30 - 04 - 2025

هل تواجه الكنائس الغربية والشرقية انقساماً بسبب زواج المثليين؟

هل تواجه الكنائس الغربية والشرقية انقساماً بسبب زواج المثليين؟

- الكنيسة الكاثوليكية: تتعارض مع المشروع الإلهي لمفهوم الزواج الكاثوليكي 
- الكنيسة الأرثوذكسية: نرفض زواج المثليين وكذلك الشراكة مع الكنائس التي تسمح به 
- الكنيسة الإنجيلية: لا يمكن للكنائس الشرقية أن تسمح به لأن الفعل بحد ذاته إجرامي

بالرغم من رفض الكنائس الشرقية للمثلية الجنسية، إلا أن بعض الطوائف المسيحية في الكنائس الغربية تسمح وتبارك زواج المثليين، وظهر ذلك بعد أن بارك كاهن في كنيسة بروتستانتية بإنجلترا زواج كاهنتين تعملان في نفس الكنيسة.

وكان البابا تواضروس قد هاجم المثلية الجنسية في كثير من عظاته ، وقال إنها ليست "حرية" وتتنافى مع الحق الإلهي، وسبق أن أضاف المجمع العقائدي للكنيسة الكاثوليكية أن زواج الرجل بالمرأة هو سر مقدس، فلا يمكن أن تمتد البركة إلى زواج المثليين ، وعلق بابا الفاتيكان أن الكنيسة لا تزال تعتبر العلاقات المثلية "خطيئة موضوعيا" ولن تعترف بزواج المثليين، بينما سمحت الكنيسة اللوثرية في السويد بزواج المثليين ولم تعارضه، ولكن امتنعت الكنيسة اللوثرية في الشرق عن مباركة هذا الزواج ، وبدأ الأساقفة في عدد من البلدان، بما في ذلك ألمانيا وبلجيكا ، في السماح للكهنة بمباركة زواج المثليين، في ظل غياب موقف سلطات الكنيسة. 

وتظهر الإدانة في العديد من آيات في الكتاب المقدس، وفي العهد القديم تحديداً هناك إدانة لمن يمارسون المثلية الجنسية، ويحدد سفر اللاويين عقوبة الرجم للمثليين.

وعلق الدكتور القس مارتيروس جمال، مدرس الجغرافيا التاريخية الكتابية في الكليات الإكليريكية قائلاً: الكتاب المقدس والمثلية الجنسية بالطبع، لم يعد مصطلح المثلية الجنسية Homosexuality الآن مخفيًا عن الجميع ، جاء ذلك من كثافة الأخبار والسجالات حول الأمر، وجهود أنصار هذا الاتجاه في الترويج له ومحاولة إضفاء الشرعية على وجوده. والغريب محاولتهم إيجاد أساس ومرجع للمثلية الجنسية في الكتاب المقدس !!

* هل هذا صحيح؟ أم أنه افتراء محض؟ 

الحقيقة أن الكتاب المقدس لم يخاطب المثلية الجنسية إلا بالإدانة والرفض، وكانت وصيته هي منع هذا السلوك وتحريمه، ويقول سفر اللاويين (22 : 18) بشكل قاطع: " لا تضاجع رجل، مضاجعة امرأة، بل ان لاويين (13:20) يوصف خطية المثلية الجنسية بانها "رجس" وان من يأتي هذا الفعل تكون عقوبته القتل ، وهذا الاستنكار والرفض للمثلية الجنسية الذي نجده في العهد القديم يستمر أيضًا في العهد الجديد، ففي الإصحاح الأول من رسالة القديس بولس إلى روميه، والتي كتبها من مدينة كورنثوس، تلك المدينة العالمية، التي تموج بمختلف الجنسيات والثقافات، والتي انتشرت فيها المثلية الجنسية بصورة مروعة، لم يتمكن القديس بولس من تجاهلها أو التغاضي عنها عندما كتب رسالة روميه، فيقول "لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان، لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة، وكذلك الذكور أيضا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض، فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور، ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق ، وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله الى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1: 26- 28)، وفي الرسالة إلى كورنثوش نفسها، وخوفا على مؤمنيها من هذه الخطبة المميتة، يحذرهم قائلا "لا تضلوا، لازناه، ولاعبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، يرثون ملكوت الله" ( 1كو6: 9-10) ، هذه مجرد إشارة بسيطة إلى موقف الكتاب المقدس من المثلية الجنسية.

موقف الكنيسة من زواج المثليين

يضيف القس مارتيروس جمال ، وبناء على الأدلة الكتابية السابقة، يتبلور موقف الكنيسة من زواج المثليين، وهو الرفض التام وعدم الشراكة مع الكنائس التي تسمح به ، لماذا، لأن الكتاب المقدس وكل آباء الكنيسة لم يشيروا إلا إلى الزواج الطبيعي بين رجل وامرأة، وبحسب قول المسيح نفسه في متى (19: 8) "من البدء لم يكن هكذا". لقد كان قصد الله منذ البداية أن يخلق جنسين للزواج،و قد أكد المسيح على هذا في العهد الجديد بقوله: "أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا، فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" (متى19:4).

موقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من المثلية

 تمثل رأي الكنيسة القبطية فيما يتعلق بالمثلية الجنسية وزواج المثليين في قرارات مجمعها المقدس ففي عام 2003م أصدر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا أدان فيه ورفض هذا الأمر، وفي عام 2024م جدد المجمع المقدس تأكيد رفضه لكافة أشكال المثلية الجنسية في البيان التالي:  "تُؤكد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على موقفها الثابت برفض كافة أشكال العلاقات المثلية الجنسية، وذلك لمخالفتها الكتاب المقدس والقانون الذي خلق الله به الإنسان ذكرًا وأنثى، وتعتبر أن أي مباركة أيًّا كان نوعها لمثل هذه العلاقات، مباركةً للخطية، وهذا أمر مرفوض".

* هل يمكن للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الاعتراف بزواج المثليين؟

يختتم القس مارتيروس جمال حديثه قائلا: إن تاريخ الكنيسة القبطية يتلخص في دفاعها عن الإيمان المسيحي كما جاء في الكتاب المقدس، الوارد من الآباء، والموضح في صلواتها. والمثلية الجنسية ليست استثناء من هذا ، لذلك لا يمكن للكنيسة القبطية أن تعترف بمثل هذا الزواج الذي يخالف كل المعايير الكتابية والآبائية والطقوسية الليتورجية والأخلاقية والعقلانية. حتى لو تم تأسيسها بشكل قانوني في العديد من دول العالم، أو حصلت على موافقة بعض الطوائف التي خرجت عن المبادئ المسيحية والكتابية.

موقف الكنيسة الكاثوليكية

على صعيد الكنائس الكاثوليكية علق الأنبا باخوم، النائب البطريركي لشؤون الإيبارشيّة البطريركية للأقباط الكاثوليك، ومسؤول اللجنة الأسقفية للإعلام بالكنيسة الكاثوليكية بمصر بالقول: موقف المسيحية، وخاصة الكنيسة الكاثوليكية، من زواج المثليين يعتمد على تعاليمها التقليدية ، وتؤكد الكاثوليكية على أن الزواج هو اتحاد بين رجل وامرأة، يهدف إلى فتح باب الحياة وتربية الأبناء،  ولذلك ترى الكنيسة أن العلاقات المثلية هي ضد وعكس وتتعارض مع المشروع الإلهي للمفهوم الزواج الكاثوليكي.

فالتعاليم الرسمية تؤكد أن الزواج سر مقدس يتم بين رجل وامرأة. ويهدف إلى التفاهم والمشاركة، ويعتبر الأساس لتكوين الأسرة.

أما عن التعاليم الأخلاقية، فتنظر الكنيسة إلى العلاقات المثليّة كأمر غير متوافق مع تعاليمها الأخلاقية. ففي وثائق مثل "مذهب الأخلاق الجنسية" (Catechism of the Catholic Church)، تُعتبر الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج بين رجل وامرأة غير مقبولة ، ومع تطور المجتمعات والمطالبة بحقوق المثليين، تجدّد الكنيسة وتؤكد رفضها التكيف مع هذه التغييرات .

أما التعاليم الكتابية: فتعاليم الكنيسة مبنية على الكتاب المقدس، إذ تنظر إلى نصوص مثل سفر التكوين (1: 27) ، والتي تتحدث عن خلق الإنسان على صورة الله، وكذلك بعض رسائل العهد الجديد، كحجج ضد زواج المثليين.

الطبيعة البشرية: تؤكد الكنيسة الكاثوليكية على أن الزواج جزء من التصميم الإلهي للطبيعة البشرية، ويعتبر الزواج بين الرجل والمرأة هو السبيل الوحيد الذي يساهم في استمرارية الحياة ، البابا فرانسيس يؤكد رفض الكنيسة للعلاقات المثلية باعتبارها تتعارض مع تعاليم الكنيسة ويرفض الاعتراف بقانونية زواج المثليين.

رأي الكاثوليكية في مباركة زواج المثليين

يؤكد الأنبا باخوم أن الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة جامعة رسولية ذات تعاليم ومعتقدات واحدة وغير محدودة بزمان أو مكان، ومن هذا المنطلق نفهم ما يلي:

الموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية، كما هو محدد في تعاليمها، هو أن الزواج هو اتحاد بين رجل وامرأة. ولذلك فإن زواج المثليين يعتبر غير متوافق مع مفهوم الزواج حسب الخطة الإلهية.

و رأي الكتاب المقدس في المثلية الجنسية:سفر التكوين (1:27): يُذكر أن الله خلق الإنسان على صورته، ويشير إلى ازدواجية الجنس كجزء من التصميم الإلهي.

سفر اللاويين (18:22 و20:13): يحتوي على نصوص تعتبر العلاقات الجنسية بين المثليين محرمة، وتُعبر عن هذا باعتباره "رجسًا".

رسالة رومية (1:26-27): يتحدث بولس الرسول عن الممارسات المثلية كمظهر من مظاهر الابتعاد عن الله، ويربطها بتغيير النظام الطبيعي.

رأي التفسيرات ، التفسيرات التقليدية

التفسير الحرفي: تعتبر النصوص المذكورة دليلاً قاطعاً على عدم جواز الممارسات المثلية في الإيمان المسيحي.

الأخلاقية التقليدية: وتتخذ الكنيسة الكاثوليكية الموقف التقليدي، معتبرة أن المثلية الجنسية تتعارض مع التعاليم الإلهية.

الكنيسة الإنجيلية

من جانبه، عبر القس رفعت فكري، الأمين العام المساعد لمجلس كنائس الشرق الأوسط، عن موقف الكنيسة الإنجيلية قائلاً: الكتاب المقدس منذ البدء، منذ بداية سفر التكوين، قال أن الله خلق الإنسان "ذكراً وأنثى"، و الزواج المبارك من الكتاب المقدس هو زواج الرجل بالمرأة ، والكتاب يدين أي زواج خارج هذا الإطار. ولذلك فإن الكنيسة في مصر بمختلف طوائفها (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية) ترفض زواج المثليين، لأن الزواج هو لرجل واحد وامرأة واحدة مدى الحياة، ولا يفرق بينهما إلا الموت.

وأكمل فكري، إذا كانت بعض الطوائف في الدول الغربية تسمح بزواج المثليين، فهذا يعتبر خروجا عن تعاليم ومبادئ الكتاب المقدس، وهذه الأفكار الأجنبية التي تستغل فكرة الحرية خطأ، تحت عنوان الحرية دون قيود أو ضوابط، ولهذا نجد أن هناك أفكاراً تعارض مؤسسة الأسرة وتدمرها، ولكن هذا يعتبر خروجاً عن تعاليم الكتاب المقدس ومبادئه، ونحن ككنائس شرقية نرفض ما يفعله بعض الطوائف من مراسم لزواج المثليين داخل الكنائس الغربية.

وأضاف: بحسب مبادئ الإنجيل، نحن نكره الخطية ولكننا نحب الخطاة. لقد أحب المسيح كل الناس ودعاهم إلى التوبة، ولم يرفضهم، بل احتواهم ، قيل عن السيد المسيح أنه كان يحب العشارين والخطاة ولذلك نكره الشر والخطية، ولكن رسالتنا هي احتواء الخطاة ومحبتهم ودعوتهم إلى التوبة وتقديم لهم رسالة محبة وغفران وتسامح. 

لا يمكن للكنائس الشرقية أن تسمح بزواج المثليين لأن الفعل بحد ذاته إجرامي، ولا أعتقد أنه ستكون هناك مباركة من الكنائس لهذا الفعل. وحتى في نظر الكنيسة فإنهم خطاة والكنيسة تصلي من أجلهم لكي يعودوا مرة أخرى.

و كانت قد وافقت بعض الكنائس الغربية رسميًا على السماح للكهنة بمباركة الأزواج المثليين، وفقًا لوثيقة تشرح التغيير الجذري في سياسة الفاتيكان، وتؤكد الوثيقة الصادرة عن المكتب العقائدي بالفاتيكان أن الأشخاص الذين يطلبون محبة الله ورحمته لا يتعين عليهم الخضوع لـ "تحليل أخلاقي شامل" من أجل الحصول على بركة الكنيسة.

ورغم أن الوثيقة تشير إلى أن الزواج هو سر مدى الحياة بين رجل وامرأة، إلا أنها تؤكد أيضا أن طلبات الحصول على مثل هذه البركات "لا ينبغي رفضها تماما"، وقدم الفاتيكان تعريفا شاملا لمصطلح “البركة” في الكتاب المقدس، لافتا إلى أن الأشخاص الذين يبحثون عن علاقة مع الله ويطلبون محبته ورحمته لا ينبغي أن يخضعوا لـ “تحليل أخلاقي شامل” كشرط مسبق للحصول عليه.
------------------------------------
تحقيق - مادونا شوقي
* من صحيفة المشهد الأسبوعية