وفنون الطفل باعتبارها الجانب التطبيقي لثقافة الطفل. والمفهوم الذي نسعى للتوافق عليه فيما يتعلق بملف الثقافة ينصرف إلى بعدين أساسيين. يرتبط البعد الأول بالثقافة كتعبير عن أسلوب الحياة ونمط التفكير والنظرة إلى العالم التي يتبناها المجتمع، هنا يتم التعامل مع الثقافة كممارسة وفعل يومي للبشر، التي تقيس مستوى تعاملهم مع الأفكار المجردة وكيفية التعبير عنها وتجسيدها عبر منتجات لها قيمة جمالية وأخرى وظيفية. أما البعد الثاني للثقافة، فينصرف إلى الثقافة باعتبارها عملا منظما الهدف منه الارتقاء بالذوق العام وبتهذيب المجتمعات وتعظيم القيم الروحية والجمالية لديها من خلال الفن بصوره وتعبيراته وأشكاله المختلفة. ويرى القائمون على المبادرة أن مصر غنية في الثقافة ببعديها.

هذه الندوات التعريفية، ليس القصد منها إثارة الانتباه لهذه الملفات وحسب وإنما استخلاص نتائج تساعد على تطوير المبادرة ووضع خطط عمل مستقبلية للنهوض بالقوى الناعمة الثقافية وغيرها، إيمانا بأنها الركيزة الأساسية لمكانة مصر ودورها ونفوذها إقليميا وعالمياً وقبل هذا وذلك، لكون ركيزة أساسية من ركائز قوة مصر وشخصيتها الحضارية.
----------------------------------
بقلم: أشرف راضي