عرفت اللواء أركان حرب عبدالحميد حمدي شرارة من خلال كتاباته، وذكرياته التي ينشرها على صفحته على (الفيسبوك)، وقد لفتت نظري وصرت التهم حلقاتها وهي أمتع ما قرأت من مذكرات، وتحفل بالمعلومات العسكرية الدقيقة عن حروب مصر المختلفة والمعارك التي حضرها اللواء شرارة منذ تخرجه في الكلية الحربية في أغسطس 1966 في سلاح المشاة "سادة المعارك" وشارك في حرب 5 يونيو 1967، وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 73، ففي حرب الاستنزاف خدم مع الفريق فؤاد عزيز غالي باللواء 114 مشاة فى الفرقة 3 مشاة بالدفرسوار، وتم انتدابه فى الشرطة العسكرية خلال حرب أكتوبر قائداً لسرية شرطة عسكرية مسؤوﻻً عن تنظيم عبور القوات على كبارى ومعديات الجيش الثالث الميدانى.. وقد أبلى بلاء في كل مكان خدم فيه وفي كل مهمة أوكلت إليه..
أكمل عبدالحميد شرارة مشواره العسكري بعد ذلك وتسنم المناصب الرفيعة حتى تقاعد عام 2007، وقد ذكر لي أنه تعود في نهاية كل يوم أن يدون في نوتة الملاحظات والأحداث وأسماء من التقى بهم.. كل ذلك ساهم في تذكره لأدق التفاصيل.. ثم دارات بيني وبينه الحوارات كان الرجل يفتح لي قلبه ويبوح بعطر الذكريات، وقد اعتمدنا في كتابة مقالنا هذا على هذه الحلقات وعلى الأحاديث التي دارت بيني وبينه..
حياته ونشأته:
ولد عبدالحميد حمدي حسين عبد العزيز شرارة في مدينة المنصورة يوم الأربعاء 17 أبريل عام 1946 لأسرة عريقة في المجد؛ والده المهندس حسين عبد العزيز شرارة الذي عمل بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشغل بها المناصب الرفيعة، منها مدير الصيانة، ثم مديراً عاماً لها في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، ووالدته السيدة فريدة عبد الحميد حمدي وهي أخت اللواء مهندس أ.ح أحمد حمدي عبد الحميد الذي استشهد على خط النار يوم 14 أكتوبر عام 1973..
نشأ الطفل عبدالحميد حمدي شرارة - الذي سمي على اسم جده لأمه عبدالحميد حمدي – في مدينة المحلة الكبرى، وقد خصصت شركة الغزل والنسيج فيلا أنيقة على الطراز الانجليزي تسكن فيها أسرته داخل منطقة مخصصة للإسكان الوظيفي لكبار الموظفين العاملين بالشركة، وتعلم عبد الحميد في أشهر مدارس المحلة وهي مدرسة الفرير سانت أوجاستنيوس (القديس أوغسطين)، وفي الصيف كان الطفل عبدالحميد يستمتع بأجوائه مع أقرانه في نادي الموظفين وكان من أرقى الأماكن بمدينة المحلة الكبرى..
انتقل مع الأسرة بعد ذلك إلى الدقي والتحق بمدرسة الأورمان الثانوية بالدقي وقد زامله فيها الموسيقار عمر خيرت، والمخرج علي بدرخان.. ثم انتقلت أسرته بعد ذلك إلى حي مصر الجديدة واستقرت بها منذ عام 1960، وانتقل من مدرسة الأورمان إلى مدرسة النقراشي الثانوية وقد حصل على الشهادة الثانوية عام 1964.
كان اللواء عبدالحميد شرارة يعشق منذ صغره الرماية والخناجر والبلط والجري والوثب الطويل والعالي وألعاب القوى، كما كان شغوفاً بقراءة تاريخ الحروب والمعارك والقادة الكبار ومشاهدة الأفلام الحربية، وكان خاله الضابط المهندس أحمد حمدي يشرح له بالتفصيل وأحب العسكرية وكل ما يمت إليها.. لذا قرر الانتظام في صفوفها والتحق بالكلية الحربية في أكتوبر 1964، وتخرج في الدفعة 49 في شهر أغسطس عام 1966، ومن مشاهير دفعته: اللواء مختار الملا مدير الكلية الحربية الأسبق، واللواء صبحي عبد اللطيف عياد قائد الجيش الثالث ومدير إدارة المشاة الأسبق، واللواء محمود عوض غنيم مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا، واللواء السيد بدير نجم مدير إدارة نوادي القوات المسلحة الأسبق، والفنان محمود قابيل، وغيرهم..
