05 - 05 - 2025

أحدث روايات أنور الخطيب .. نايٌ على جسد أو قميصٌ بدم كذب

أحدث روايات أنور الخطيب .. نايٌ على جسد أو قميصٌ بدم كذب

يجذبنا أنور الخطيب إلى عالم روايته ويحملنا على عيش التجربة بكلّ حواسنا. وهو يدرك أهمّيّة المكان في الرواية الإبداعيّة، وتأثيره في مسار الأحداث لأنّه جزءٌ لا يتجزّأ من النسيج السرديّ. فلا يغرقنا في وصف الأمكنة وصفًا مملًّا، بل يركّز على الأماكن التي لها تأثير مباشر على الأحداث. وجبور الدويهيّ يقول:" المكان هو البطل والأمكنة أساسٌ وكلّ أقدار العالم تدور حولها".

وبعض الأمكنة في رواية " نايٌ على جسد"، ليست مجرّد موقع جغرافيّ، بل تحوّلت إلى رمز، فالبحر وشاطئه صدىً للأوضاع السياسيّة في الوطن العربيّ. فالشاطئ فضاء تجري فيه أحداث، وتتنفّس فيه شخصيّات، ولا يمكن فصل البحر عن رمزيّة الماء، فالبحر رمز لحركيّة الحياة وفعاليّتها، فهو مكان الولادة والتحوّلات والبعث.

أمّا عتبة العنوان فأهمّيّتها بناءً لخصائص شكليّة، ووظائف دلاليّة. وهي تحدّد ملامح النصّ وهويّته، وتبني كونًا تخيّليًّا محتملًا. ولا ننسى كتاب "عتبات النصّ" لجيرار جينيت الذي أرسى فيه العديد من الأسس الهامّة لدراسة العتبات النصّيّة في الولوج إلى النصّ، وفي تحقيق دلالاته. وقد اختار الروائيّ عنوانًا جذابًا يثير اهتمام القارئ وانتباهه. ولهذا العنوان دور مزدوج، جماليّ/ رمزيّ. فالناي آلة موسيقيّة تصدر صوتًا شجيًّا وحزينًا عند النفخ فيها والضغط على ثقوبها بطريقة فنيّة إحترافيّة. الناي يحمل بين أنينه وجع الإنسان الفلسطينيّ، فكما الضغط على آلة الناي يولّد حزنًا كذلك الضغط واغتصاب الأرض يفجّر غضبًا وألمًا. ومن يقرأ بين السطور باستطاعته تفكيكها وتحميلها  الكثير من التأويل والترميز.  وأمّا الجسد فهو الوطن، والعنوان يحمل بين حروفه، وجع الوطن وأنينه، ومشاعر الحنين والشوق والحزن والاغتراب نتيجة الانفصال عن الوطن. ويستدعي الروائيّ فاعليّة الوطن في توظيف رمزيّ، فإذا بالناي يصدح بنغمة الحنين والعودة إلى الوطن والانغراس فيه.

ويرى جان بول سارتر أنّ لكلّ كاتب موقفًا في عصره، ومسؤوليّة تجاه مجتمعه والإنسانيّة بصورة عامّة. والروائيّ قادر على التأثير في زمانه من خلال المواقف التي يحمّلها لأبطاله، ويكتب عن عصره ومعاصريه، ويتحدّث عن نفسه وعنهم في آن واحد. وأنور الخطيب لا يعرف سوى واقع واحد لا يتجزّأ هو الواقع الإنسانيّ، والجرأة والتفرّد عبر رصد الواقع؛ والغوص في الميثولوجيا، والفانتازيا، والتخييل الرحب. وسعى إلى كسر القوالب تساعده تقنيّات سرديّة متنوّعة في إطلاق الخيال والاستعانة بالموروث الدينيّ/ القصص الدينيّة/التناص من القرآن الكريم/ ومن الموروث التاريخيّ السياسي والشعبيّ/ والموروث الأدبيّ والثقافيّ العربيّ والعالميّ/ فلا يسقطها بل يضعها في سياقها الواقعيّ. والقرآن لغة إنسانيّة عالميّة ومن أجل ذلك يسعى الروائيّ الخطيب إلى نشر لغة القرآن الكريم وتراكيبه وعباراته على ألسنة القرّاء؛ تساعده في ذلك ثروته اللغويّة الواسعة وثقافته الموسوعيّة. ويرى الدكتور أحمد طعمه حلبي في كتابه " التناص بين النظريّة والتطبيق" ما تتميّز به " اللغة القرآنيّة من إشعاع وتجدّد ولما فيها من طاقات إبداعيّة تصل بين الكاتب والمتلقّي بشكل مباشر، يضاف إلى ذلك قابليّتها المستمرّة لإعادة التشكّل والصياغة من جديد".

وكلّ شخصيّة في هذه الرواية هي البطل، وتحمل رمزًا، وتعبّر عمّا يختلجها من مشاعر وتناقضات. وشخصيّات أنور الخطيب لها مراجع في التاريخ أو الأسطورة أو في الموروث الدينيّ أو الموروث الثقافيّ أو السياسيّ. فالشخصيّات تكتشف ذواتها وحيرتها وقلقها الوجوديّ وتواجه نفسها والآخرين. وشخصيّة "صاد" هي بمثابة ضمير الراوي ويتدخّل بصفته المقوّم، الناصح، الموجّه، الحامي، المحامي... ويحمل غالبية ملامح الراوي (ص 9) وعلى خطّ متوازٍ تبرز شخصيّة نسويّة هي السيّدة الجميلة كما يدعوها الراوي، فدور المرأة بارز وفعّال في رواية "نايٌ على جسد".

وتطرح الرواية عددًا من القضايا السياسيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والجنسيّة، وتسلّط الضوء على المجتمع العربيّ بكلّ تناقضاته وإيديولوجيّاته. فهذه الرواية لا تكفيها صفحات في تفكيك شيفراتها ورموزها؛ وكلّما غصنا وتعمّقنا في شخوصها اكتشفنا أنّها تعكس بعض ملامح أنور الخطيب الفكريّة والثقافيّة.

وأجاد الخطيب  التنقّل بين البعد الحقيقيّ والبعد المتخيّل الذي يصبّ في مصلحة العمل الروائيّ الفنيّ الممتع. والرواية تنتهي بدعوة واضحة إلى تغيير التفكير والعودة إلى الذات والتصالح معها.

وفي هذه الرواية هل يضيء أنور الخطيب على واقعنا العربيّ وما يحيط به من تحدّيات؛ أم أنّه يستشرف مستقبل الأمّة العربيّة؟  
---------------------------------
بقلم: نجاة شالوحي
* ناقدة لبنانية