- لبنان كان أحد أهم أسباب انفتاح مصر الثقافي والموارنة لهم مساحة كبيرة ضمن العائلات المسيحية الموجودة في مصر
- لبنان ضخت دماء جديدة في شرايين الثقافة المصرية على مدى قرنين ولم تبخل مصر في دعم لبنان
- العلاقة المصرية اللبنانية تتمتع بزخم متجذر في أعماق التاريخ منذ عصر قدماء المصريين والفينيقيين
المطران جورج شيحان، رئيس أساقفة أبرشية القاهرة المارونية في مصر والسودان، والزائر الرسولي علي شمال أفريقيا.
ولد في 31 مايو 1953 في حارة صخر - جونيه - لبنان. التحق بالإكليريكية البطريركية المارونية في غزير بلبنان من سنة 1967-1979م ، حصل على جائزة الفلسفة واللاهوت من جامعة الروح القدس بالكاسليك في لبنان، وسيم كاهناً في 12 أغسطس 1979 على يد المطران شكرالله حرب في الكنيسة الإكليريكية البطريركية في غدير.
خدم المطران شيحان في رعية سيدة المعونات في حارة صخر عام 1979-1997، وفي رعية مار نهرامن عام 1979-1997، وفي رعية مار دوميط عام 1979-1998، و تخصص في التربية المسيحية والشؤون الرعوية في الجامعة الكاثوليكية في فرنسا، في يونيو 1997، والرسالة في عمان بالأردن، وقام بتأسيس أول رعية للقديس مار شربل المارونية عام 2003، و كان أسقفاً على عمان، وفي عام 2012 عينه البطريرك مار نصرالله صفير مدبرا بطريركيا على أبرشية حيفا والأراضي المقدسة ، في 16 يونيو 2012 وبموجب قرار المجمع المقدس لأساقفة الكنيسة المارونية برئاسة بطريرك أنطاكية الماروني بشارة بطرس الراعي، تم انتخاب المطران جورج مطراناً للقاهرة.
في 28 يوليو 2012 سيم أسقفياً على بطريركية بكركي على يد البطريرك الكاردينال مار بشارة الراعي ، و في 13 يناير 2014 عينه البابا فرنسيس زائرا رسوليا للموارنة في بلدان شمال أفريقيا خارج منطقته الأسقفية ، وهو يعتبر الأسقف السابع على أبرشية القاهرة المارونية. وأصدر المركز اللبناني الماروني للثقافة والإعلام في القاهرة كتاب “أول كنيسة مارونية في مصر”، من تأليفه.
وفي حوار مع المشهد، تحدث المطران جورج شيحان عن دراسته وعلاقته بمصر، ونشوء الطائفة المارونية في لبنان، ووجود الموارنة، وكيفية انتشار الكنائس المارونية في مصر، والعلاقة بين الثقافتين والشعبين المصري واللبناني، وهذا نص الحوار:
* بداية ما تعليقك على الحرب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على لبنان وغزة؟
- صراع الدول والنفوذ، لا نعلم إلى أين سيقودنا إلا أن هناك أناس يموتون ، شعب يُدمر، كما تُدمر سبل عيشه بالصواريخ والقذائف. العالم المسيحي يصلي من أجل السلام،لا يمكننا القتال بالسلاح. نقاتل بالقول والكلمة والأخلاق والقيم والدعاء إلى الله أن يوقف الحرب. "رب السلام يعطي السلام." و يمنح بلدنا وشعبنا السلام، ونحن أيضًا مدعوون من قبل الله لنكون صانعي السلام.
المهم أن يستجيب العالم لنداء السلام ويعمل على تحقيق نهاية الحرب والدمار، وإيقاف كل المخططات الجهنمية التي تنتهجها الدول الكبرى المسيطرة على هذا العالم ، غير مدركين أن هناك أطفالاً، وشاشات التلفزيون تعرض لنا أعداداً من الأطفال والنساء والشيوخ وأعداد القتلى والشهداء الذين يسقطون كل يوم، سواء في لبنان أو غزة. وهذا مؤلم ومخجل ، وندعو الله أن يتصرف أصحاب القرار بعقلانية ومسؤولية مع المسؤوليات الملقاة على عاتقهم وبين أيديهم، لأنه لا يمكن لأحد أن يتحكم في مصير الإنسان لأنه رئيس دولة أو صاحب قرار معيّن أو مدعوم من دول أخرى، فاللهم يستجيب وينعم علي شعبنا وأرضنا بالسلام ، والشرق الأوسط الحزين المتألم ينعم بالسلام ويستعيد سلامه وحياته. لدينا ثقافات وحضارات عظيمة يمكننا تقديمها للعالم، كل الحضارات بدأت من هذا الشرق، ونحن الآن ندمر هذا الشرق لأي غرض. من أذن لهؤلاء بقتل الأطفال والنساء والشعوب.
* كيف كانت مشاعرك بعد قصف وتدمير لبنان وقتل الأطفال؟
- كنت في بلدي لبنان قبل أسبوعين وكنا جميعا نشعر بالقلق والألم والحزن الشديد ، لاسيما وأن أهلنا في الجنوب يتم تهجيرهم واستقبالهم في مناطقنا في جبل لبنان والشمال، ونحن نستقبلهم ، لأن للأسف أعداد كبيرة جداً من النازحين خرجوا قسراً من منازلهم من أجل البقاء آمنين، أنا قلق على مصيرنا ومستقبلنا، وأتألم لأن السلطات السياسية والدينية في لبنان حتى الآن ليس لها مواقف تدل على الروح الوطنية وبقاء ومصير واستمرارية الحياة في لبنان، لكننا على ثقة أنه مهما حدث للبنان فإنها ستبقى منارة وقبلة لكل إنسان يسعى إلى الحرية ويحبها. إن شاء الله يا رب يخفف معاناتنا في لبنان ويخفف هذه الضائقة، ويعود الناس إلى العيش والعمل من أجل مستقبل أولادهم، أتذكر ما قاله البابا يوحنا بولس الثاني (لبنان أكثر من وطن، هو رسالة)، وآمل أن يكون لبنان رسالة إلى هذا الشرق، رسالة محبة وحرية وسلام.
* متى نشأت الطائفة المارونية في لبنان وكيف وصلت إلى مصر؟
- تأخذ الكنيسة المارونية اسمها من مؤسسها القديس مارون الناسك الذي عاش على جبل بالقرب من أفاميا في سوريا الحالية في القرن الرابع الميلادي. ومن بعدها توجه الراهب السرياني يوحنا مارون برفقة عدد من أتباعه إلى جبل لبنان لتأسيس نواة الكنيسة المارونية في لبنان، وفي سنة 452م أنشأ تلاميذه ديراً بالقرب من قبره واتبعوا بطريرك أنطاكية. ثم انتقلت الطائفة المارونية إلى منطقة داخلية أكثر في لبنان.
في القرن السابع، كان أول بطريرك ماروني للكنيسة هو مار يوحنا مارون، الذي عاش في كفرحي (البترون)، وأسس هناك أول بطريركية مارونية سنة 685.و تم الاعتراف بالموارنة كطائفة دينية. وتعتبر الطائفة المارونية إحدى الطوائف التابعة للكنيسة الكاثوليكية.
الطائفة المارونية في مصر من الطوائف المنتشرة التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية برئاسة بابا الفاتيكان، ولها 6 أبرشيات في مصر في عدة محافظات، و يقع المقر الرئيسي للكنيسة المارونية في بكركي بلبنان، ولها بطريركها وأساقفتها، ويحتل الموارنة مساحة كبيرة ضمن العائلات المسيحية الموجودة حاليا في مصر، والبطريرك الحالي للكنيسة المارونية هو البطريرك بشارة الراعي، وهو البطريرك الـ 77، ولهم كنائسهم الخاصة ومؤسساتهم التعليمية والعلاجية مثل المستشفيات، وغيرها من الخدمات المقدمة للعائلة المارونية وللمجتمع المصري والعربي والشرق الأوسط.
ويبدأ تاريخ وجود الموارنة في مصر من عام 1745، حيث كرّس الراهب الحلبي (المريمي) موسى هيلانة أول كنيسة مارونية في دمياط، وهي كنيسة البارجة، وهي أول كنيسة مارونية في مصر وإفريقيا. ومنذ بداية عام 1700، كانت هناك هجرة من لبنان إلى مصر، و تم تعيين أول أسقف رسمي للكنيسة المارونية في مصر، النائب البطريركي المطران يوسف دريان، عام 1905.
وفي مصر ستة أبرشيات للكنيسة المارونية: سانت تريز في الإسكندرية تأسست عام 1867 ، وسانت تريز في بورسعيد تأسست عام 1859، ومار جرجس في شبرا تأسست عام 1881، وكاتدرائية مار يوسف - المطرانية المارونية بالظاهر ، تأسست عام 1908، ومار مارون بمصر الجديدة عام 1916، وسانت تريز في الإسماعيلية عام 1939.
وعن وجودهم في العالم العربي، أكد أن أكبر تجمع للموارنة موجود في لبنان، وهناك موارنة في الأردن والأراضي المقدسة و سوريا ومصر ، كما توجد كنيسة مارونية في الخرطوم. ويبلغ عدد أبرشيات الكنيسة المارونية في العالم 27 أبرشية.
ومن أنظمة الكنيسة وقوانينها وشروط الانضمام إليها، أن تكون الزوجة منتمية إلى الطائفة المارونية التي ينتمي إليها زوجها، ويتم زواجهما في الكنيسة المارونية، ويعمّد أولادهما بحسب طقوس الكنيسة المارونية، و المجمع المقدس للكنيسة المارونية هو السلطة التشريعية في الكنيسة المارونية، ويمارس أيضاً السلطة التنفيذية في عدد من القضايا، وتوكل إليه مهام بالغة الأهمية، مثل انتخاب البطريرك وانتخاب أساقفة الأبرشيات.
لم تعرف الكنيسة المارونية في تاريخها سينودس أو مجمعاً مقدساً بالمعنى الشائع للكلمة، كما كان منتشراً في الكنائس الأخرى، قبل المجمع اللبناني الذي انعقد سنة 1736، كان يتبع النظام الداخلي للكنائس الشرقية الكاثوليكية، وخرج منه عدد من اللجان والمؤسسات الفرعية، ولعل أشهرها مجلس الأساقفة الموارنة.
و منحني لبابا فرنسيس صفة زائر رسولي إلى شمال أفريقيا لمتابعة أحوال بعض أبنائنا الموارنة في دول شمال أفريقيا مثل الجزائر و المغرب وتونس وليبيا ، و هناك العديد من أبناء الطائفة المارونية الذين هم رواد ومؤسسي وأصحاب النهضة الثقافية والفكرية والفنية في مصر والعالم العربي ، وجميعهم أسماء معروفة، وأبرزهم: أنطون الجميل، آسيا داغر، مي زيادة، يوسف الخازن، لور دكاش، سليمان البستاني، داود بركات، فؤاد الشمالي "أول وزير مسيحي في الخلافة العثمانية" - كريم تابت" مستشار الملك فاروق" ، اسكندر الشلفون "مؤسس معهد الموسيقى" ، مارون وسليم نقاش من رواد المسرح العربي، وغيرهم الكثير.
* من خلال كتاب الكنيسة المارونية الأولى في مصر كيف انتشرت الكنائس المارونية في ربوع مصر؟
- يتناول الكتاب قصة أول كنيسة مارونية تأسست في مصر، وهي كنيسة "البارجة" التي كرّسها الأب موسى هيلانه عام 1745 في مدينة دمياط. ويتضمن الكتاب أيضًا حياة الأب هيلانه، وكتاباته، وأيقونته النادرة، وجدارية الكنيسة التذكارية، وآباء الرهبانية المارونية الحلبية "المارونية المريمية حاليًا" ، الذين نجحوا في إدارة أبرشية دمياط.
يحتوي الكتاب على خمسة عشر فصلاً، وغلافه عبارة عن لوحة من تصميم الفنانة التشكيلية اللبنانية إيمان خوري، جاء في مقدمته 110 سنوات هو عمر الكنيسة البارجة المارونية في مصر، ولعله أقصر عمر للكنيسة المارونية، ليس في مصر فقط، بل في المجال البطريركي أيضاً، 110 عاماً ،واثنا عشر أبًا من الرهبانية الحلبية المارونية، تولوا رعاية أبرشية دمياط، بدءًا من الأب موسى هيلانه حتى آخرهم الأب بطرس غبالي، وكذلك اثنا عشر أباً خدموا الرسالة المارونية، وخدموا الرعية، وبذلوا حياتهم من أجل الآخرين، وليس فقط الموارنة و لأبناء الطوائف الكاثوليكية، بل لجميع المسيحيين خدمة للدين، ولإخواننا المسلمين خدمة للإنسانية.
كان آباؤنا الموارنة يقدمون يد العون للجميع في أوقات الشدائد، آخذين بعين الاعتبار كلمات السيد المسيح في إنجيل مرقس 9/ 35 : " من أراد أن يكون أول القوم فليكن آخرهم جميعًا وخادمهم" ،
وهنا نقدم بعضاً من حياتهم لأبناء كنيستنا المارونية في مصر ولبنان وسائر بلاد الانتشار الماروني، كما جاء في الرؤيا المقدسة في (الرسالة إلى العبرانيين 13-7) ، "واعتبروا بما انتهت اليه سيرتهم واقتدوا بإيمانهم" .
* من خلال العلاقة بين الثقافتين والشعبين المصري واللبناني، ما هو تأثيرها على استمرار الوجود اللبناني في مصر وإسهاماته في الحياة والثقافة المصرية؟
- تتمتع العلاقة المصرية اللبنانية بزخم متجذر في أعماق التاريخ منذ عصر قدماء المصريين والفينيقيين، ودعوني أستشهد بمقولة للأديب المصري الكبير طه حسين، وصف فيها واقع العلاقة بين البلدين في المجال الثقافي، ووصفت بدقة واقع النشر والكتابة في عالمنا العربي آنذاك : «القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ»، مما أكد ثراء الثقافة المصرية وريادتها.
فقوة صوت لبنان الذي لا يزال يتردد صداه في محيطه العربي بقوته الناعمة؛ إنه يؤثر بثقافته على جميع المتحدثين عن الثقافة المعاكسة، وشددت على أن العلاقة بين البلدين علاقة انسجام تكاملية مبنية على الترابط الأخوي الوثيق، خالية من أي منافسة، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة جدا، ولا يمكننا أن ننكر أن الثقافة في لبنان لها مصادر عديدة وتعتبر ثروة لبنان الاستثمارية، وأن لبنان يسعى باستمرار للاستفادة منها وتعزيزها، والعمل على نشر وإيصال المفاهيم الثقافية عالمياً في مجالات الفن و الإبداع والأدب، و أن تصبح في متناول الدول الشقيقة؛ والتي ألقت بظلالها على مصر. ولم يبخل لبنان في تعزيز مجال الصحافة والأدب والفنون في مصر. بل كان لبنان أحد أهم أسباب انفتاح مصر الثقافي.
واستطاع لبنان أن يضخ دماء جديدة في شرايين الثقافة المصرية، ولا يزال تأثيرها قائماً حتى يومنا هذا. ولم تبخل مصر في دعم لبنان دوليا منذ الاستقلال، إذ كانت القاهرة أول من اعترف باستقلال بيروت في الأربعينيات، وليس هذا فحسب، بل شكلت مصر مركزًا هناك؛ وللتفاوض على استقلال لبنان، استضافت اجتماعا أسفر عن صياغة “الميثاق الوطني” الذي أسس نظام الحكم في لبنان في فترة ما بعد انتهاء الانتداب الفرنسي، ولذلك فإن العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل والتشاور المستمر وتنسيق الرؤى والمواقف في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك، والعمل على تطوير هذه العلاقات بشكل دائم ومستمر وزيادة أواصر الأخوة بين البلدين.
* لماذا المركز الثقافي اللبناني الماروني في مصر، وهل هناك خطط مستقبلية لنشره في محافظات أو دول أخرى؟
- انبثقت فكرة المركز الثقافي اللبناني الماروني بهدف خلق مساحة آمنة للحوار الحر بين جميع الطوائف للمشاركة دون أي تمييز، بهدف تنمية وتطوير المجتمع في إطار احترام وقبول الآخر وخلق مساحة لحرية التعبير، و أن نكون منارة ثقافية تعمل على ترسيخ هذه المعتقدات لدى المشاركين، ونقل تجربتهم للشباب لاحقاً من خلال مجموعة من الأنشطة والمبادرات، مما يدعمهم فكريا ونفسيا وينير لهم الطريق للمشاركة الإيجابية في المجتمع واستخدام طاقتهم الهائلة في التنمية.
-------------------------------
حوار - مادونا شوقي
من صحيفة المشهد الأسبوعية
العدد 336 من صحيفة المشهد الأسبوعية - ص 4