بعد تخرجه وحصوله على الفرقة الأساسية في مدرسة المشاة التحق بالخدمة بإحدى وحدات المشاة باللواء 114 مشاة بالفرقة الثالثة مشاة، وكان عائداً لتوه من اليمن، وتحركت هذه الكتيبة يوم 15 مايو 1967 إلى سيناء واستقرت بجنوب جبل لبنى، وتم دفع فصيلة الملازم عبدالحميد شرارة يوم 6 يونيو لعمل دورية استطلاع مقاتلة فى اتجاة أبو عجيلة والكوبري المنسوف على الطريق الأوسط لتجميع أي معلومات عن العدو المهاجم بعد أن تم قطع جميع وسائل الاتصال بين قائد اللواء والجوار فى الأمام وفى الخلف والأجناب وقيادة الفرقة فى الحسنة وحتى قيادة الجيش الميدانى بقيادة الفريق أول عبدالمحسن مرتجي وذلك لاستخدام العدو بكثافة الشوشرة والإعاقة على جميع الأجهزة اللاسلكية والترددات وأعمال التخريب خلف الخطوط بقطع كابلات الإشارة ونسف عدد من أعمدة الأسلاك التليفونية.. وأصيب الملازم شرارة بطلقة رشاش إسرائيلي من العدو واخترقت فخذه الشمال، وتمكن من العودة إلى قيادة الفرقة بعد أن عرف موقف العدو وحجم قواته على الأرض.. وعرف أن العدو يتحرك بدباباته على المحور الأوسط وتصدى له لواء المشاه 114 واللواء 14 المدرع بقيادة العميد عبدالمنعم واصل.. واستطاع اللواء 14 أن يحدث بالعدو خسائر 47 دبابة سنتوريون وست عربات مجنزرة مدرعة (طبقا لكتابات قادة العدو في مذكراتهم).. وصدرت الأوامر بالانسحاب إلى غرب القناة وتمت محاكمة قائد الفرقة عثمان نصار، وعانوا كثيراً أثناء الانسحاب ولم ينسحب قائد اللواء العميد سعيد إبراهيم سعيد وعهد بانسحاب اللواء إلى رئيس الأركان وظل مع السرية التي تحمي مؤخرة اللواء أثناء الانسحاب وكانت بقيادة الملازم شرارة، وأصيب قائد اللواء وتعرض للأسر من جانب العدو. ثم شاركت كتيبته بعد ذلك في حرب الاستنزاف، وذهبت إلى الصعيد للتدريب في صحراء قفط..
في الشرطة العسكرية:
وفي عام 1970 تم انتدابه إلى إدارة الشرطة العسكرية، بالسرية 24 شرطة عسكرية قيادة عامة، وتمركز في مساكن شركة البترول بالسويس، ونظراً لأنه عمل فترة ضابط استطلاع بإحدى كتائب المشاة فقد كان يجيد العمل على الخرائط وصياغة تعليمات وأوامر العمليات، فقد استعان به فرع الشرطة العسكرية بالجيش الثالث في استلام وإعداد الخرائط وفي عام 1971 رقي إلى رتبة النقيب وتولى منصب قائد ثان السرية، وفي مطلع عام 1973 انتقل للعمل بالقاهرة بمدرسة الشرطة القريبة من إدارة التجنيد بجسر السويس، وبعدها بعدة شهور ترقى إلى رتبة الرائد بعد أن أمضى فى رتبة النقيب عاماً ونصف العام..
وفى شهر سبتمبر ١٩٧٣ رفعت درجة استعداد القوات المسلحة للحالة القصوى لتنفيذ مناورة استراتيجية، وتم تشكيل سرية شرطة عسكرية) السرية ٣٧ شرطة عسكرية (من ضباط وضباط صف وجنود مدرسة الشرطة العسكرية وانقلبت المناورة لتكون حربا حقيقية يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وتولى قيادتها، وكانت مهمة السرية أنها المسؤولة عن تنظيم المرور على كبارى ومعديات الجيش الثالث الميدانى.. وكانت السرية موزعة مابين منطقة المثلث فى السويس وكوبري الفرقة ١٩ المشاة وكوبري الفرقة السابعة المشاة في جنوب البحيرات.. وأبلت السرية خلال أيام الحرب وفي أثناء الثغرة.
وبعد انتهاء الحرب درس في كلية القادة والأركان (الدورة 26/1974-1975)، وكان معه في هذه الدورة المقدم سعد حسن أبو ريدة، وحصل على دورتها هو برتبة رائد، ثم عين رئيساً لفرع عمليات اللواء 12 مشاه، ونقل عام 1977 إلى فرع عمليات الفرقة السابعة مشاه، ثم تولى قيادة الكتيبة 504 مشاه التابعة للواء 119 مشاة مستقل في ممر سدر بجنوب سيناء.
سافر العقيد أ.ح عبدالحميد شرارة في مأمورية طويلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى صيف عام ١٩٨٤ ضمن وفد عسكري مصري يضم خيرة ضباط القوات المسلحة من جميع التخصصات للعمل كمراقبين لحضور مناورة رئيسية لقوات القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن الشرق الأوسط (الجالنت إيجل ٨٤ / النسر الشهم ١٩٨٤) برئاسة اللواء أ.ح حسن الزيات قائد الجيش الثالث الميدانى.. وكان ضمن سيناريو المناورة إسقاط فرقة مظليين أمريكية لتأمين منطقة حيوية وتعطيل تقدم فيلق مدرع روسى على طريق التحرك ممثلا بلواء مدرع.
وفي يناير 1988 تولى رئاسة أركان اللواء الخامس مشاة، وفي ديسمبر من نفس العام تولى قيادة اللواء 313 مشاة مستقل.. بعدها عُيِّن فى الدورة ٢٠ دفاع وطني بكلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وبعد ذلك عُيِّن نائبا ًلرئيس فرع التدريب التعبوي بهيئة عمليات القوات المسلحة، ثم رئيسا لفرع التنسيق والمتابعة بالأمانة العامة لوزارة الدفاع مع المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة، وتم ترقيته إلى رتبة اللواء فى يناير ١٩٩٥ وعين نائباً لمدير مركز إدارة الأزمات للقوات المسلحة، ثم مديراً لإدارة التخطيط والمتابعة بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، ثم مستشاراً للتخطيط والتسويق لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، ثم مديراً للعمليات بشركة النصر للخدمات العامة والتوريدات إلى أن تقاعد فى يناير ٢٠٠٧.
--------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري